احصائيات

الردود
0

المشاهدات
3380
 
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي


ايوب صابر is on a distinguished road

    موجود

المشاركات
12,766

+التقييم
2.39

تاريخ التسجيل
Sep 2009

الاقامة

رقم العضوية
7857
12-13-2013, 09:57 AM
المشاركة 1
12-13-2013, 09:57 AM
المشاركة 1
افتراضي سوزان الراسخ : الأمكنة منحتني بعدا انسانيا وجماليا يتماهى مع شخوص رواياتي
حوار مع الروائية سوزان الراسخ : الأمكنة منحتني بعدا انسانيا وجماليا يتماهى مع شخوص رواياتي
december 12, 2013
عن القدس العربي


حاورها: نضال القاسم: لم تفكر سوزان الراسخ بأن تنشر أعمالها الإبداعية وأن تظهر إلى الناس ككاتبة قبل منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة.
وعندما نشرت الراسخ روايتها الأولى ‘الحب والجسور، دار الكرمل، 2005′ أعلنت عن ولادة كاتبة لها صوتها الخاص تعرف كيف تلتقط من الحياة العادية حدثها المباشر، لتحوّله إلى فن مدهش، ومع روايتها الثانية ‘امرأة على أرجوحة الزمن، دار اليازوري، 2007′، تكرّس وجودها ككاتبة تبحث عن أفق أوسع للحرية، وهي التي لفتت الإنتباه إلى روائية متميزة ومتمكنة من أدواتها، وعلى مهارتها في خلق الشخصيات ورسم حواراتها وتناقضاتها وصراعاتها بواقعية عالية، وعمق ثقافي وفكري مميزين.
ومما لا شك فيه أن سوزان الراسخ تمتلك عناصر الوعي النظري بالكتابة وتعتبرها قيمة في حد ذاتها وأُفقاً للمُحتمَل والمتخيل. ولعل الراسخ قد حققت في مجمل أعمالها الإبداعية ما هو ملموس ومتقدم، خاصة في مجالي اللغة والشكل، حيث ظلت اللغة هي عالمها الأثير، بظلالها وانزياح مفرداتها وإيحاءاتها، بينما ظل عالم التخييل ومتعة السرد هي عدة الساردة، وتلك هي على الأخص مهمة الروائي المبدع.
ولقد استمتعت بقراءة أعمال سوزان الراسخ المختلفة، وعشت في أجوائها المتنوعة، وتعمقت في أفكارها وصورها وموضوعاتها…ووجدتُ أنها، حقاً، روائية مبدعة تتحدث عن الحب في أسمى معانيه، وعن الخير في أقسى ضرورات البحث عنه.
ويفرحني كثيراً أن أُقدِّمَ إلى قراء القدس العربي هذا الحوار مع القاصة والروائية العربية سوزان الراسخ، كما يزيد من فرحي أن يتزامن هذا الحوار مع صدور مجموعتها القصصية الأولى ‘السفر في أرض الدهشة’ والصادرة عن دار الأيام في عمان مؤخراً، وهي مجموعة قصصية ذات نكهة خاصة تنتمي للمدرسة الواقعية، وتعمد الكاتبة فيها إلى التقاط نقاط عادية في حياة شخصياتها، وتجميعها بذكاء ودقة، لتخرج منها بمحصلة تكسر ما هو عادي، دون أن تخرج عن واقعيتها أو تفتعل أية نتيجة لا تتّسق مع المقدمات، ومع ذلك فإن هذه النتيجة تثير الدهشة، وكأنها أمر عادي.
حول تجربتها الثقافية الإبداعية وتشابكها مع تجربتها الحياتية كان هذا اللقاء:

‘ سوزان الراسخ، متى بدأتِ الكتابة، وما الذي دفعك إليها ؟ وما هي العوامل التي أسهمت في إبراز موهبتك ؟
‘ كنتُ منذ سنيّ المبكرة متفوّقة في اللغة العربيّة في المدرسة وأستشعر سلطة الكلمة ومهابة وقعها في النُهى والوجدان، فليس هناك أقدر من اللغة العربيّة الغنيّة بالمعاني في التعبير بما فيها من رهافة الحسّ والمرونة التي لا تُبارى، لكنّ التحاقي بدراسة الأدب الإنجليزي في إحدى الكليّات الحديثة في ‘بير زيت’ بريف رام الله، التي تتبنّى النظام الأمريكي في الدراسة ثم متابعة دراستي في إنجلترا، أعاق مشروعي وشغفي بها إلى حين.
لقد اقتصرتْ قراءاتي أثناء الدراسة على اللغة الإنكليزيّة أكاديميّا وأدبيّا ولكنها لم تشكّل قطيعة مع اللغة العربيّة؛ فقد تابعتُ بعض الصحف العربيّة ما اتّسع له الجهد وضيق الوقت، كما أن السفر ومتعة الكشف نالت نصيباً من تولّهي ووقتي وأثْرَتْ محصولي المعرفي, إلى أن شعرتُ فجأة برغبة في الكتابة بالعربيّة كما لحظة الانفجار لكنّها تدفّقت على الورق. كنت أعتقد سابقاً أن ليس لديّ ما أقوله، لكن ذاكرتي بدأت فجأة تهرول في سباق لا ينتهي، وكان سباقاً إلى الوراء. لقد وجدتُ في الكتابة لغة الدهشة وعنصر المفاجأة من خلال الغوْص واكتشاف ما في الحياة من مفارقات مدهشة مليئة بالحكايا والتفاصيل، وتفاصيل التفاصيل، ما بين الواقع والخيال، الفرح والحزن، الحياة والموت، والتعبيرعن كل ذلك بعد أن كان مقيماً في شرفة الصمت. فانقضّت الكتابة توقظ فيّ إنسانيّتي المخفيّة في أعماق النفس لأكتشفني على حقيقتي، لا كما كنتُ أتوهّم وربما أدّعي. وهكذا كانت بداياتي، كتابات بعض الخواطر كإرهاصات أوليّة للكتابة والتي لم أنشرها. إلى أن تبلورت فكانت بعض الإسهمات في الجرائد والمجلات، ثم جاءت ‘الحبّ والجسور’ كولادة أول أعمالي الروائيّة التي أحتضنتْها عمان عندما حضرتُ من نابلس لأستقر بين أهل اشتقتُ اليهم وشاقّني بعادهم.
‘ لماذا اخترت ‘الحب والجسور’ عنواناً لروايتك الأولى الصادرة عن دار الكرمل للنشر والتوزيع في العام 2005، وما هو مدلول هذه التسميّة عندك ؟ وكم كانت ذاتك حاضرة فيها ؟
‘ لم أقصد بـ ‘الجسور’ محطّات اجتياز بالمعنى الجيوستراتيجي فقط، بل تجاوَزَتُ المفردة لتشمل البعد التاريخيّ والسياسيّ والفكريّ والعاطفيّ والإنسانيّ. بمعنى آخر، ما قصدته بـ ‘الجسور’ هو نقاط عبور وارتحال في عوالم كشف جديد وتحليق في أجواء مختلفة. أما ‘الحبّ’ فهو بمضمونه الكبير حبّ الوطن والأهل والحبيبة، إنه إحدى محطّات الحياة التي توصلنا إليها الجسور أو تبعدنا عنها، تلك الومضة الرومانسيّة القصيرة التي عادة ما تضيء ظلام الحروب والمآسي والخيْبات والانكسارات على جميع الصعد، فالإنسان لا يتوقّف عن الحبّ حتى في أحلك الظروف. في رواية ‘الحبّ والجسور’ ذات القالب الحكّائيّ المطعّم بـ ‘المنولوج’ والرغبة بالبوْح، دعني أقول بشفافية إنني حاضرة بكل أحاسيسي وجوارحي في ثنايا كل كلمة فيها وأنا أوثّق سيرة حياة، سيرة ذاتيّة وتكثيف لفترة من حياتي واستحضار التجارب التي رصدتّها شفاهيّا والمشاهدات الشخصيّة التي اختزنتْها الذاكرة لتُبعث حيّة على الورق. هي رواية وثّقتْ سيرة عالم بأكمله، عالم الإنسان الفلسطينيّ بما فيه من انعطافات وتجلّيات فرضتها الإرهاصات التي عصفت بالمنطقة والعالم، فكريّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً، ولم تخلُ من بؤرٍ مضيئةٍ على ندرتها.
‘ إضافة الى الأعمال الروائية التي صدرت لكم، صدر لكم في العام 2011 عن منشورات معان مدينة للثقافة الأردنية رواية رابعة بعنوان ‘عندما تنزف الذاكرة’. فماذا تقول سوزان الراسخ عن هذه الرواية ؟
‘ ‘عندما تنزف الذاكرة’ حبكة حافلة بالتفاصيل الكوميديّة والإنسانيّة حاولتُ من خلالها أن أُبلور من الصورة النمطيّة للذات البخيلة اسكتشات تتقاطع فيها الكوميديا بالصور الإنسانيّة. في هذه الرواية السارد ‘الراوي’ هو صاحب الملفوظ الحكائيّ كمتكلّم ضمنيّ ينوب عن بطل الرواية في استحضار الأحداث من أجل الاقتراب من روح هذه الشخصيّة والغوْص في عالمها وتمرير ما يعتريها من هواجس وأفكار لإلقاء الضوء على الكثير من تركيبتها النفسيّة ومنولوجاتها الداخليّة التي تشي بالبخل الشديد كمرض مستفحل. إنه عمل إنسانيّ يمكن أن يصبّ في خانة التراجيكوميديا تبعاً لمقولة ‘ومن شرّ البلية ما يضحك’.
‘ كيف ترصدين حركة شخصيّات رواياتك، هل يتم ذلك من خلال مشاهداتك اليوميّة أم من خلال ما تلتقطينه شفاهيّاً، أو تسمعينه؟ أم انك تبحثين عن هذه الشخصيّات انطلاقاً من دافع مسؤولية الكاتب أمام التاريخ والإنسان؟
‘ الروائي مرتهنٌ للمؤثّرات التي يعايشها في مجتمعه من أحداثٍ وأقوال. فالمُبدع ابن بيئته، وفيٌ لقضايا وأحلام هؤلاء الأفراد الذين ينتمي إليهم مكاناً وزماناً ويحمل همومهم وهواجسهم ليعبّر عنها في إبداعات، وهو الحامل والمؤتمن على قيم مجتمعه والناقل الحريص لتراثه وحضارته، ومن هنا تأتي مصداقيته أمام التاريخ والقارئ، وقبل ذلك أمام نفسه أولاً ورضاه عمّا يبدع. شخصيّاً، كثيراً ما أتقمصُ دون قصديّةٍ دوْر المصوّر خلف الكاميرا لألتقط صوراً حيّة للإنسان تضجّ بالحيويّة. ومن هنا تأتي المصداقيّة التي ذكرت، أو دوْر الرسّام الذي يجعلُ من مشهدٍ عابرٍ أو مقولةٍ مقتضبةٍ أمام مسامعه لوحةً روائيّةً تخلّد تلك اللحظة أو المقولة، لعلي أستدعي تلك الصور واللوحات من ذاكرتي بعد حينٍ في قالبٍ سرديٍّ يجولُ بالقارئ وبي شخصيّاً نحو عوالم من الدهشةِ والبوْح لأكتشفني وأنقل متعة الكشف الى الآخر (القارئ) لتخلقَ فضاءاتٍ آهلةٍ بشخوصٍ مختلفةٍ، يتبادلون الرؤى والأفكار، فيختلفون ويتفقون، يفشلون وينجحون، يحزنون ويفرحون.
في روايتي ‘غزّل الحكاية’ مثلاً، وفي إحدى جوانبها، أقمت في إحدى سجون الاحتلال وأنا أصف ظروف الاعتقال لإحدى المناضلات الفلسطينيّات، فكان الركن الخفيّ الذي يقع في مضمار أدب السجون، ذلك الأدب الذي قليلاً ما تناولتْه المرأة من رحم تجربتها في كتاباتها، لتبقى يعتريها الغموض وبعيدةً عن التناول والتوثيق. لا أعلم إذا كان مردّ ذلك إلى طبيعة واقع المرأة هنا في المجتمع والخشية من مقاربة موضوعات حسّاسة. فإلى كل المناضلات الفلسطينيّات أقول هنا: أكتبوا عن تجاربكن النضاليّة ولا تدعوا غيركنّ يقوم بالنيابة عنكنّ.
‘ ثمة تعدّد للأمكنة في رواياتك، وهذا يقودني للحديث عن الأمكنة والفضاءات التي تتحرك فيها قصصك ورواياتك، وهل أن هذا الحضور المكثف للمكان في أعمالك هو حقل من حقول البحث عن بنية جديدة للشكل الروائي؟ ماذا يعني المكان لسوزان الراسخ؟
‘ في رواياتي يتأنْسَنُ المكان ويضجّ بالحياة كأحد شخوص الرواية. فالمكان هو المنبع الذي أستقي منه كتاباتي ويحفّز مخيّلتي كما النافذة التي أُطلُ من خلالها على العالم الخارجيّ كي أقتنص منها ـ إن جاز التعبيرـ الحدث بشخوصه اليوميّة الحيّة. وهنا أتساءل: ألا يشعر المكان بالوحدة كالإنسان عندما يغادره أصحابه ويخلو من الحكايا والثرثرة التي كانت تؤنّسه وتملأ ثواني وقته؟ فأنا تبهرني الأماكن الهادئة الساكنة المهجورة، إنها تبدو لي متكاسلة تتمطّى وهي تسبح وسط ضياء قرص الشمس الأصفر المحمرّ والمتوهّج ساعة الأصيل في آخر إطلالة له قبل المغيب، لا تؤنسُ وحدتها سوى وشوشة الريح وحفيف الشجر الصامت حوله. إنها تلك العلاقة الفريدة بين الإنسان والمكان.
في روايتي ‘الحبّ والجسور’ يتجلّى المكان بكل حضوره وألقه حين تأنسنتْ نابلس واكتسبتْ بُعداً جماليّاً أخّاذاً فاتناً من خلال ما حضرني واستحضرتُه من صور الأماكن التراثيّة العتيقة والحارات والأزقة العبقة برائحة التاريخ التي تتماهى معها شخوص الرواية. فأنا نتاج بيئة نابلسيّة بامتياز، ولدتُ وعشتُ وعايشتُ أحداثاً فارقةً في تاريخ المدينة. فهي المكان وهي الوطن الصغير لا أستطيع مغادرتها فيزيائيّاً ولا ذهنيّا، وإن فعلتْ حملتُها في داخلي. تلك هي نابلس، البقعة الجغرافيّة التي اخترتُها، بل اختارتني لتمثّل بقيّة المدن الفلسطينيّة وعوالمها. ألا تحتاج الرواية إلى بقعةٍ جغرافيّةٍ تضع قدميْها عليها لتستوي على عودها تماماً كما الإنسان..؟
‘ من خلال قراءتنا لمجموعتك القصصيّة (السفر في أرض الدهشة) والصادرة مؤخراً عن دار الأيام للنشر والتوزيع فإننا نلحظ بأنها تتميّز بأسلوبها الخاص المتفرّد في صياغة الجملة القصصيّة القصيرة، والتي تعتمد على الفعل والحركة وعلى التكثيف والإيجاز في اللغة. كما تمتاز معظم قصصها باللغة والصور الشعريّة دون ابتعاد عن متعة السرد القصصيّ. برأيك، ما هو الجديد الذي يميّزها عن بقية أعمالك الإبداعيّة ؟
‘ هذه المجموعة كانت بمثابةِ تجربةٍ جديدةٍ لي في عالم القَصْ، بها رسمتُ لوْحاتِ السرد بالكلمات. كانت هذه القصص القصيرة لوْحاتٍ فسيفسائيّةٍ محمّلةٍ بتيماتٍ دالّةٍ يتقاطع فيها الخيال وأجوائه الغرائبيّة بالواقع وإرهاصاته، وبخلاف أعمالي الروائيّة التي تغلب عليها الواقعيّة الموضوعيّة. فالفنتازيا الخياليّة إلى جانب الإبهار هي سمات الكثير من موضوعاتها من خلال نماذج نسائيّةٍ ورجّاليّةٍ مأزومةٍ ومقهورةٍ تُعاني من واقعها المؤلم والعلاقاتِ المتوتّرةِ فيه، وحكاياتٍ تائهةٍ يتوارى في حناياها حزنٌ عميق. إنها مجموعةُ قصصٍ يغلبُ عليها عنصر الإبهار. لقد استمتعتْ برشاقة قلمي وأنا أرحل معها في نُزهات بعد أن سرقها الخيال لوهلة فلم تعد ترتبط بهذا الواقع أو تكترث بحيواتها لتصبح في حالة غير التي كانت عليها وهو يحلّق بها بعيداً عن إرهاصات الواقع الإنسانيّ إلى أجواءٍ عجائبيّةٍ خارج الزمان والمكان حيث النفوس أنقى وأجمل، والبهاء الباذخ الغامض، والطبيعة تعزف سيمفونيّة الروح وتدندّن وهي تدادي وتداري الأحزان.
‘ ما هي القضيّة الرئيسيّة عند سوزان الراسخ ؟
‘ ليس هناك قضيّة واحدة فقط هي التي بمثابة الرئيسيّة لدي. فنحن نعيش في فترة محمّلة بالكثير من القضايا الشائكة، فالكاتب خاصة، والمثقّف عموماً، أصبح كأنه من أهل التيه، مُتعب حائر وكأنه على سفر، يسير في عالمه وهو يحمل على رأسه كل هموم الدنيا هو في صراع عنيف كي يعبّر عنها. فإلى جانب القضايا التقليديّة، كقضايا المرأة، وازدواج المعايير في الذهن الشرقيّ، والذي يتجلّى في روايتي ‘إمراة على أرجوحة الزمن’، حيث الراوية لا تجدُ في ظل عزلتِها لمواجهةِ مشاكلِها وانكساراتها النابعةَ من تسلّط زوجها وبخله العاطفي وخياناته وخيبة أملها فيه غيرَ الإنكفاءِ على ذاتِها، ولكن هذه الأجواءُ تتغيرُ بسِماتِها وتقلّباتِها فيما بعد عندما تنطلقُ هذه الأنثى إلى أجواءَ أرحبَ وأكثرَ انطلاقاً وحريّةً. فإلى جانب قضايا المرأة هناك ضعف الروابط التي تربط الإنسان الشرقيّ بوطنه ومجتمعه وبيئته، والاحتلال الذي يربض فوق رؤوسنا منذ عقود دون أن يلوح لنا ضوء في نهاية النفق بعد أن أصبحت القضيّة الفلسطينيّة هامشيّة، حتى القدس، الكعبة التي كانت تحوم حولها المقاومه من أجل التحرير، بهت بريقها ولم تعد تستقطبها، أما العروبة والقوميّة العربيّة والعزّة والكرامة فقد تمّ التبرؤ منها كأنها مرض معدٍٍ أو عار وقد اكتشفوا أن ثمن الانتماء لهذه الأمّة والدفاع عن كرامتها وتاريخها، وخصوصاً ارضها ودورها الحضاري ومكانتها ليس سهلاً، فاطمأنت الانظمة إلى دعم الغرب واكتفت به وباتت دمى بين أياديه واستخبارته. هناك مشاهد تحقن رأسي بكمٍ من الذهول بعد أن أخذت تطفو على السطح بشكل غير مسبوق، إنها عناصر المتسلّطين تحت عباءة الأيديولوجيا والدين فيدمّرني هذا المخزون الهائل من الإجرام الذي يجري حولنا ويمزّقني ما يحصل من تنكيل بالإنسان وسفك الدماء. بعبارة أخرى ما يؤرقني هو احتكار الدين والناطقون باسمه من دهاقنة المعرفة الربانية الكليّة التي لا يأتيها الباطل أنّى توجّه لا من خلفها ولا من بين يديها !
‘ الرواية والقصة تنتميان لعائلة سرديّة واحدة، فما الذي دفعك للانتقال من كتابة الرواية إلى كتابة القصّة القصيرة ؟ وهل أنت راضية عن رواياتكِ، وأيهما الأقرب إلى قلبك؟ أو بالأحرى أي رواية هي الأكثر تعبيراً عن نفسك وعن أفكارك؟
‘ كتابة الرواية تحتاج إلى الصبر والأناه والنَفَس الطويل والكثير من الجدّية والتكتيك والجهد حدّ الإرهاق الذهنيّ وأنت تُمسك بخيوط اللعبة، وتعزف لحنك المتفرّد على أوتار الشخوص المختلفة بكل صراعاتها وتناقضاتها حتى تصل بها إلى برّ الأمان، لذلك جاءت المجموعة القصصيّة القصيرة ‘السفر في أرض الدهشة’ على هيئة نصوص سرديّة مكثّفة اللغة والحدث، كاستراحة المحارب سرعان ما أصل بها إلى لحظات النهايات والتنوير، فيها استعدتُ أنفاسي عبر التحليق السريع الرشيق في السماء للإمساك بكوكب زمرّد لم تقع عليه ‘عين إنسان ولا جان’.
هناك رباط عاطفيّ وجدانيّ يربطني بكل أعمالي الأدبيّة. ويبقى هذا الرباط متيناً يشدّني الى ذكرى لحظة انبثاق فكرة العمل كما الشرارة، أو دعني أقول البؤرة التي تكبر شيئاً فشيئاً في داخلي، إلى أن يحين وقت المخاض لتغادرني إلى الورق فيبقى حبّه متوقّداً كحبّ الأم لوليدها. لكنني أعتبر ‘الحبّ والجسور’ ينبوع الحكايا في رأسي، بها كان الغوْص واكتشاف ما في الحياة من مفارقات مدهشة. إنها تلخيص لعالمي. والكتابة عن تجربة شخصيّة دائماً ما تكون أرحب وأجمل. لقد جرفتني كتابتها إلى عمق الكلمة ومدلولاتها، فصُغتُ من صندوق تجاربي ومكنون مشاهداتي ما يحمل من ذاتي وروحي، فكان لها ذلك الطابع الشخصيّ الذي أكسبها المصداقيّة والأمانة والشفافيّة. وهنا أستطيع القول إن رواية ‘الحبّ والجسور’ هي أكثر أعمالي الروائيّة التي شعرتُ وأنا أكتبها كأنني في جلسة حميمة مع ذاتي وكل شخوصها، جلسة فيها المشاركة الوجدانيّة في جوّ من الألفة الخالصة وأنا أوثّق سيرة حياتي وسيرة حيوات شخوصها، وعبرها أوثّق سيرة عالم بأكمله، عالم المواطن الفلسطينيّ بما فيه من انعطافات مصيريّة نتيجة للأحداث التي عصفت به، بها أُنعش ذاكرة كبار السنّ بذكريات القضيّة الفلسطينيّة منذ مطلع القرن الماضي وأُثري في نفس الوقت ذاكرة الأجيال الجديدة, كل ذلك بسرد مبسّط ومختصر, دون اللجوء إلى التعقيد في السرد التاريخيّ والروائيّ.
‘ هل تعانين من مأزق الورقة البيضاء، وكيف تبدو لك لحظة الكتابة، وماذا تقولين عنها؟
‘ أنا لا أستخدم الورق والقلم أثناء الكتابة، لذلك دعني أدعوها ‘أزمة شاشة الكمبيوتر البيضاء، والأزرار التي أضغط عليها أثناء الكتابة هي قلمي الاعتباريّ. ليس هناك أصعب على الكاتب عندما يعاني من هذه الأزمه. فأنا دائماً في داخلي قلق لا يغادرني خوفاً من أنني إذا عملت بوتيرة بطيئة سوف تغادرني شرارة الإلهام فيفقد قلمي مرونته وأخسر إيقاعي في الكتابة لأجد صعوبة بالعودة إليه، مما يجعلني دائماً برسم انتظار لحظات انبثاق فكرة عمل لتغادرني إلى الشاشة. فالكتابة بالنسبة لي هي الحياة، تخفي في داخلها حالة خاصة، وخاصة جداً، بها أستدعي حكايات تنتظر أن تُروى، وبها يتسنّى لي أن أعيش لحظات أتمنّى لو كنتُ عشتُها أو أعيشها الآن أو في المستقبل، عندما تجافيني الكتابة أشعر بأن الحياة تراوغني وهي تمارس معي لعبة المشاكسه.
‘ برأيك، ما هو أثر أدبك خارج الحدود؟ وهل تعتقدين أنك قمت بواجبك في هذا المجال ؟
‘ بصراحة المشهد الأدبي والثقافي في الأردن وبعض الدول العربية دون الطموح المطلوب على الإطلاق، فـ ‘أمة إقرأ’ لا تقرأ، إلا القلّة، بل حتى في أوساط الكتّاب والروائيّين. وهذا ما يُعيق ترويج الكثير من الأعمال الأدبيّة على الرغم من أحقيّتها. ثم أن دور النشر، كما أرى معظمها، إن لم يكن كلها، تكتفي بإصدار العمل الأدبيّ معتمدة على العائد الماديّ من ذلك، دون العناية بنشره خارج الحدود. وأجزم أن أكثر القيّمين على هذه الدور، وليس كلهم، ليس لديهم فكرة عن مضمون منشوراتهم، مما يلغي الدافع لترويجها كما يجب. صحيح أنهم يشتركون في المعارض التي تقام في الخارج، وذلك ليس كافٍ. فالأمر يحتاج إلى علاقات جيّدة مع دور النشر الأخرى، ومنها الأجنبيّة لتفعيل هذا الترويج بشكل كافٍ. فهناك أعمال أدبيّة محليّة جيّده لم تأخذ حقّها من الشهرة والانتشار كما يجب، وكان يجب، حتى يكون لها الأثر المطلوب، أن يُحتفي بها بنفس القدر الذي يُحتفي فيه بأعمال تأتينا من الخارج وقد سبقتها شهرتها، وهنا أتّهم أجهزة الإعلام بالتقصير ونحن ندرجُ في ألفية ثورة الاتصالات.
‘ كيف ترى سوزان الراسخ مسؤولية المبدع في صنع المستقبل العربي؟ وكيف تقرأ سوزان الراسخ تأثير الربيع العربي على المشهد الإبداعيّ في السنوات القادمة ؟.
‘ الكلمة تعبير عن حالة نفسيّة تتأثر بمحيطها، وإنسانيّة تُلخّص موقف الكاتب من الحياة وتصوغ هذا الموقف في القالب الإبداعيّ الذي اختاره المبدع ليعلن مشروعه ويطرح قضيّته، وليس بوسع المبدع أن يُغفل سمات الزمان والمكان في تعامله وتعبيره عن الأحداث والقضايا المصيريّة التي تُساهم في تشكيل المستقبل، وهذا ما يبرّر كتابات إبداعيّة وُلدت في أحضان مخاضات ثورات الربيع العربي وتأثيرها المباشرعلى جميع مناحي الحياة في الوطن العربي، وعلى جميع الصعد، سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة، مما يضع الكاتب أمام خيارات متعدّدة الجوانب. لقد جاء ‘الربيع العربي’، دون الخوض في هذه التسمية، بأحداثه كي يُكرّس أهميّة الكتابة ليست لأنها تجعل الحياة أجمل فحسب، بل لتُعيدَ لنا سلطة الإحتجاج وتعلّمنا كيف نحتجّ على ما ينبغي الاحتجاج عليه وأن الكاتب قادرعلى صناعة الوعي ومن ثمّ التغيير والارتقاء بالمجتمع إلى ما هو أفضل وأسمى، ليبرزالسؤال الجديد: هل نريد إبداعاً وفناً لأجل الفنّ، أم نريد الهدف الأسمى لهذا الفنّ وهو الإنسان؟ إنها معضلة الكتابة!.
لقد برزت أصواتٌ إبداعيّةٌ اكتسبت الجرأة بعد أن كانت أصواتاً حانقة مُختنقةٌ في الصدور أو تنسلُّ هامسة لا تكاد تُسمع. إنه أدب جديد، ربما اتّسم بالحماسة والنزعة التغيريّة الجادّة، وذلك لا ينطبق على الكتابة فقط بل ينسحب على السينما والدراما التلفزيونيّة. ومن هنا، أتوقّع بعد أن تتبلور التجربة أن نقرأ مزيداً من النصوص الأكثر واقعيّةً بعيداً عن الخيال والأسطرة التى ظلّت وقوداً للكتابة لأمد طويل. فالربيع العربيّ صاحبتْه صراعات وحرب فكريّة ذات طابع سياسيّ وأيديولوجيّ، لذلك لابد من تكثيف دور الكاتب التنويريّ وخاصة في مواجهة الفكر الدينيّ السياسيّ المنغلق والذي طفى على السطح بشكل طاغٍ.
‘ كيف ترين علاقة المرأة بالأدب ؟ وهل توافقين على تعبير الأدب النسويّ والأدب الذكوري ؟ وهل تفكّر سوزان الراسخ في صورة المرأة النموذج حين تصوغ شخصيّات رواياتها ؟
‘ عبارة ‘الأدب النِسْوي’ أستطيع أن أصفها بــ ‘العبارة الرخوه’ كوْن تجربة الكتابة تجربة إنسانيّه بحتة قبل كل شئ، سواء كانت ذكوريّة أو نِسْويّة مع بعض الفروقات. هناك قضايا تعبّرعنها المرأة بشكل مختلف عن الرجل فتكون أكثر صدقاً، وفي نفس الوقت هناك أمور مشتركه يستطيع أن يعبّر عنها الرجل والمرأة بنفس الشكل. فعلى الرغم من أن المرأة في الكثير من الحالات أخذتْ تعيدُ النظرَ في هويّتِها وفي هويّةِ وشكل العلاقة مع الرجلِ الذي تعيش معه، فتحدّت الصفات السلبيّة لمفهوم الهويّةِ الجندريّة، واستطاعت أن تستجمع شجاعـتَها وتزيل العوائق المـقـيِّدة التي أوجدَها أمامَها كي تتخطّى هذه الحدود وتكتسبَ هويّةً ثقافيّةً بديلةً تمجّدُ الحريّةَ والكرامةَ والتعليمَ والتثقيف، بالإضافة إلى محاولاتها منذ أمد بعيد لتتمكّن في مجتمعها، إلا أنها ما زالت في نفس المجتمع الذكوري المقيَّد بالحدودِ الجندريّة. حتى في ما تكتبه، هناك ضيق في مربّع البوْح لأن المساحة التي يفرضها المجتمع لا تسمح لها بترف كامل الشفافية والصدق فيه، لأنها لو تخطّتها فسوف يُنظر إليها بعيون الاستهجان فيضعها ذلك في اختصام دمويّ مع العالم كعنصر صادم ضلّ البوصلة وحاد عن الطريق المستقيم واقتحم سور المفهوم الإجتماعيّ وأضرّ بسمعة أهله وعشيرته. بعكس الذكر، فهو كالزجاج ضد الكسر، أو المنشار الذي تجاوز العقدة ومضى في سيره، لا يضيره شيئ، حتى لو اعتُبر صعلوكاً و ‘أكبر مشاكس في الحي’..!
وهنا أقول لا شكّ أن هناك ما زال الخلل الاجتماعي نفسه، يقولون إن المرأة تحرّرت وأصبحت على درجة عالــية من الثقافة، إلاّ أنها في الواقع ما زالت تعيش أزمة هويّة حادّة. إنها تسير وتتحّرك وتتصرّف كأنها شخصيّة مستقلّة، إلاّ أنها، وكما تبدو في أروقـة المحاكم للحصول على الطلاق، تابعة للرجل. صحيح أن الإسلام والتشريـعات أقـرّت بحقوق المرأة، ولكن هناك رجال ما زالوا يمارسون أبشع أشكال الاستغلال والقمع النفسيّ والجسديّ من خلال الحقّ الحصريّ في الطلاق، أما المؤخّر والشبكة وغيرها، فكلها تصبح أوراق مقايضة ضمن أوراق تحايلات الرجل ولجوئه إلى سياسة الأمر الواقع يمارسها ضدّ المرأة المتلهّفة إلى الحريّة والانعتاق.
‘ كيف تنظرين إلى النقد الذي تناول تجربتك، وهل من أثرٍ له في النص الذي تكتبينه؟
‘ الكتابة عندي إنما هي أحد طقوس البوْح. فأنا أكتبُ لأفرّغ الكثير من الاحتقانات الداخليّة دون أي اعتبار لقارئ أو ناقد معيّنين. فعندما أُنْهي عملاً أطبع عليه قبلة الوداع وأنا أخرجُه من ذهني كي أضعه في عهدة القارئ علّهُ يقعُ في شِراكِ متعة التلقّي، شراك ما أن أن تُمسكُ بتلابيبهِ فلن يَنعَتِقَ منها حتى يتجرّعَ من كأسها حتى الثُمالة.
إن نحن تأمّلنا المشهد الأدبيّ هنا في الأردن، وجدنا أعمالاً أدبيّةً اعتمدت على الشلليّة والمحسوبيّة لإحداثِ ضجّةٍ إعلاميّةٍ مُفتعلةً وترويجاً باذخاً للفت نظر النقّاد والقرّاء. لقد تناول بعض النقّاد أعمالي فكانت مفاجئةً مذهلةً لي في كلِّ مرة، وما زالت في خاطري تلك اللحظات السعيدة عندما فوجئت لأول مرّة بالأديبة والناقدة الكبيرة ‘رفقة دودين’ ـ يرحمها الله ـ وقد خصّصتْ صفحة كاملة في جريدة ‘الرأي’ الأردنيّة في قراءةٍ لروايتي الأولى ‘الحبّ والجسور’ فكانت تلك أسعد لحظات حياتي التي لا تُنسى. حينها لم أصّدق نفسي وكدتُ أطير من الفرح والفخر. وكذلك عندما يخبرني أحد القرّاء بعد أن يقرأ كتاباً لي أن جِنّي القراءة قد تلبّسه وهو يقرأ روايتي لتبقى عيناه مفتوحتان على مشاهد الرواية لا تستطيعان أن تغادراها حتى الفجر، أشعر بهذه الكلمات الصادقة نابعة من القلب دون نفاق أو مواربة.
‘ الآن، بعد كل هذا الذي تحقّق، أين أنتِ ؟ وما الذي تريدينه من الكتابة؟ وبماذا تحلمين؟ وماذا عن تصوّرك للمستقبل؟
‘ هناك سؤال دائم جديد يملأ رأسي بمجرّد الانتهاء من كل عمل أدبيّ: وماذا بعد..؟ عندها أشعر بأنني لستُ في محطة وصول، ولكن في بداية سفر جديد فيه أبحث عن تجربة جديدة غريبة كالصّياد المحترف الذي يبحث عن طريدة لم تقع عليها ‘عين إنس ولا جان’. فأنا دائماً في حلم أن يكون كل عمل أدبيّ لي إضافة نوعيّة للحراك الإبداعيّ الوطنيّ والعربيّ، وأومن أنّ القادم هو الأجمل، فالعمل الأعظم في حياتي لم أكتبه بعد!.



مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: سوزان الراسخ : الأمكنة منحتني بعدا انسانيا وجماليا يتماهى مع شخوص رواياتي
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
صيرورة زيوس الألوهيّة كاتيا فالي منبر ذاكرة الأمكنة والحضارات والأساطير 4 09-23-2020 08:51 PM
سوزان دونيلي: حواء تسمي الحيوانات عادل صالح الزبيدي منبر الآداب العالمية. 0 05-23-2016 11:15 AM
رعشة الأمكنة عمرو النورس منبر قصيدة النثر 1 10-20-2014 09:26 AM
الفلسطينية سامية العطعوط: فقدان الهوية يدفعني لتغييب الأمكنة من رواياتي ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 0 07-03-2014 03:43 AM
تحليل شخوص مسرحية الملك لير . ماجد جابر منبر الآداب العالمية. 6 08-10-2011 07:34 AM

الساعة الآن 05:05 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.