قديم 07-07-2011, 07:56 PM
المشاركة 21
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان ننتقل الى قصة " عاطل" لكاتبها القاص مبارك الحمود

قديم 07-07-2011, 07:56 PM
المشاركة 22
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
بسم الله



عاطل

ل
مشيت قليلا على الطريق, وأنا أشعر بتلك النوافذ الصفراء التي تراقبني, وبوجوه المحلات المعتمة التي للتو استيقظ أصحابها.. سألت نفسي: هل هناك بمؤخرة رأسي شعرات بيضاء.. وأكملت طريقي.
ل
هذه القطة التي تحتك بقدمي ماذا تريد؟!.. ليس ذنبي أنها وحيدة, وليس ذنبي أن قدمي تركلها إلى مكان معاكس لي, أبعد مني.
ط
كم أكره هذا الجو الفجري.. قبل الذروة وقبل النشاط الذي يصبح عليه العالم حولي إلا أنا.. بعد قليل ستشرق الشمس ليشتد ضوؤها النحاسي أكثر وسأشعر بالوحشة.. كم أكره النهار.. النهار الشتوي ذي السماء العارية.. برياح متدلية تستمر حتى العصر.. أشعر به قاسيا كشفرات حلاقة لامعة, خصوصا إن لازمه انفلونزا كالعادة.. بدأت أشعر بذلك منذ تخرجي من الثانوية, وشعوري بالفراغ القاتل.. لقد تحولت لثقبٍ أسود للهموم.
ا
ها أنا أقف عند المطعم.. "بيض بالجبن وكوب حليب لو سمحت".. لا أدري لماذا أشعر بالخجل وأنا آمره بذلك, لقد وضع شطة, حسنا لا بأس.. أحب الحليب بالشاي جدا, وخصوصا إن كان سكره زيادة.. أتخيل وأنا أرتشفه أني ممثل كلاسيكي في فيلم أربعيني بالأبيض والأسود, تنقصني سيجارة فقط..
ا
أفكر بشطيرة أخرى ولكني أحجم عن ذلك.. الفتاة التي أراها كل يوم تقف عند الباب بعباءتها الفضفاضة, ومعها أختها ذات السبع سنوات.. طريقة شربي للحليب تتغير, ونسيت بأي طريقة كنت أشرب..
طلبت شطيرة أخرى.. أشعر بتصنعي..
ا
"سته ساندوتش, 3فلافل بطاطس بدون سلطة, وكثر الكاتشب, ووحدة بدون كاتشب" بالكاد يسمع صوت الفتاة.. "أبي ببسي معاها" تقولها الصغيرة بعد فترة من الوقت, "ببسي على الصبح, سوينا حليب بالبيت يكفي" تهمس أختها كاظمة غضبها, وهي تشد مريول الطفلة من الكم.. أفكر أن أدفع عنهم لكني خائف من ردة الفعل..
ع
أكمل طريقي بعد دفعي لحسابي متأخراً بعد خروج الفتاة.. أصل البيت وأدخل المفتاح بثقل لأتفاجأ بالخادم يسبقني بفتح الباب لي, ولأجد أبي يستعد للخروج, والخادمة تقدم له فنجان القهوة السوداء الثقيلة.. يشير إلي والفنجان في فمه, ويقول بعد رشفة سريعة: (جهز نفسك ستذهب معي الليلة لعشاء وزير العمل).. زوجة أبي الثالثة تجلس على الأريكة, تبتسم باتجاهي كقطة فارسية سمينة.. قدمي تحكني.. سحقا ً.

قديم 07-07-2011, 07:58 PM
المشاركة 23
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها ومعرفة المغزى :


في الواقع هذه القصة لا تختلف كثير عن قصص مبارك الحمود من حيث كونها قصة عميقة تمتلئ بالعناصر الجمالية التي تجعل النص مدهشا وجذابا ومشوقا وعميقا. وهي تعالج قضية نفسية أيضا كباقي قصص مبارك الحمود التي قرأتها .


بداية من العنوان ( عاطل ) ورغم انه يشتمل على كلمة واحدة لكنها كلمة تقول الكثير وحتما تثير في نفس المتلقي الكثير من الأسئلة : فما قصة هذا الـ عاطل؟ ولماذا هو عاطل؟ ثم ماذا إن كان عاطل؟ وهكذا؟


ويلاحظ من البداية أن حروف كلمة عاطل مقلوبة قد استخدمت للفصل بين الفقرات، ويلاحظ أيضا ان الكاتب قد كرر حرف الألف 3 مرات بينما كرر حرفي الـ اللام مرتين بينما استخدم حرف العين و الطاء مرة واحدة فجاءت الحروف كما يلي ( ل ل ط أ أ أع )، وهي عكس كلمة عاطل مع مد الألف واللام وتكررهما؟!.


ننتقل الآن للحديث عن الفقرة الأولى والتي جاءت على الشكل التالي واستبقت بحرف ( ل ) وهو الحرف الأخير من كلمة العنوان:




مشيت قليلا على الطريق, وأنا أشعر بتلك النوافذ الصفراء التي تراقبني, وبوجوه المحلات المعتمة التي للتو استيقظ أصحابها.. سألت نفسي: هل هناك بمؤخرة رأسي شعرات بيضاء.. وأكملت طريقي".


لقد استخدم القاص مبارك الحمود ضمير المتكلم وهو ما يعطي النص حميمية. وهو من أول كلمة يستخدم كلمة ( مشيت ) وهي تدل على الحركة، والحركة كما هو معروف تجعل النص حيويا.
ثم نجده يستخدم كلمة ( اشعر ) وهو تكتيك يريد به إقحام المتلقي بالنص أكثر من خلال استثارة حواسه ومشاعره. ونجده يصف النوافذ باللون (الأصفر ) ولا شك أن لاستخدام الألوان سحر خاص يجعل النص اقرب إلى اللوحة الفنية.


ونجده يشخصن النوافذ وكأنها عيون تراقبه، كما انه يشخصن واجهات المحلات وكأنها وجوه تراقب أيضا. تلك المحلات التي يصفها بالعتمة ليوحي بالظلمة ويهيئ المتلقي إلى جو النص الذي أراده كئيبا حتما بما انه استخدم اللون الأصفر في وصف النوافذ والمحلات بالعتمة.


تلك المحلات التي استيقظ أصحابها للتو مما يشير إلى الليل والعتمة أيضا، وهو ما يضفي مزيد من اللون القاتم على اللوحة التي أراد الكاتب أن يرسمها لنا، فيضعنا في جو النص الذي يبدو انه أراده جو من الكآبة المظلمة الممزوجة باللون الأصفر الذي هو لون الموت والكآبة. وفي كلمة المراقبة ووجوه استخدام للحواس ( حاسة النظر ) وهو أمر له وقع خاص على المتلقي حيث يجد أن حواسه قد استفزت بدورها.


ثم ينتقل بنا الكاتب لنجده يسأل نفسه سؤال ( هل هناك بمؤخرة رأسي شعرات بيضاء؟ ) وهو سؤال لا يبدو أن له علاقة بالسياق وفيه غموض وربما رمزية مقصوده؟ فما مغزى هذا السؤال؟ ثم لماذا يكون في رأسه شعرات بيضاء؟ ثم لماذا بيضاء؟ وهل استخدامه للون الأبيض هنا محاولة واعية منه لإضافة مزيد من اللون؟ واستخدام وحشد النقائض والتي يكون لها قوة جذب مهولة لذهن المتلقي؟ اليس الأبيض هو نقيض العتمة والليل؟ ثم ماذا قصد القاص بذكر مؤخرة الرأس تحديدا؟ لماذا لم يشر إلى رأسه ككل أو مقدمة رأسه؟
بعد ذلك نجده يخبرنا بأنه أكمل طريقه... وفي ذلك مزيد من الحركة التي تجعل المتلقي ينشد للنص اكثر فأكثر وقد تولد في ذهنه عدد كبير من الأسئلة التي يريد أن يستكمل القراءة لعله يجد لها تفسير واجابات في ظل مشهد رسم بريشة فنان استخدم فيها عدة الوان فكانت في غاية التعبير والتأثير والجذب لما سيلي من النص.

يتبع،،



قديم 07-10-2011, 11:46 AM
المشاركة 24
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها ومعرفة المغزى :
------
في الفقرة الثانية من القصة والتي هي عبارة عن سطرين فقط وتبدأ كسابقتها بحرف اللام ( ل) أيضا والتي تنص على: "


ل

هذه القطة التي تحتك بقدمي ماذا تريد؟!.. ليس ذنبي أنها وحيدة, وليس ذنبي أن قدمي تركلها إلى مكان معاكس لي, أبعد مني.

نجد القاص قد انتقل بنا ليعرفنا بالشخصية الثانية في القصة، والشخصية هذه المرة قطة إذ يصفها القاص على لسان بطل القصة بأنها تحتك بقدمه وفي ذلك طبعا حركة تحافظ على حيوية النص لا بل تزيده حيوية وهو سمة تمتاز بها نصوص مبارك الحمود. وفي تعريفه للقطة يطرح الكاتب سؤال ماذا تريد تلك القطة ؟ وفي ذلك مزيد من التشويق للمتلقي إذ يتابع القراءة وفي نيته معرفة ما تريده تلك القطة. ونجد مبارك الحمود يبدع في رسم شخوصه فعلى الرغم من قلة الكلمات التي يصف بها القاص الشخصية الثانية ( القطة ) نجده وكما فعل مع شخص بطل القصة يرسم لنا ملاحم شخصية القطة فهي ( وحيدة ) كما هو بطل القصة وحيد وكئيب يشعر وكأن النوافذ وواجهات المحلات تراقبه. وفي وصفه لحال القطة يستثير في المتلقي عاطفة الشفقة. ثم يخبرنا بأنه قام على ركلها وفي ذلك مزيد من الحركة وركلها جاء باتجاه (معاكس) له وفي ذلك استثمار للنقائض ذات الوقع السحري على دماغ المتلقي.

طبعا على الرغم من الوضوح الظاهر للنص لكنه يشتمل على الكثير من الغموض، بداية من استخدام حرف ( ل) يفتتح في الفقرة الثانية، وكأنه كود يحمل على لغة مجهولة ربما مستقبلية وربما أن الكاتب نفسه ( اي كاتب) لا يعرف معناها أو رمزيتها ودلالتها الكودية. فعلى الرغم أن فعل الكتابة يبدأ عملا واعيا مسيطرا عليه لكن سرعان ما يتحول الى فعل غير واعي بحيث يتولى العقل الباطن السيطرة على العملية الإبداعية وتبدأ اللغة تتدفق من خبايا الدماغ وثناياه وغالبا ما تحمل الكلمات مثل هذه الكودات التي يكون لها أحيانا دلالات عميقة ومستقبلية لا تفهم إلا بعد أجيال. ولا شك أن وجود مثل هذه الكودات هو مؤشر على عمق النص وعبقريته حتى ولو ظن الكاتب نفسه بأنه مجرد كلمات واضحة ودلالتها مقتصرة على ما يقصده هو بعقله الواعي.

والغموض لا يقتصر على استخدام حرف اللام كفاصل في مقدمة الفقرة بل يتعداه إلى النص نفسه. فهو مثلا يتحدث عن (قطة) تحتك بقدمه فما سبب ذلك؟ هل السبب شعورها بالوحدة هي أيضا حيث يصفها بالوحيدة؟ أم لأنها أحست بكآبته فكانت وحدته بمثابة مغناطيس جذبت القطة له؟ وهل يمكن أن تُقْدِمْ قطة على الاحتكاك بقدم عابر سبيل دون أن يكون هناك نوع من الإلفة بينهما؟ ام ان الطيور على اشكالها تقع؟ وهل يتحدث الكاتب هنا عن قطة؟ أم هي لغة كودية يقصد بها امرأة مثلا؟ ثم لماذا يركلها بمثل تلك الطريقة؟ ولماذا يبرر لنفسه ولنا بأنه لا يتحمل ذنب ركلها باتجاه معاكس! كما لا يتحمل ذنب وحدتها؟ حيث نجده يشخصن القدم وكأنها هي لوحدها التي قامت بفعل الركل! وما مغزى أن يقول بأن الركل كان إلى مكان -ابعد مني-؟ وهل هناك ركل باتجاه الداخل؟
وعليه ما مغزى هذه الفقرة القصيرة والمكثفة والمعدودة الكلمات؟
هل هي لوحة مكملة للمشهد الكئيب الذي رسمه القاص ببراعة لنا في الفقرة الاولى؟ ام ان للقطة دور رئيسي في تطور الحدث؟
والى أين يتجه بنا الحدث؟؟؟؟

يتبع،،

قديم 07-13-2011, 08:42 AM
المشاركة 25
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي

تعالوا معي الآن نستكشف خفايا وأعماق الفقرة الثالثة والتي تنص على "


كم أكره هذا الجو الفجري.. قبل الذروة وقبل النشاط الذي يصبح عليه العالم حولي إلا أنا.. بعد قليل ستشرق الشمس ليشتد ضوؤها النحاسي أكثر وسأشعر بالوحشة.. كم أكره النهار.. النهار الشتوي ذي السماء العارية.. برياح متدلية تستمر حتى العصر.. أشعر به قاسيا كشفرات حلاقة لامعة, خصوصا إن لازمه انفلونزا كالعادة.. بدأت أشعر بذلك منذ تخرجي من الثانوية, وشعوري بالفراغ القاتل.. لقد تحولت لثقبٍ أسود للهموم".

طبعا نجد القاص يبدأ الفقرة برمز كودي آخر، الله فقط يعلم مغزاه أو معناه الكودي، وهو حرف الطاء هذه المرة، وهو الحرف الثاني من كلمة عاطل عند كتابتها بالمقلوب (ل ط أ ع ).

ونجد القاص في هذه الفقرة والتي تحتوي على 65 كلمة يكرر كلمات لها علاقة بالمشاعر والأحاسيس احد عشر مرة ( اكره، سأشعر، وحشه، أكره، اشعر، قاسيا، أشعر، وشعوري، فراغ، قاتل، للهموم) وهو أمر له وقع مهول على مشاعر المتلقي فيجد نفسه وكأنه يعيش الحدث.

ونجد القاص يوظف النقائض من جديد فهو من ناحية يتحدث عن العتمة واللون الأصفر وجو الكآبة ومن ناحية أخرى يتحدث عن ذلك الجو ألفجري. جو النشاط الذي يصبح عليه العالم ونقيضه جو الكسل والفراغ القاتل الذي يصبح عليه هو. ثم ذكر والشمس والفجر وفي المقابل ذكر نقضها الثقب الأسود وتوظيف هذه المتناقضات له سحر على عقل المتلقي.

كما أن القاص في هذه الفقرة يستمر في تصوير جو النص ورسم المشهد ببراعة وجمال فني خلاب وبديع بريشة الفنان المرهف الإحساس والقادر على توظيف الألوان، لتكتمل في ذهن المتلقي صورة مشهد الحدث، وجو النص الذي يكاد يتجسد في النص لشدة براعة القاص على الوصف الجميل وبناء المشهد. فهو هنا يضيف للصورة التي بدأ في رسمها في الفقرة الأولى مزيدا من الألوان فالجو من ناحية، فجري، فيه الشمس على وشك أن تشرق، لتلقي بضوئها النحاسي، في ذلك اليوم الشتوي، شديد البرودة، كون أن السماء عارية، وتسافر عبرها رياح متدلية.

وكل ذلك يوظف من قبل القاص ببراعة ليعكس حالة البطل النفسية، لا بل ليعمق وصف حالة الكآبة التي يعاني منها البطل، تلك الحالة النفسية التي من ناحية تملؤها مشاعر الكره لذلك الجو ألفجري على الرغم من جماله الخلاب وأضواءه النحاسية، وعلى الرغم انه يمثل ولادة للنشاط والذروة، ومن ناحية أخرى تشعر البطل بالوحشة والإحساس بالبرودة القارصة لرياح الشتاء المتدلية من سماء عارية، والتي لها على البطل وقع مهول أشبه ما يكون بشفرات حلاقة لامعة، مما يزيد من شعور البطل بالفراغ القاتل، فيتحول ذلك البطل ليس فقط إلى إنسان كئيب وإنما إلى ثقب اسود يبتلع كل هموم الدنيا فهو ليس كئيب فقط بل الكآبة السوداء بعينها.

ونجد في النص مزيد من الكلمات التي تدل على الحركة ( النشاط )، وذلك من العناصر الجمالية التي لها اثر مهول على المتلقي.

وفيها أيضا مزيد من الألوان (ضوء نحاسي، اسود) وهي أيضا عناصر جمال بالغة التأثير. وفيه وصف غاية في الجمال (فالجو فجري، سماء عارية، ورياح متدلية، ونهار كشفرات حلاقة لامعة، وفراغ قاتل، وثقب اسود).

وفي الفقرة تشخيص إذ صور القاص السماء وكأنها امرأة عارية، ونهار قاطع مثل شفرات الحلاقة، والفراغ وكأنه إنسان قادر على القتل.

وهنا نجد القاص يستكمل بناء الشخصية ببراعة أيضا، ويدفعنا للإحساس بهموم البطل ووحشته وكآبته، ونكاد نستشعر ذلك الجو الكئيب، وتلك الرياح الباردة المتدلية من تلك السماء العارية التي تعصف بالبطل، ونكاد نستشعر بألم تلك الشفرات اللامعة التي يحس بها البطل تقطع اوصاله، كل ذلك على الرغم من جمال تلك اللحظة الصباحية التي تسبق شروق الشمس بقليل، فيعزز صفة الكآبة التي رسمها في الفقرة الأولى لا بل يبدع في رسم الشخصية إلى حد أن شخصية البطل تتحول إلى ثقب اسود فيجذب المتلقي ليتعاطف معه أو ربما يكرهه بل يمقته على تلك الكآبة والوحشة والفراغ القاتل.

وفي ذلك ما يشير إلى قدرة الكاتب على رسم شخوصه ببراعة مهولة وكأن البطل تحول إلى كائن حي وليس شخصية في قصة.
يتبع،،



قديم 07-14-2011, 09:00 AM
المشاركة 26
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها ومعرفة المغزى :

ويستمر القاص مبارك الحمود في الفقرة الرابعة في سرد الحدث الذي يتمحور في مجمله حول شخصية بطل القصة، بنفس البراعة والقوة والتكثيف والجمال الفني المعبر والمؤثر إذ يقول:

" أ

ها أنا أقف عند المطعم.. "بيض بالجبن وكوب حليب لو سمحت".. لا أدري لماذا أشعر بالخجل وأنا آمره بذلك, لقد وضع شطة, حسنا لا بأس.. أحب الحليب بالشاي جدا, وخصوصا إن كان سكره زيادة.. أتخيل وأنا أرتشفه أني ممثل كلاسيكي في فيلم أربعيني بالأبيض والأسود, تنقصني سيجارة فقط.."

ونجده في هذه الفقرة الرابعة (والتي تتكون من 49 كلمة ) يبدأ برمز كودي جديد هو حرف الألف (أ) هذه المرة، وهو الحرف الثالث من كلمة عاطل عند كتابتها بالمقلوب (ل ط أ ع ).

ونجد أن مبارك الحمود ولأسباب غير معروفة، يكرر في مطلع الفقرتين التاليتين هذا الحرف (أ)، وعلى غير ما فعل بالحروف الأخرى ( ل+ ط )، ولاشك أن لذلك رمزية ما؟! وهي حتما لغة كودية تلد في لحظة الوجد، في الغالب لا يدرك مغزاها حتى الكاتب المبدع نفسه ولو ظن عكس ذلك.

والسبب لا شك يعود إلى أن عقل المبدع يعمل وخلال لحظة ( الوجد ) أي لحظة الاشتعال الإبداعي أو لحظة ولادة النص الإبداعي بقوة بوزيترونية ما ورائية لا محدودة في قوتها، تلتقي فيها الأمكنة جميعها في نقطة واحدة، وكذلك تلتقي فيها الأزمنة جميعها في لحظة واحدة، وتتناسب قوة لحظة الوجد هذه طرديا مع الوتيرة التي يعمل بها دماغ الشخص المبدع، تلك الوتيرة المرتبطة بدورها بكيمياء الدماغ، وقوة الدفق في كيمياء الدماغ مرتبط بدوره في المآسي والفجائع والصدمات التي يمر فيها المبدع خاصة في طفولته المبكرة، وأعظمها تأثيرا هو اليتم. وعليه قد تحمل مثل هذه اللغة الكودية دلالات ومعاني وأعماق وأبعاد لا يمكن فهمها أو استيعابها في زمن ولادة النص، أو من خلال القراءة الواعية لها، وعلى الأغلب أن اللغة التي يخرج فيها النص الإبداعي تمثل رموز كودية تحمل على معاني ودلالات مستقبلية ما ورائية الأبعاد والأعماق ، والزمن فقط هو الكفيل بفكفكة وكشف أسرارها ورمزيتها وفهمها بشكل كامل، وتظل أي قراءة لها اجتهاد قد لا يصل إلى أعماقها الحقيقية.

لكننا نجد في نص هذه الفقرة أيضا الكثير من عناصر الجمال المؤثرة في المتلقي. فالقاص وهو يتحدث على لسان البطل يخبرنا انه يقف عند المطعم في مثل ذلك الجو ألفجري نحاسي الضوء والذي أبدع القاص في رسمه بريشة الفنان الذي يتقن استخدام الألوان والتفاصيل. والوقوف يعني عكس الحركة. فالقاص يُسَخرْ هنا عنصرين مهمين من عناصر الجمال في كلمة واحدة وهما ( الحركة ) والنقيض وفي ذلك اثر مهول على ذهن المتلقي.
ونجده يدخل إلى لوحته مزيدا من الألوان (الأبيض) وهو يذكره بصورة مباشرة مرة واحده عندما يتحدث عن فيلم أربعيني ( بالأبيض والأسود ) و هو هنا يسخر النقائض أيضا فيرمي عصفورين في حجر واحد كما يقال فيكون للعبارة وقع مكثف بدرجة التكثيف في النص.

ولكنه يستحضر اللون الأبيض بصورة غير مباشرة من خلال ذكره كلمات توحي وترتبط ذهنيا بشكل وثيق باللون الأبيض مثل ( البيض، والجبن، والحليب، ثم الحليب مرة أخرى، والسكر). كما انه يذكر اللون الأحمر بنفس الأسلوب حينما يذكر ( ألشطه، والشاي ).

ونجد القاص في هذه الفقرة أيضا يكرر كلمات لها علاقة بالمشاعر والأحاسيس مرة بصورة مباشرة مثل ( اشعر بالخجل، و أحب) ومرة أخرى بصورة غير مباشرة حين يذكر كلمات لها علاقة بحاسة الذوق مثل ( شطة، وسكر، و ارتشف) وهو ما يجعل للنص وقع إضافي مهول على مشاعر المتلقي.

وفي هذه الفقرة نجد أن القاص قد ادخل شخصية ثانوية جديدة، وهي شخصية السفرجي في المطعم، وهي الشخصية الثالثة في القصة، وواضح أنها هذه الشخصية قد سخرها القاص لاستكمال رسم صورة بطل القصة، والتي هي الشخصية الرئيسية في النص، وذلك ما يشير إلى دراية الكاتب بفنيات الكتابة القصصية المؤثرة...فقد محور قصته حول شخصية محورية واحدة أتقن القاص وصف حالته النفسية، وكأنه طبيب نفسي يكتب تقرير وصفي عن حالة البطل النفسية، ويضمن ذلك كل جوانب ما يحب ويكره ذلك البطل.

يتبع،،

قديم 07-18-2011, 09:29 PM
المشاركة 27
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها ومعرفة المغزى :


الفقرة الخامسة تبدأ بكود مكرر وهو حرف الألف (أ) وفيها يستكمل القاص بناء الحدث بنفس الأسلوب من الجمال والتكثيف والاهتمام بالتفاصيل وحشد الألوان واستنفار الحواس والأحاسيس والنقائض ويضيف عليها استخدام الأرقام واستثارة المخيلة. ونحن نجد أن كل كلمة من كلمات الفقرة تكتنز في داخلها عنصر من عناصر الجمال المؤثرة. وهي تنص على ما يلي:
" ا
أفكر بشطيرة أخرى ولكني أحجم عن ذلك.. الفتاة التي أراها كل يوم تقف عند الباب بعباءتها الفضفاضة, ومعها أختها ذات السبع سنوات.. طريقة شربي للحليب تتغير, ونسيت بأي طريقة كنت أشرب..
طلبت شطيرة أخرى.. أشعر بتصنعي.."

وها هو القاص يضيف في مطلع هذه الفقرة إلى صفات شخصية البطل صفة التردد فهو يفكر (استخدام التفكير والمخيلة) في شطيرة أخرى لكنه يحجم عن ذلك.

وفجأة تظهر فتاة في الحدث وهي شخصية ثانوية جديدة تقف على باب المطعم (يراها البطل) وفي ذلك استنفار لحاسة البصر، ترتدي (عباءة فضفاضة)، وفي ذلك استثمار للنقائض و (تقف عند الباب) وفي ذلك نقيض للحركة، أي أن فيها استثمار للحركة والنقائض من جديد. ومع تلك الفتاة أختها ذات (السبع) سنوات ولا شك أن للأرقام سحر مهول في النص القصصي وهي تزيد اثر اللغة الكودية حدة ورمزية وغموض ودلالات فالأرقام هي لغة الكون...فلماذا (سبع سنوات) مثلا؟

ويكون لبروز تلك الفتاة ذات العباءة الفضفاضة اثر مهول ووقع مباشر على بطل القصة رغم انه يراها كل يوم كما يقول، فتتغير طريقته (في شرب الحليب) وهو مؤشر على حالة الانفعال التي أصابته، وفي ذلك استنفار لحاسة الذوق، بينما يُذَكّر الحليب باللون الأبيض من جديد، (فينسى) البطل وفي النسيان استحضار للذاكرة والمخيلة والفكر، (بأي طريقة كان يشرب ) وفي الشرب تكرار يستنفر حاسة الذوق وله اثر بالغ على المتلقي.

ولكن التغير لا يقتصر على طريقة بطل القصة في شرب الحليب فهو يعود ليغير رأيه بخصوص طلب شطيرة أخرى، فيقرر طلب واحدة أخرى بعد أن كان قد أحجم عن ذلك..فيشعر هو بتصنعه (وفي ذلك حشد للمشاعر والأحاسيس من جديد)، ونشعر نحن بالتغير الذي يحصل في شخصية بطل القصة على اثر رؤية تلك الفتاة.

وهنا نلاحظ أن القاص تمكن من إحداث تطوير على شخصية بطل القصة فجعلها وفي نقلة نوعية حيوية ديناميكية، نامية ومتغيرة، وليست شخصية جامدة، وهو مؤشر على دراية القاص بأهمية بناء الشخصية في القصة حيث تجعلها تلك الحيوية والدينامكية اقرب إلى الحياة عند المتلقي واقدر على الجذب، ويكون لذلك وقع شديد واثر بالغ على المتلقي، ويدفع المتلقي لاتخاذ موقف من تلك الشخصية.

وهو في نفس الوقت لا يكاد يقول لنا شيء عن شخصية الفتاة وأختها ذات السبع سنوات فتظل هذه الشخصيات سطحية غير معقدة التركيب والبناء، فينجح القاص بذلك في تسخير هذه الشخصيات الإضافية لخدمة التطور والتغير في مسلكية ونفسية وشخصية بطل القصة الرئيسي.

ولكن الغموض يظل هو سيد الموقف حول تطور الحدث حتى هذه اللحظة، ولا نعرف تحديدا أين يتجه بنا القاص؟ وما لدينا حتى الآن يمكن تلخيصه في قصة شاب يمشي على الطريق في مشهد يراه كئيبا رغم انه وقت الفجر، يشعر بفراغ قاتل رغم انه وقت النشاط، يسير في ذلك الطريق على غير هدى في يوم شتوي يشعر به قارص البرودة ، ويصاحب تلك الكآبة والفراغ أنفلونزا. تحتك بقدمه قطه لكنه يركلها بعيدا عنه. يصل ذلك الشاب إلى مطعم حيث يطلب شطيرة , وكوب حليب وفجأة تظهر فتاة ويكون لظهورها وقع شديد عليه يجعله يغير من طريقة شربه للحليب رغم انه يراها كل يوم كما يقول فيتصنع في تصرفه وسلوكه.

طبعا كل هذا التطور في الحدث يتم في فضاء مكاني وزماني محدودين ، ومحدودية الفضائيين المكاني وألزماني من خواص القصة القصيرة المؤثرة، وفي ذلك مؤشر إضافي بأن القاص يحرص على البناء القصصي الجميل والمؤثر.

ولكن يظل السؤال إلى أين يتجه بنا القاص في هذا الحدث؟ وكيف ستكون عليه لحظة الكشف؟ ثم ما هي الرسالة في هذه القصة إن كان يوجد رسالة أصلا؟

قديم 07-21-2011, 08:38 AM
المشاركة 28
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها :

وهذه الفقرة السادسة وقبل الاخيرة تبدأ بنفس الكود المكرر في الفقرتين السابقتين وهو حرف الألف (أ) وفيها يدرج القاص مزيد من الأرقام ويا لسحر الأرقام هذه اللغة الكودية التي تزيد النص رمزية وغموض ودلالات كونها لغة الكون... هذه الفقرة تتكون من 51 كلمة وتنص على ما يلي:
" أ
سته ساندوتش, 3فلافل بطاطس بدون سلطة, وكثر الكاتشب, ووحدة بدون كاتشب" بالكاد يسمع صوت الفتاة.. "أبي ببسي معاها" تقولها الصغيرة بعد فترة من الوقت, "ببسي على الصبح, سوينا حليب بالبيت يكفي" تهمس أختها كاظمة غضبها, وهي تشد مريول الطفلة من الكم.. أفكر أن أدفع عنهم لكني خائف من ردة الفعل..

ويبدو أن أهم عنصر من عناصر الجمال في هذه الفقرة هو إدراج مزيد من الأرقام فيها، فبالإضافة إلى الرقم 7 الذي ذكره القاص في الفقرة السابقة نجده هنا يذكر الأرقام (6 ، و3 و 1)، لكن الفقرة لا تقتصر على ذلك، بل فيها حشد من الكلمات ذات الدلالة، فكلمات (يسمع، صوت ، وتقولها ، وتهمس، وتشد)، فيها استثارة لحاسة السمع واللمس لدى المتلقي. أما كلمات ( غضبها ، وخائف ) ففيها استثارة للمشاعر والأحاسيس. كذلك نجد أن القاص يسخر النقائض (بدون + كثر ، تشد + أدفع ، الفعل + ردة الفعل). كما نجد القاص قد حشد عدد من الكلمات التي ترتبط بألوان متعددة ( سلطة، كاتشب، ببسي، حليب، مريول، الصبح بلونه ألفجري ) وكأنه يستحضر الألوان الأخضر والأحمر والأبيض، والنحاسي. وهو ما أضفى على النص مزيد من الجمال والسحر وكأن الكاتب لا يكتب قصة وإنما يرسم لوحة فنية تملؤها الالوان.

لكن عنصر الجمال الأهم في الفقرة فهو تكرار حرف السين ومشتقاته الشين والصاد 15 مرة في هذه الفقرة التي تحتوي على 51 كلمة ، (لاحظ العلاقة الكودية بين الرقمين 15 + 51 ) وهذه الكلمات ( سته ، ساندوتش, بطاطس ، سلطة، الكاتشب,كاتشب، يسمع، صوت، ببسي، الصغيرة، ببسي، الصبح, سوينا ، تهمس ، تشد )، والمعروف أن حرف السين بموسيقاه الساحرة هو من أحرف الهمس "سيناً أو شيناً أو صادا" ، وقد استخدمه البحتري، كما يقول الشاعر عمر أبو غريبة ،"حين دخل إيوان كسرى طريدا، خائفا، خاشعا، معتبرا"، والمعروف أيضا أن من صفات حرف الشين ( التفشي)أي هو انتثار الهواء عند خروجه من الفم وهو غالبا ما يستخدم بهدف التعبير عن الحسرة والحزن والكآبة، واستخدام هذه الحروف له وقع مهول على أذن السامع حيث يتأثر المتلقي لحال قائل هذه الحروف وهو هنا بطل القصة .

وذلك يتناسب حتما مع حالة البطل النفسية، والتي يغلب عليها الكآبة والحزن والتردد والشعور بالفراغ، ولكننا هنا نكتشف انه يتحسر أيضا لرؤية تلك الفتاة التي يحبها لكنه لا يجرؤ ( يخاف ) على مخاطبتها أو التحدث معها، ربما لأنه عاطل، رغم أن هناك ما يشير إلى أن ذلك الشعور ( الحب) متبادل، والدليل أنها مثل البطل تشرب الحليب صباحا، وتهمس حين تتكلم وتتصرف بخجل ودلال.
والدليل الآخر هو ما حل به ( البطل ) من اضطراب عندما رآها ثم طلبه لشطيرة ثانية بعد أن قرر العزوف عن ذلك، بهدف إطالة مكوثه في حضرتها، ثم تفكيره في أن يدفع عنها الحساب لكنه لم يفعل لخوفه من ردة الفعل.

وعليه فإننا نجد أن هذه الفقرة جاءت متناسبة مع الحالة النفسية لبطل القصة، وقد سخرها القاص أيضا بهدف استكمال بناء شخصية البطل باحتراف وفنية مشهودة، رغم انه تحدث بتفاصيل دقيقة جدا عن تلك الفتاة وعن المشهد، ولا ننسى أن الاهتمام بالتفاصيل الوصفية دون التأثير السلبي على التكثيف في القصة له سحر مهول أيضا وهذه الخاصية تحديدا هي ما جعل همنجوي كاتبا عظيما، ويتضح لنا أن وجود الفتاة في المطعم كان يهدف إلى مزيد من التعريف بشخصية البطل وبما يدور في نفسه من مشاعر وأحاسيس ومخاوف، ولا شك أن ذلك مؤشر على براعة القاص وقدرته على البناء الفني الجميل والبليغ والمؤثر.

يتبع ،،

قديم 07-23-2011, 07:57 PM
المشاركة 29
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تابع ،،
محاولة لفكفكة الغموض في القصة هنا (عاطل) وسبر أغوارها والإشارة إلى عناصر الجمال والتأثير فيها :

وهذه هي الفقرة السابعة ( 7 ) والأخيرة في القصة ( فهل يا ترى هناك علاقة كودية بين سن الفتاة الصغيرة في المطعم والتي عمرها ( 7 ) سنوات و عدد فقرات القصة السبعة؟ أم هي مجرد صدفة؟ أم أن العقل الباطن إذا ما عمل بطاقات البوزيترون يكون له قدرات مهولة على توليد نصوص كودية مهولة لا يمكن إدراكها بالعقل الواعي ؟ وهذا هو نص الفقرة السابعة:

ع


أكمل طريقي بعد دفعي لحسابي متأخراً بعد خروج الفتاة.. أصل البيت وأدخل المفتاح بثقل لأتفاجأ بالخادم يسبقني بفتح الباب لي, ولأجد أبي يستعد للخروج, والخادمة تقدم له فنجان القهوة السوداء الثقيلة.. يشير إلي والفنجان في فمه, ويقول بعد رشفة سريعة: (جهز نفسك ستذهب معي الليلة لعشاء وزير العمل).. زوجة أبي الثالثة تجلس على الأريكة, تبتسم باتجاهي كقطة فارسية سمينة.. قدمي تحكني.. سحقا ً.


ويلاحظ أن هذه الفقرة تبدأ بحرف كودي آخر هو حرف العين (ع) وهو غير مكرر مثل حرف الطاء، وهو الحرف الأخير من كلمة (عاطل) إذا ما كتبت بالمقلوب.
وهنا يتطور الحدث باتجاه آخر ويتغير المشهد فجأة فنجد القاص قد حشد سبع (7) شخصيات دفعة واحدة ( الفتاة، الخادم، الخادمة، والأب ، وزوجة الأب، ووزير العمل ، والقطة الفارسية، والبطل نفسه)، رغم أن البطل يظل هو الشخصية الرئيسة ومحور الحدث.
كما أننا نجد أن المشهد هنا يعج بالحركة والحيوية على عكس حالة البطل المتثاقلة، ونجد القاص يكرر كلمات توحي بالحركة 17 مرة، وهي (أكمل طريقي، دفعي، خروج ، أصل، وادخل، يسبقني، فتح، للخروج، تقدم، يشير، رشفة، سريعة، جهز، ستذهب، العمل، تجلس، تحكني). وهو عدد هائل من الكلمات في فقرة تحتوي على 62 كلمة فقط.
ولكن هذه الحيوية التي تضفيها كلمات تنم عن الحركة ليست عنصر الجمال الوحيد في النص، فالقاص يكرر هنا ذكر الألوان أيضا ( القهوة السوداء ، الليلة)، ويحشد عدد من الكلمات التي توقظ الحواس وترتبط بها ( فمه ، يقول، رشفة، تبتسم)، وفيها استخدام للأرقام ( حسابي ، الثالثة)، والنقائض ( خروج + دخول، يثقل+ يسبق، ثقل+ سريعة، العمل + عاطل ). ونجد أيضا أن الفقرة تشتمل على كلمات عديدة تحتوي على حرف السين ومشتقاته الصاد والشين حيث تتكرر هذه الحروف 16 مرة ليظل سحر موسيقى حروف الهمس هذه هى المسيطرة ويستمر وقعها المؤثر في نفس المتلقي بنفس الحدة والقوة.

ونلاحظ أن البطل عندما يعود إلي البيت يحاول إدخال المفتاح بتثاقل ربما لما يعاني به من إحباط وكآبه وظنا منه أن من في البيت لا بد أنهم نيام، لكنه يجد أن الخادم يسبقه في فتح الباب ليدخل فجأة إلى حيز ملئ بالنشاط والحركة، ( فالخادم يسبقه في فتح الباب، والخادمة تقدم لوالده فنجان قهوة، ووالده يرتشف منه رشفه سريعة ويتحدث عن لقاء ليلي مع من؟ مع وزير العمل...وهنا لحظة الانقلاب فهذا الـ (عاطل ) ذاهب إلى لقاء وزير العمل على العشاء..ولا شك أن في ذلك سخرية مقصودة من قبل القاص أراد بها أن يسلط الضوء بكثافة وقوة على حال هذا العاطل من خلال تسخير النقائض وهذه المرة وزير العمل!
ولكن الحدث لا ينتهي هنا فبطل القصة والذي اخبرنا أن قطة لم يعرف ماذا تريد ، كانت قد اقتربت منه واحتكت بقدمه وهو يسير في بداية الطريق في ذلك الصباح، واخبرنا انه قد ركلها في اتجاه معاكس له، نجده هنا في مواجهه مع زوجة والده الثالثة والتي كانت تجلس على الأريكة وتبتسم باتجاهه كقطة فارسية سمينة فيشعر بقدمه تحكه...فيردد كلمة (سحقا).. لكننا لا نعرف على وجه التحديد ما هو التصرف التالي حيث ترك القاص النهاية مفتوحة ليترك المجال للمتلقي أن يتصور لنفسه كيف سارت الأحداث بعد ذلك. ولا شك أن النهاية المفتوحة يكون لها وقع مؤثر على مخيلة المتلقي فتترك القصة أثرا يدوم بعد الانتهاء من قراءتها. وعدد هائل من الأسئلة التي تظل تحوم في فضاء الدماغ للمتلقي!! مثلا :
- ما مغزى استخدام حروف العنوان (عاطل) مقلوبة للفصل بين الفقرات؟ ولماذا كرر الكاتب بعض حروف الكلمة (ل مرتين +أ ثلاث مرات) ولم يكرر الأخرى (ع + ط)؟ وما دلالة ذلك؟
- ما دلالة الشعرات البيضاء التي ظن بطل القصة أنها موجودة في رأسه؟
- ما دلالة مشهد احتكاك القطة بقدم بطل القصة في الفقرة الثانية ؟
- هل قصد الكاتب أن يقول لنا بأن مصير الزوجة الثالثة عند البطل سيكون مثل مصير تلك القطة وهو الركل طبعا باتجاه بعيد عنه؟
- ما الغرض من إدخال شخصية الفتاة التي تلبس عباءة فضفاضة؟
- ما دلالة تفكير بطل القصة في أن يدفع حساب الفتاة؟ وهل يكون الـ عاطل قادر على الدفع إذا لم يكن ميسور الحال؟
- ما دلالة العشاء مع وزير العمل سوى انه سخرية أراد القاص بها أن يبرز المعنى بتسخير النقائض ( عاطل + عمل )؟
- لماذا تفاجأ البطل عندما سبقه الخادم في فتح الباب؟
- ما سر الرشفة السريعة لوالد البطل في القصة؟ وهل لها دلالة تشير إلى طبيعة العلاقة بين الولد وأبيه؟ وان سر عطل الولد يكمن في انشغال أبيه الذي لا يملك الوقت لشرب القوة على روية؟
- هل يعالج القاص في القصة مرضا اجتماعيا وهو -معاناة الشباب في ظل مجتمع من الرفاه والوفرة المادية- وكأنه أراد القول "الوفرة مفسده
- أم هل أراد القاص أن يوصل لنا الرسالة التالية:" البطالة مرض ...توصل إلى الكآبة والانتحار ربما

أخيرا، ربما يكون القاص مبارك الحمود قد كتب قصته ( عاطل ) بوعي وتخطيط مسبق وهدف ورسالة معينة، وعرف مسبقا أين يريد أن يصل بنا. وهو حتما نجح في جعل القصة تنبض بالحيوية والجمال والألوان، من خلال تسخير فنيات الكتابة المبدعة والبليغة، وتمكن من رسم مشهد يتناسب مع طبيعة الشخصية.
كما انه تمكن من بناء قصة مكتملة العناصر من الناحية الفنية ( مدخل بليغ ينم عن حركة، حبكة تساند الأحداث فيها بعضها بعضا، وفضاء زماني ومكاني محدودين ومناسبين، وشخصية رئيسية واحدة مكتملة البناء وقد بُنيتْ بأحتراف، وشخصيات ثانوية مساندة، جو النص يتناسب مع طبيعة الشخصية، التكثيف، تسخير التفاصيل، اللغة المتناسبة مع الحالة النفسية للشخصية الرئيسية، لحظة الانقلاب، والنهاية المفتوحة ) .

لكن الأهم من ذلك كله هو تلك السمة والرموز الكودية التي امتلأت بها القصة من مطلعها إلى آخرها، وفي ذلك ما يشير إلى أن لحظة ولادة النص عند الكاتب مبارك الحمود هي أشبه ما تكون بلحظة الوجد حيث يتولى العقل الباطن بقوته اللامحدودة وطاقاته البوزيترونية العمل فيخرج النص ويولد بتلك الصورة الفذة وتلك الصفة الكودية التي تحمل على معاني مستقبلية، رغم أنها تعالج موضوعا آنيا.

يتبع،،

قديم 08-17-2011, 12:19 AM
المشاركة 30
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والان مع القراءة النقدية لقصة المهلهل

مباركٌ, رزقت بمولود كالقمر..
قالتها الممرضة ذات يوم لوالدي..

- ماذا أفعل به, خذيه أنت, اعتبريه هدية, ولتغني للقمر..

هكذا بدأت حياتي, كنت الطفل الخامس, لعائلة أصبح مالكها الفقر منذ أزمانٍ بعيدة.

كنت أصيح أحياناً من جفاف ثدي أمي النادر التقامي له, وأحياناً أخرى من جفاف فمي..
- يا للسخرية بدأ يتذمر منذ الآن..
يقولها والدي لترد عليه أمي:
- إنه يخبرك مقدار تذمري..
وكانت تلك آخر جملة تنطقها أمي قبل موتها كما يقول أبي, كان يضع اللوم علي, ويسألني "لماذا أتيت؟", وأقول:"اسأل روحك!؟."

لم يكن أبي الوحيد الذي كان يعاملني هكذا, فهناك الكثير من الناس, أقارب وأغراب, ومازلت أتذكر تهكم مدير المدرسة وقوله لي يوما -وهو يقرب شفاهه الثخينة اللزجة من ميكرفون الإذاعة- قبل قراءتي لفقرتي: يجب أن تغير ثوبك المهلهل القذر هذا, النظافة من الإيمان أليس كذلك يا أبنائي الصغار؟, لينظر لي بعدها مبتسما بأسنانه الصفراء المبقعة التي يغطيها العفن.
لم أجبه, فلم أعرف معنى مهلهل, ولكني ضحكت كثيرا على ذلك التعبير, وكان ضحكي يتردد صداه في مكبرات الصوت, فقد تخيلت نفسي ألبس ثوبا من الهللات الحديدية.. أمشي به بثقل وجسدي الضامر يبدو من خلال شقوق التقاء الهللات, سآخذ في كل يوم أجوع به بعضا منها حتى تكتمل الصورة بفقدها من على جسمي جميعا, ضحكت على تلك الكلمة, وتركت المدير جامدا بابتسامته تلك التي استمر عصب فمه مشدودا بها طوال اليوم.

جزء من حياتي تلك بدأتُ بفقده كتلك الهللات, وأعتقد أن الصورة حان اكتمالها, ولذلك لم أوفر الفرصة حينما أتت.. قررت التطوع لمساعدة غرقى أحد السيول حين رأيت تراجع الجموع المراقبة, وادعيت كاذبا خبرة كبيرة بالسباحة.. نزعت ثوبي المهلهل عني, وقفزت..
أناس كثر على معرفة كبيرة بهم كانوا يشاهدون غرقي, ونظرت من بينهم إلى ثوبي.. شعرت به يلوح لي مودعا.
ضمني السيل بين أحضانه, وجرفني معه كفرع شجرة مقطوع.. تلك كانت المرة الوحيدة التي أشعر بها بذلك الشعور.. كان مخيفاً, مخيفاً فعلاَ.. أن يحضنك ذو وجوه متعددة الأحضان, يقلبك على كل الجهات متى يريد, ولكني قلت في نفسي, وأنا مطمئن:كل الطرق تؤدي إلى القبر.
قلت تلك العبارة, وأنا أرى من خلف تيارات المياه الطينية ثوبي المهلهل يهبُّ واقفاً, ويقفز خلفي, ليغطي ما تعرى من جسدي.


مواقع النشر (المفضلة)



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: قراءة نقدية معمقة لقصص مبارك الحمود
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الافتراضي المأمول، والواقع المحروق قراءة نقدية في رواية (ذرعان) للروائي (محمد الحفري) محمد فتحي المقداد منبر النصوص الفلسفية والمقالة الأدبية 2 11-19-2020 12:12 AM
قراءة نقدية في ديوان "حرف وأمل" للشاعرة أمل سليمان بقلم د. عبد المجيد جابر اطميزة ماجد جابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 01-13-2018 06:48 PM
قراءة معمقة لبعض روائع الشاعر عبد اللطيف السباعي ايوب صابر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 46 01-20-2017 03:32 PM
قراءة نقدية فى قصيدة " بوح الحروف " جبار دهر جبار منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 01-02-2013 02:53 PM
قراءة نقدية لنص ( ظلال شبه عارية ) للشاعرة السورية غادة قويدر غادة قويدر منبر الدراسات الأدبية والنقدية والبلاغية . 2 12-09-2011 11:35 PM

الساعة الآن 08:50 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2021, Jelsoft Enterprises Ltd.