المقهىلتسكن النفوس وتهدأ الجوارح بعد ثقل وحي الإبداع.
أهلا وسهلا بك إلى منتديات منابر ثقافية.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.
كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
الاكتئاب.. في الشعر العربي: الشعر وهو الكلمة المنظومة وأحد من أرفع الأساليب التي يستخدمها الإنسان للتعبير عما يجيش في نفسه من مشاعر وخلجات، ولقد بقي الشعر على مرّ العصور ورغم ما حدث من تغيير في شكله ومضمونه – الوسيلة القادرة على التعبير اللفظي عن الشعور الإنساني في مواقف الحياة المختلفة بما فيها من أحداث، وصراعات وانفعالات، وخبرات سارة، وأخرى أليمة. ولعل الحزن والكآبة هي من أكثر التجارب الأليمة التي يمكن أن تتحول في خيال الشاعر إلى تجربة شعورية توحي إليه بأشجى الأشعار، ولعل من فضل المصائب على الإنسان انّها تعيده بالألم إلى إنسانيته فإذا به يتحول إلى قيثارة تعزف لحناً يفيض بالشجن، وتزدحم كتب الشعر العربي بأشعار تعبر عن هذه التجربة في مناسبات مختلفة، وربما كان أهمها التأثر بفقد عزيز أو حبيب حيث نرى من المراثي العديدة في كلّ العصور ما تضيق به المجلدات نسوق البعض منها.
وعلى زوجته أيضاً بكى محمود سامي البارودي في منفاه:
هيهات بعدك أن تقر جوانحي *** أسفاً لبعدك أو يلين مهادي
ولهي عليك مصاحباً لمسيرتي *** والدمع فيك ملازم لوسادي
أسباب ومظاهر الاكتئاب في الشعر العربي:
يقول شوقي أمير الشعراء في تأملات عن الحياة والموت:
خلقنا للحياة وللممات *** ومن هذين كلّ الحادثات
ومهد المرء في أيدي الرواقي *** كنعسن المرء بين النائحات
وما سلم الوليد من اشتكاء *** فهل يخلو المعمر من اذاة
ومن مشاعر الكآبة ما يرتبط بتقدم العمر حين يتذكر المرء الشباب ويأسي على ما آل إليه،
فهذا الشاعر يصف لنا في أبيات مرض الاكتئاب في السن المتقدم يقول:
سلني انبئك بآيات الكبر
نوم العشاء وسعال بالسحر
وقلة النوم إذا الليل اعتكر
وقلة الطعم إذا الزاد حضر
وسرعة الطرف وتدقيق النظر
وتركك الحسناء في قبل الطهر
والناس يبلون كما يبلى الشجر
ويقول زهير بن أبي سلمى في معلقته الشهيرة:
سئمت تكاليف الحياة ومن يعش *** ثمانين حولاً لا أبا لك يسأم
ويقول أبو العتاهية يبكي الشباب ويتمنى لو تعود أيامه:
بكيت على الشباب بدمع عيني *** فلم يغن البكاء ولا النحيب
ألا ليت الشباب يعود يوماً *** فأخبره بما فعل المشيب
ويبدو أنّ هذا الموضوع أثير إلى نفوس الشعراء ففيه يقول إلياس فرحات:
بكيت فقال أصحابي: أتبكي؟ *** فقلت مضى الشباب فهل أغني؟
دعوا دمعي يسيل فما لمثلي *** شعور المستريح المطمئن
والذي يلفت الانتباه هو تفوق الشعراء في وصف تجربتهم مع الاكتئاب، حتى ليكاد المرء يعيش ما يعانونه من حزن وأسى عميق،
ويقول شاعر في وصف حالة الكآبة الشديدة التي يعانيها:
وفوقي سحاب يمطر الهم والأسى *** وتحتي بحار بالأسى تتدفق
ويقول أبو نواس ينعي حظه:
فثوبي مثل شعري مثل حظي *** سواد في سِواد في سواد
وله أيضاً:
ولو عرضت على الموتى حياة *** بعيش مثل عيشي لم يريدوا
ويقول إلياس فرحات:
كتاب حياة البائسين فصول *** تليها حواش للأسى وذيول
وما العمر إلّا دمعة وابتسامة *** وما زاد عن هذي وتلك فضول
وعن مشاعر الأسى التي تستبد بالمكتئب فتحرمه النوم في ليلة، فإذا استيقظ كانت حالته أشد سوءاً،
وهذا ما تصفه الخنساء في إحدى قصائدها في رثاء أخيها صخر مطلعها:
يورقني التذكر حين أمسي *** فأصبح قد بليت يفرط نكس
وفي هذا يقول المتنبي:
أرق على أرق ومثلي يأرق *** وجوي يزيد وعبرة تترقرق
جهد الصبابة أن تكون كما أرى *** عين مسندة وقلب يخفق
ويقول آخر بنفس المعنى:
نفى النوم عن عيني فالفؤاد كئيب *** نوائب هم ما تزال تنوب
وإني لآرعي النجم حتى كأنني *** على كلّ نجم في السماء رقيب
وعن تلك الفئة من مرضى الكآبة الذين يخفون حقيقة مشاعرهم خلف قناع حتى ليحسب المرء انّهم ينعمون بالراحة، والواقع انّهم في معاناة طاغية داخل نفوسهم، عن ذلك يقول المتنبي:
رب كئيب ليس تندى جفونه *** ورب كثير الدم غير كئيب
ويقول إبراهيم ناجي في "الأطلال":
انظري ضحكي ورقصي فرحاً
وأنا أحمل قلباً ذبحاً ويراني الناس روحاً طائراً
والجوى يطحنني طحن الرحى
يحاول الشعر النفاذ إلى أبعاد أعمق تتصف بالتأمل في أحوال النفس الإنسانية، ولعل في هذه الأبيات تأكيداً حول مفهوم النفس وطبائعها ويقول الشاعر أبو الفتح البستي:
لكلّ إمرئ منا نفوس ثلاثة *** يعارض بعضها بعضاً بالمقاصد
فنفس تمنيه وأخرى تلومه *** وثالثة تهديه نحو المراشد
ويقول شوقي:
والنفس من خيرها في خير عافية *** النفس من شرها في مرتع وخم
الشعراء يصفون العلاج للاكتئاب:
كان مجال التداوي من الكآبة والتخلص منها أحد الأمور الأثيرة لكثير من الشعراء، فكانت بضائعهم بمثابة علاج نفسي وتذكرة دواء تتمثل في أبيات من الشعر،
يقول إيليا أبو ماضي:
أيها ذا الشاكي وما بك داء *** كن جميلاً ترى الوجود جميلاً
والذي نفسه بغير جمال *** لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً
أحكم الناس في الحياة أناس *** عللوها فأحسنوا التعليلا
هو عبء على الحياة ثقيل *** من يظن الحياة عبئاً ثقيلاً
نصيحة أخرى من المتنبي هذه المرة:
لا تلق دهرك إلّا غير مكترث *** ما دام يصحب فيه روحك البدن
فما يدوم سرور ما سررت به *** ولا يرد عليك الغائب الحزن
وشاعر آخر يصف العلاج فيقول:
واطرح همومك خلف ظهرك انها *** نبع التعاسة مهد أسقام الورى
وفي مقابل من يدعون إلى التفاؤل ويصفون الحل والعلاج هناك من يفوقهم عدداً ويدعو إلى عكس ذلك بما يشيع في أبياتهم من روح اليأس والتشاؤم،
وهذه أمثلة لذلك:
تعست هذه الحياة فما يسعد
فيها إلّا الجهول ويرتع
هي دنيا في كلّ يوماً ترينا
من جديد الآلام ما هو أوجع
ملاحظة .. هذه المنقولات من كتاب
الاكتئاب-في-التراث-والشعر-العربي