قصة الفعل المضارع والمملكة النحوية
قامت المملكة النحوية بإنشاء عالَمَين: عالم البناء، وعالم الإعراب.
أودَعت المملكة النحوية في عالَم البناء: الأفعال، وفي عالم الإعراب: الأسماء، استجابت الأفعال لهذا؛ فأصبح الفعل الماضي مبنيًّا على الفتح (ذهبَ، خرجَ، نزلَ)، وأصبح فعل الأمر مبنيًّا على السكون (اذهبْ، اخرجْ، انزلْ)، أما الفعل المضارع، فكان مَغرورًا؛ حيث رفَض البناء، وطلب الرفع، وعلم أنه لن ينال الرفع إلا إذا انتقل إلى عالم الإعراب، فغادَر عالم البناء، وتوجَّه إلى عالم الإعراب، تاركًا أرضه وأصله.
استطاع الفعل المُضارع أن يدخل عالم الإعراب، وأن يكون مرفوعًا.
وبما أن الفِعل المضارع جديد على عالم الإعراب؛ فقد كان يتقلَّب بين الصحَّة والمرض (العِلَّة)؛ لأن أجواء الإعراب تَختلف تمامًا عن أجواء البناء، ومع هذا التقلُّب في الظروف، فإن الفعل المضارع لابدَّ أن يكون صحيحًا حتى يُظهر الضمة، وقد يُصاب الفعل المضارع بمرض (علة) إذا انتهَت حروفه بـ (الواو - الياء - الألف)، فلا يستطيع في هذه الحالة إظهار الضمَّة؛ بسبب ضَعفِه، فتكون الضمَّة مُقدَّرةً عليه (غير ظاهرة)، وذلك على النحو الآتي:
يذهبُ: فعل مُضارع مرفوع بالضمَّة الظاهرة على آخِره؛ لأنه صحيح الآخِر.
يدعو: فعل مضارع مرفوع بالضمَّة المُقدَّرة على آخِره؛ لأنه مُعتَلُّ الآخِر بالواو.
يرمي: فعل مُضارع مرفوع بالضمَّة المُقدَّرة على آخِره؛ لأنه معتلُّ الآخِر بالياء.
يسعى: فعل مضارع مرفوع بالضمة المقدرة على آخِره؛ لأنه معتل الآخر بالألف.
عَلمت المملكة النحوية بخبر رحيل الفعل المضارع، فقالت: لا يستحق الرفع مَن ترك أصله وهجَر أهله، فأعلنت الحرب عليه، وأعدَّت جيش النواصب بقيادة الأداتَين (أن - لن)، وقد أوكلت المملكة النحوية إليه مهمَّتَين:
أولاً: تغيير الفعل المضارع من مرفوع إلى منصوب عند وقوعه مسبوقًا بأي من الأداتين.
ثانيًا: إظهار حركة الفتحة على الفعل المضارع الصحيح والمُعتل بالواو والياء.
ولأن المملكة النحوية تَعلم مشقَّة إظهار الحركة على الفعل المضارع المريض (المُعتَل)؛ فقد قامت بتزويد النواصِب بسلاح الإبرة.
دخلت النواصب (أن - لن) على الفعل المضارع الصحيح، وتمَّ إظهار حركة النصب (الفتحة) على آخِره، ودخلت أيضًا على الفعل المضارع المعتل الآخر، وهنا قامت النواصب باستخدام سلاح الإبرة؛ فاستطاعت أن تُظهر حركة النصب (الفتحة) على آخر الفعل المضارع المعتل بالواو والياء، أما الألف، فقد عجز سلاح النواصب (الإبرة) عن إظهار الفتحة على الفعل المضاع المُعتلِّ بالألف؛ فأصبحت الفتحة مُقدَّرة، وذلك كله جاء على النحو الآتي:
لن يذهبَ: فعل مضارع منصوب بالفتحة الظاهرة.
لن يدعوَ: فعل مضارع منصوب بالفتحة الظاهرة.
لن يرميَ: فعل مضارع منصوب بالفتحة الظاهرة.
لن يسعى: فعل مضارع منصوب بالفتحة المقدَّرة على الألف.
عادت النواصب إلى قواعدها سليمةً بعد أن قامت بتطبيق الأوامر الموكَّلة إليها، غير أنها لم تُحرِز النصر الكامل على الفعل المُضارِع؛ بسبب عدم إظهار الفتحة على الفعل المضارع المعتلِّ الآخِر بالألف، كانت النتيجة بالنسبة للمملكة النحوية مُخيِّبةً للآمال، خاصة أن الفعل المضارع لم يتزَحْزح من مكانه.
قررت المملكة النحوية مُواصَلة الحرب عليه، لكن هذه المرة بجيش جديد أسمتْه: (الجوازم)، وهذا الجيش يُشكِّل مجموعة بارِعة مِن الأدوات القوية؛ مثل الأداتين: (لم - لا الناهية)، وقامت المملكة النحوية بتزويد الجيش بسلاح (المقص)، وأوكَلت إليه مهمَّتَين:
أولاً: تغيير الفعل المُضارع مِن مرفوع إلى مجزوم عند وقوعه مسبوقًا بجازم.
ثانيًا: حذف حروف العِلة (الواو - الياء - الألف) مِن الفعل المضارع المعتل باستخدام المقص.
اتجهت الجوازم لمُواجهة الفعل المضارع، فبدأت المعركة مع الفعل المضارع الصحيح، واستطاعت الجوازم تغيير حركة الفعل المضارع مِن مرفوع بالضمة إلى مجزوم بالسكون، ثم اتجهت إلى الفعل المضارع المعتل، وهنا قامت باستخدام سلاح المقص، فبدأت تَحذف حروف العلة حرفًا حرفًا؛ حتى وصلت إلى الألف، الذي أمكنها بواسطة المقص قطعه وحذفه دون عناء، وذلك كله جاء على النحو الآتي:
لم يذهبْ: فعل مضارع مجزوم بالسكون.
لم يدعُ: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة (الواو).
لم يرمِ: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة (الياء).
لم يسعَ: فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العِلة (الألف).
عادت الجوازم إلى قواعدها سالمة غانمة، وقد حظيت بالنصر الكامل، وأتمَّت عملياتها الموكلة إليها بنجاح تام.
وبعد كل ما حصل للفعل المضارع، فإنه لا يزال مُصِرًّا على البقاء في عالَم الإعراب، وفي هذه المرة توصَّل إلى حيلة جديدة؛ حيث استعان بعالَم الإعراب على أساس أنه فرد مِن أفراده، وله حقٌّ عليهم، فقام عالم الإعراب بتلبية طلبه وتزويده بثلاثة أعضاء جديدة تنوب عن أعضائه المقطوعة، فزوده بواو الجماعة بدلاً مِن حرف العِلة (الواو)، وألف الاثنين بدلاً مِن حرف العلة (الألف)، وياء المُخاطَبة بدلاً من حرف العلة (الياء)؛ فأصبح الفعل المضارع بذلك يتَّصف بشكل جديد، واسم جديد: (الأفعال الخمسة)، وأصبحت علامة رفعه "ثبوت النون" بدلاً مِن الضمة، وذلك كله على النحو الآتي:
يذهبان: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون.
يذهبون: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون.
تذهبين: فعل مضارع مرفوع بثبوت النون.
وبموجب هذه التطورات عقدت مملكة النحو اجتماعًا طارئًا مع النواصب والجوازم؛ لتوحيد جهودهما في مواجهة الفعل المضارع الجديد، وقد خرج الاجتماع بتوصيات، مِن أهمها:
أولاً: اتحاد النواصب والجوازم تحت راية واحدة، وبسلاح واحد، هو سلاح المقص.
ثانيًا: إلغاء رفعه بثبوت النون، ووجوب نصبه أو جزمه بحذف النون عند سبقه بناصب أو بجازم.
انطلقت النواصب والجوازم لخوض معركة قوية مع الفعل المضارع الذي تضاعَفَت قوته، وبعد احتدام الصراع والْتحام الفريقَين، استطاعت النواصب والجوازم أن تحذف النون مِن آخر الفعل المضارع، وذلك على النحو الآتي:
لن / لم يذهبا: فعل مضارع منصوب/ مجزوم بحذف النون.
لن / لم يذهبوا: فعل مضارع منصوب/ مجزوم بحذف النون.
لن / لم تذهبي: فعل مضارع منصوب/ مجزوم بحذف النون.
وهكذا انتصرت النواصب والجوازم؛ فعادت إلى أدراجها سالمة فَرِحَة بما حقَّقتْه مِن نصر عظيم.
وبعد هذه الهزائم المتلاحقة، انقطعت حيلة الفعل المضارع، فرفع طلبًا للمملكة النحوية يَستسمِحها الإذن له بالعودة إلى وطنه الأصلي، لكنه يحتاج إلى مساعدتها في إيقاف نزيفه، فرحت المملكة بهذا؛ فأرسلت له على الفور (نون التوكيد - نون النسوة) بدلاً من النون التي حذفت، وذلك على النحو الآتي:
يذهبَـنَّ: فعل مضارع مبني على الفتحة؛ لاتصاله بنون التوكيد المباشرة.
يذهبْـنَ: فعل مضارع مبنيٌّ على السكون؛ لاتصاله بنون النسوة.
وهكذا استعاد المضارع عافيته، وقوي على الرجوع إلى عالَمِه الأصلي، بصورة تُرضي أخويه الماضي والأمر، فقد أصبح مبنيًّا على الفتح إرضاءً للماضي، ومبنيًّا على السكون إرضاءً للأمر.
عاد الفعل المضارع إلى عالمه الأم، وأرضه الأصل، فرحَّب به الجميع، وقاموا بتهنئته على سلامة العودة، فعلتْ سماءَ البناء الفرحةُ والسرور.
منقول للفائدة