عرض مشاركة واحدة
قديم 10-03-2022, 11:26 AM
المشاركة 3
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي
..
..
مقدمة المؤلف
..
..


بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعدَ حمدِ الله على آلائِهِ، والصلاة والسلام على محمد وآلهِ، فإن من
أحبَّ اللهَ تعالى أحب رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم، ومن أحبَّ
الرسول العربي أحبَّ العرب، ومن أحبَّ العرب أحبَّ العربية التي بها
نزلَ أفضلُ الكُتُبِ على أفْضَل العَجَم والعرب، ومَنْ أحبَّ العربية عُنيَ
بها، وثابَرَ عليها، وصرَفَ هِمَّتَهُ إليها، ومَنْ هداهُ الله للإسلام، وشرحَ صدرَهُ
للإيمان وآتاه حُسنَ سريرةٍ فيه، اعتقد أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم
خيرُ الرسل، والإسلامَ خيرُ الملل، والعرب خيرُ الأممِ، والعربية خير اللغاتِ
والألسِنَةِ، والإقبالَ على تفهُّمِهَا من الديانة، إذْ هيَ أداةُ العلم، ومِفْتَاح
التَّفقُهِ في الدين وسبَبُ إصْلاحِ المعاش والمعادِ، ثم هي لإحرازِ الفضائلِ،
والاحتواءِ على المروءة وسائر أنواع المناقب، كالينبوع للماء والزَّندِ للنار،
ولو لم يكنْ في الإحاطةِ بخصائِصها، والوقوفِ على مجارِيها ومصارفِها،
والتَّبحُّرِ في جلائها ودقائقها، إلا قوةُ اليقين في معرفةِ إعجازِ القرآنِ، وزيادةِ
البَصِيرَة في إثبات النُّبوَّةِ، الذي هو عُمْدة الإيمانِ، لكفى بهما فَضلًا يَحْسُنُ
أثره، ويطيبُ في الدارين ثمرُهُ، فكيف وأيسرُ ما خصَّها الله عزَّ وجلَّ من
ضُروب الممادح يُكِلُّ أقلام الكَتَبَة، ويُتْعِبُ أنامِلَ الحَسَبَةِ، ولِما شرَّفَها الله
عزَّ اسمُه وعظَّمها، ورفع خَطَرَها وكرَّمها، وأوحى بها إلى خير خَلْقِهِ، وجَعَلَها
لسانَ أمِينهِ على وَحْيِه، وأسلوبَ خُلَفَائه في أرْضِهِ، وأراد بقاءها ودوامَها
حتَّى تكونَ في هذه العاجِلَةِ لخير عبادِهِ، وفي تلك الآجلَةِ لساكني جنانه
ودار ثوابه، قيَّضَ لها حَفَظَةً وخَزَنَةً من خواصِّ الناسِ وأعيانِ الفَضْلِ
وأنْجُمِ الأرض، فَنَسُوا في خِدمتِها الشهواتِ وجابوا الفلواتِ، ونادَمُوا
لاقتنائها الدفاتِرَ، وسامرُوا القَمَاطِر والمحابرَ*، وكَدُّوا في حَصْرِ لغاتِها
طباعَهُم، وأسْهَرُوا في تقييْدِ شواردِها أجفانَهم، وأجَالُوا في نَظْمِ قلائدِها
أفكارَهُم، وأنفقُوا على تخليدِ كتبها أعمارَهم، فعظُمَتِ الفائِدةُ، وعمَّت
المصْلَحَة وتوافَرَتِ العائدةُ، وكلّما بدأَتْ معارفُها تَتَنكَّر، أو كادت معالمُها
تتستَّرُ أو عَرَض لها ما يُشْبِهُ الفَتْرَة ردَّ اللهُ تعالى عليها الكَرَّةَ فأهبَّ
رِيحها ونفق** سُوقَها بِفردٍ من أفراد الدَّهرِ أديبٍ ذي صَدْرٍ رحيبٍ،
وعزيمةٍ راتبةٍ ودِرايةٍ صائبةٍ، ونَفْسٍ ساميةٍ، وهِمَّةٍ عاليةٍ، يحبُّ الأدَبَ
ويتعصَّب للعربيةِ، فيجمعُ شَمْلَهَا، ويُكرم أهْلَها، ويحرِّكُ الخواطِرَ
الساكِنَةَ لإعادة رَوْنَقِهَا، ويَسْتَثِيرُ المحاسِنَ الكامِنَةَ في صُدُورِ المتحلِّين
بها، ويَسْتَدعي التألِيفَاتِ البارعة في تجديدِ ما عَفَا مِنْ رُسُومِ طَرائِفِها
ولطائِفِها، مِثْلُ الأمير السيِّدِ الأوحدِ، أبي الفَضْل عُبيدِ اللهِ بن أحمد
الميكَالي***، أَدَامَ اللهُ تعالى بَهْجَتَهُ، وحرسَ مهجتَه، وأَينَ لا أين مثله،
وأصلُهُ أصلُهُ، وفضلُهُ فضلُهُ

هيهاتَ لا يأتي الزّمانُ بِمثلِهِ
إنَّ الزّمانَ بِمِثلِهِ لَبَخيلُ



*القماطر: أوعيةٌ من جلدٍ لحفظ الكُتُبِ، والمحابر جمع محبرة، وهي دواةُ المِدادِ.
**نفق: يقال: نفقت السوق راجت وكثرَ ربحُها.
***جميع تراجم الأعلام سنوردها مُلْحَقَةً في فهرس ترتيب المعجم.


>>>>>