عرض مشاركة واحدة
قديم 02-14-2023, 12:59 PM
المشاركة 643
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: فقه اللغة وسرُّ العربية / الثعالبي

الفصلُ التاسعُ والثلاثونَ



مُجْمَلٌ فِي الحَذْفِ والاخْتِصَارِ



مِنْ سُنَنِ العَرَبِ أنْ تُحْذَفَ الأَلِفُ مِنْ (مَا) إذا استَفْهَمَتَ
بها فَتَقُولُ: بِمَ؟ ولِمَ؟ ومِمَّ؟ وعَلَامَ؟ وفِيمَ؟ قالَ تَعَالَى {فِيمَ
أنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا}* وكَمَا قَالَ عَزَّ وجَلَّ {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ
النَّبأِ العَظيم} أي عن ما، فأدْغَمَ النُّونَ في المِيمِ. ومِنَ الحَذْفِ
للاخْتِصَارِ قَولُ اللّهِ تَعَالَى {يعلم السِّرَّ وأخْفَى}***، أي السِّرَّ
وأخْفَى مِنْهُ فَحُذِفَ. وقولُهُ {وما أمْرُنَا إلَّا وَاحِدَةٌ}+، أي أمْرَةٌ
وَاْحِدةٌ أو مَرَّةٌ وَاحدةٌ. ومِنَ الحَذفِ قولهم: لم أُبَلْ ولم أُبَالِ.
وقولهم: لم أكُ ولم أكُنْ. وفي كتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ {ولَمْ تَكُ شَيئا}++.
ومن ذلك ما تَقَدَّمَ ذكرُهُ منْ قولِهِ جَلَّ جلالُهُ {كلَّا إذَا بلَغَتِ
التَّرَاقِي}+++، وقوله {حتَّى تَوَارَتْ بالحِجَابِ}-، وقولُهُ {كُلُّ مَنْ
عَلَيهَا فَانٍ}-- فحَذَفَ النَّفْسَ والشَّمسَ والأرضَ إيجازًا واقْتِصارًا.
ومِنْ ذَلكَ حَذفُ حرْفِ النِّدَاءِ كقولِهِمْ: زَيْدُ تَعالَ. وعَمْرُو
اذْهَبْ، أي يا زيدُ ويا عمرُو. وفي القُرْآنِ {يُوسفُ أعْرِضْ عَنْ
هَذَا}--- أي يا يُوسُفُ. ومن ذَلكَ حَذفُ أَوَاخِرِ الأسماءِ المُفْرَدَةِ
المُعَرَّفَةِ في النِّدَاءِ دُونَ غَيرِهِ كقولِهِمْ: يا حارُ يا مالُ ويا صاحُ،
أي يا حارِثُ ويا مالِكُ ويا صاحِبِي، ويُقَالُ لهذَا الحَذفِ: التَّرْخِيمُ
وفي بَعْضِ القراءاتِ الشَّاذَّةِ: {ونادوا يا مالُ}=. وقالَ امْرُؤُ
القَيْسِ (أَفَاطِمُ مَهْلًا بَعْضَ هذا التَّدَلُّلِ) وقال عمرُو بْنُ العَاصِ:

مُعَاوِيُ لَا أعْطِيكَ دِينِي ولمْ أنَلْ
بِهِ مِنكَ دُنْيَا فَانْظُرَنْ كيفَ تَصنَعُ


ومن ذلِكَ قولُهم: باللّهِ، أي أحلِفُ بِاللهِ، فَحَذَفُوا (أَحْلِفُ)
لِلعلمِ بِهِ والاسْتِغْنَاءِ عَنْ ذِكرِهِ، وقولُهُمْ: باسْمِ الله، أي أبتَدِئُ
باسم الله. ومِنْ ذَلكَ حَذفُ الألِفِ منهُ لكَثْرَةِ الاسْتِعْمَال، ومِنْ
ذَلكَ ما تَقدَّمَ ذِكرُهُ في حِفْظِ التَّوَازُنِ كقوله عَزَّ ذِكرُهُ {واللَّيْلُ
إذَا يَسْرِ} و{الكبيرُ المُتَعَالِ} و{يومَ التَّلَاقِ}==.
ومِنْ ذلكَ حذْفُ التَّنْوينِ مِنْ قَولكَ: محمدُ بنُ جَعفر، وزيد بنُ
عمرو. وحذف نُونِ التَّثنيةِ عندَ النَّفيِ كقولِكَ: لا غُلاميْ لك،
ولا يَدَيْ لزيدٍ، وقميصٌ لا كمَّيْ لَهُ. ومن ذلكَ حَذفُ نونِ الجَمْعِ
عند الإضافةِ في قوْلِكَ: هؤُلاءِ سَاكِنْو مَكَّةَ ومُسْلِمُو القَومِ. ومِنَ
الحَذْفِ قولُهُمْ: واللّهِ أفْعَلُ ذلِك، يريدون واللهِ لا أفعلُ ذلك،
ومِنَ الحذفِ قولُهُ عزَّ وجَلَّ {ولا تَقُولُوا ثَلَاثَةً انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ}===
فنصَبَ خيرًا بالإضمارِ، أي: يكنِ الانْتِهاء خيرًا لكم فَنَصبَ خيرًا
وحذَفَ واختصَرَ، ومِن الحذف قولُهُ عزّ ذكرُهُ {وكذلكَ مَكَّنَّا
لِيوسُفَ في الأرْضِ ولِنُعَلِّمَهُ من تأويلِ الأحَادِيثِ}& وتقديرُهُ:
ولِنُعَلِّمَهُ فَعَلْنَا ذَلكَ. وكذلكَ قولُهُ {وحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ
مارِدٍ}. أيْ وحِفظًا فَعَلْنَا ذَلكَ. ومن الحَذْفِ قولهم: صَلَّيْتُ
الظُّهْرَ، أي صَلَاةَ الظُّهْرِ، وكذلك سائرُ الصَّلَواتِ الأرْبِعِ.


*"43" من سورة النمل.
**"1" من سورة النبأ.
***"7" من سورة طه.
+"50" من سورة القمر.
++"9" من سورة مريم.
+++"26" من سورة القيامة.
-"32" من سورة ص.
--"26" من سورة الرحمن.
---"29" من سورة يوسف.
="77" من سورة الزخرف.
==تقدم بيانها في باب رقم (25).
==="171" من سورة النساء.
&"21" من سورة يوسف.
&&"7" من سورة الصافات.