عرض مشاركة واحدة
قديم 01-04-2021, 06:59 AM
المشاركة 3387
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: مَجْمعُ الأمثال

.... العَاشِيَةُ تُهَيِّجُ الآبِيَةَ ....


يقال : عَشَوْتُ في معنى تَعَشَّيْتُ ، وغَدَوْتُ في معنى
تَغَدَّيْتُ ، ورجل عَشْيَان أي مُتَعَشٍّ ، وقال ابن
السِّكِّيت : عَشِيَ الرجلُ وعَشِيَتِ الإبلُ تَعْشَى عَشًى
إذا تعشَّتْ ، قال أبو النجم :

* تَعْشَى إذَا أَظْلَمَ عَنْ عَشَائه *


يقول : يتعشّى وقت الظلمة ، قال المفضل : خرج
السُّلَيْكُ بن السلَكَةِ واسمه الحارث بن عمرو بن زيد
مناة بن تميم ، وكان أنكَرَ العرب وأشعرهم ، وكانت
أمه أمةً سوداء ، وكان يدعى " سُلَيْكَ المَقَانِبِ "
وكان أدلَّ الناس بالأرض وأعْدَاهم على رِجْلِهِ لا تَعْلَقُ
به الخيل ، وكان يقول : اللهم إنك تهيئ ما شئت لما
شئت إذا شئت ، إني لو كنت ضعيفًا لكنت عبدًا ،
ولو كنت امرأةً لكنت أَمةً ، اللهم إني أَعوذُ بك من
الخَيْبة ، فأما الهيبة فلا هيبة ، أي لا أهاب أحدًا .
زعموا أنه خرج يريد أن يُغير في ناسٍ من أصحابه ، فمرّ
على بني شيبان في ربيع ، والناس مُخْصِبون في عشية
فيها ضَبَاب ومطر ، فإذا هو ببيت قد انفرد من البيوت
عظيم ، وقد أمسى ، فقال لأصحابه : كونوا بمكان كذا
وكذا حتى آتي هذا البيت فلعلي أصيب خيرًا أو آتيكم
بطعام ، فقالوا له : افعل ، فانطلق إليه ، وجَنَّ عليه
الليلُ ، فإذا البيت بيت يزيد بن رُوَيْمٍ الشيباني ، وإذا
الشيخُ وامرأته بفِنَاء البيت ، فاحتال سليك حتى دخل
البيت من مؤخَّرِه ، فلم يلبث أن أراح ابنُ الشيخ بإبله
في الليل ، فلما رآه الشيخ غَضِبَ وقال : هلا كنت
عَشَّيْتَهَا ساعةً من الليل ، فقال ابنه : إنها : أَبَتِ العشاء ،
فقال يزيد : إنّ العَاشِيَةُ تُهَيِّجُ الآبِيَةَ ، فأرسلها مثلًا ، ثم
نفض الشيخُ ثوبه في وَجْهها ، فرجعت إلى مَرَاتِعِهَا وتبعها
الشيخ حتى مالت لأدنى روضة فرتعت فيها ، وقعد الشيخ
عندها يتعشَّى ، وقد خنس وجهه في ثوبه من البرد ، وتبعه
السُّليك حين رآه انطلق ، فلما رآه مغترًا ضربه من ورائه
بالسيف فأطار رأسه وأطرد إبله ، وقد بقي أصحابُ
السليك ، وقد ساء ظنهم وخافوا عليه ، فإذا به يطرد
الإبل ، فقال سُلَيك في ذلك :

وعَاشِيَةٍ رُجٍّ بِطَانٍ ذَعَرْتُهَا
بصَوتٍ قَتِيلٍ وسْطَهَا يُتَسَيَّفُ

أي يضرب بالسيف

كأنّ عَلَيهِ لَوْنَ بُرْدٍ مُحَبَّرٍ
إذَا مَا أَتَاهُ صَارِخٌ متلهِّفُ


يريد بقوله " لون برد محبر " طرائق الدم على
القتيل ، وبالصارخ الباكي المتحزن له

فَبَاتَ لَها أَهْلٌ خَلَاء فِنَاؤُهُمْ
ومَرَّتْ بهمْ طَيْرٌ فَلَمْ يَتَعَيَّفُوا


أي لم يزجروا الطير فيعلموا من جملته أيقتل
هذا أو يسلم

وبَاتُوا يَظُنُّونَ الظُّنُونَ وَصُحْبَتِي
إذَا مَا عَلَوْا نَشْزًا أَهَلُّوا وَأَوْجَفُوا


أي حَمَلُوها على الوَجيف ، وهو ضرب من السير

وَمَا نِلْتُها حَتَّى تَصَعْلَكْتُ حِقْبَةً
وكِدْتُ لأَسْبَابِ المَنِيَّةِ أَعْرِفُ


أي أصبر

وحَتَّى رَأيتُ الجُوعَ بِالصَّيْفِ ضَرَّنِي
إذَا قُمْتُ يَغْشَاني ظِلَالٌ فَأسدِفُ


خصّ الصيف دون الشتاء لأن بالصيف لا يكاد يجوع
أحد لكثرة اللبن ، فإذا جاع هو دلّ على أنه كان لا
يملك شيئًا ، وقوله " أسدف " يريد أدور فأدخل في
السُّدْفَة ، وهي الظلمة ، يعني يظلم بصري من شدة
الجوع .
يقال : إنه كان افتقر حتى لم يبق عنده شيء ، فخرج على
رجليه رجاء أن يصيب غِرَّةً من بعض مَنْ يمرُّ عليه فيذهب
بإبله ، حتى إذا أمسى في ليلةٍ من ليالي الشتاء باردة
مقمرة اشتمل الصَّمَّاء - وهو أن يَرُدَّ فَضْلَ ثوبِهِ على عَضُدِه
اليمنى ثم ينام عليها - فبينا هو نائم إذ جَثَم عليه رجل فقال
له : اسْتَأْسِرْ ، فرفع سليك رأسه وقال : الليلُ طويلٌ
وأنت مقمر ، فذهب قوله مثلًا ، ثم جَعَلَ الرجُلُ يلهزه
ويقول : يا خبيث استأسر ، فلما آذاه أخرج سليك يدَهُ
فضمَّ الرجلَ ضَمةً ضرِط منها ، فقال: أَضَرِطًا وأنتَ الأعلى ؟
فذهبت مثلًا ، وقد ذكرته في باب الضاد ، ثم قال له
سليك : مَنْ أنتَ ؟ فقال : أنا رجل افتقرت فقلت
لأخْرُجَنَّ فلا أرجع حتى أستغني ، قال : فانطلق معي ،
فانطلقا حتى وجدا رجلًا قصتُه مثل قصتهما ، فاصطحبوا
جميعًا ، حتى أتوا الجوف ، جوف مراد الذي باليمن ، إذا
نَعَمٌ قد ملأ كل شيء من كثرته ، فهابوا أن يغيروا فيطردوا
بعضها فيلحقهم الحي ، فقال لهما سليك : كُونَا قريبًا حتى
آتي الرِّعَاء فأعلم لكما علم الحي ، أقريب هم أم بعيد ، فإن
كانوا قريبًا رجعتُ إليكما ، وإن كانوا بعيدًا قلت لكما قولًا
أَلْحَنُ به لكما فأغِيرَا ، فانطلق حتى أتى الرِّعَاء فلم يزل
يتسقّطهم حتى أخبروه بمكان الحي ، فإذا هم بعيد إن
طلبوا لم يدركوا ، فقال السليك : ألا أغنيكم ؟ قالوا :
بلى ، فتغنى بأعلى صوته :

يا صَاحِبَيَّ ألا لَا حَيَّ بِالوَادِي
إلّا عَبِيدٌ وَآمٍ بَيْنَ أَذْوَادِ

أَتنظرانِ قليلًا رَيْثَ غَفْلَتِهِمْ
أمْ تَغْدُوَانِ فَإنَّ الرِّبْحَ لِلغَادِي



فلما سمعا بذلك أَتَيَاه فأطردوا الإبل ، فذهبوا بها ، ولم
يبلغ الصريخُ الحيَّ حتى مَضَوْا بما معهم .