عرض مشاركة واحدة
قديم 06-23-2016, 05:13 AM
المشاركة 49
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عبد الكبير ثاني أصدقائي ، فتى من أولاد برحيل ، إنسان ، يحزّ في نفسي أن رفقتي من أسباب تقاعسه عن المثابرة ، أظنه يملك القدرة على النّجاح ، على كلّ حال ، لكي تكون قادرا على المتابعة ، يجب أن يكون ظهرك مسنودا ، عبدالكبير مكشوف الظّهر تماما ، ما أن يفقد منحة القسم الدّاخلي حتى يكون الشارع مأواه ، إنه إنسان بدرجة إنسان ، هادئ جدّا قليل الكلام ، قليل الضحك ، ليس صاخبا مثلي ، إن ضحكت قهقه المكان ، وإن غضبت شدّت الجدران رؤوسها ، عبد الكبير يحدّثني غاضبا :" يجب أن تحضر امتحانات آخر السنة " يشاركني الغياب بعض السّاعات فقط ، لكن أنا أصبحت مدمنا أكثر من اللازم ، أعرف أنّني لن أنجح ، أعرف أنّني ما درست شيئا هذا العام ، أعرف الكثير من الأشياء ، لكن هو مصرّ على أن أذهب للامتحان ، مجرد مشاركة ، أحسست لكأنه ينقل لي رسالة قبل أن نفترق ، شعرت به كما لو يهمس لي ، إنك على الطريق الخاطئ ، عبدالكبير ذهب منذ تلك الفترة ، عبد المومن هو أيضا ذهب العام الماضي لكنه مخلص في مراسلتي من الرباط .
دادسي ، فتى مقبول جدّا ، أظنه الأذكى في كل هؤلاء الذين أتوا من أولاد برحيل ، كنت أجلس معه لفترة عندما كنت مواظبا ، أعرف قدرته على التركيز ، كما قلت لكم ، يصعب أن أعترف بالذكاء لأحد ما لم أحس فعلا أنه ذكي ، أغلبهم ملتزمون ، و أغلب أبناء تالوين أيضا ملتزمون ، هذا ما يجعلهم أقوياء ، فهل الحياة تريد ذكاء أم التزاما ؟ لا أعتقد أن الذكاء هو محور الحياة ، فالذي كنت أدرس معه في تغزوت و كان يحتل المرتبة الثّانية عند المعلمة ، لو استطاع الاتزام والبقاء معنا ، ما شمّ واحد من كل هؤلاء الرتبة الأولى ، قدرات غير عادية إطلاقا ، العديد من أمثاله ، لا يستطيعون الالتزام ، يحسون الملل سريعا ، يستشعرون الضجر . الحياة المجتمعية التزام ، لكنها مجرد حياة رتيبة ، مجرد انصهار مع الطقوس ، التآلف والمجتمع ، الانخراط في تلك المعمعة ، أخذ مكانة و التمسك بتقاليدها ، دادسي أنت ذكي يا رجل . لؤلؤة لم أحدّثها بما في داخلي ،لأسباب كثيرة ، أولها أنّني لا أستطيع الالتزام بتبعات حبها طوال الوقت ، و أيضا أحسست ضعفا أمامها .
أخت العاقل أنقذت ماء وجه تالوين ، أمام أباطرة أولاد برحيل ، مهما حفظوا ، ومهما استعانوا بكل ما أوتوا من دهاء و تعاون ، فهم لا يستطيعون الالتحاق بها ، الفتاة الذكية هي أيضا لا ترضى إلا بمعدلات عالية . أستاذ الرياضيات سقطت في فخ خطته ، فلا أظنه يريد غير ما فعلت بنفسي .

جدّي يسألني : "هل من جديد عن أخبارعمّك ، لقد طال غيابه ، هات المسّجلة و البطاريات يابني ، أعطاني الشريط ، وضعته في مخدعه كما كل مرّة ، و صوت عمّي لكأنه جالس معنا ، يقرئنا السّلام واحدا واحدا ، يتحدث عن سويسرا ، إنه يقدّم ربورطاجا حيّا عن البلاد التي تستضيفه ، لكأنه يغرينا بالسفر إليها ، لاشك أنت مستمتع جدّا ، تعقّب جدّتي مغمغمة ، يتصدى لها جدّي :" اصمتي يا رقية ، يا لطيف ، لا يهنأ لك بال حتّى تثيري أعصابي "جدّي يعيش مع الشريط ثانية ثانية كما لو أنه يسمعه أول مرة ، يجلس القرصاء مقربا منه المسجلة ، لعله يحمي ولده من مكروه ، لم أر حبّا خارقا كهذا ، أبي يريدني أن أكتب لعمّي في محاولة لوضعه في الصّورة ، أبي يخاف أن يعجب عمّي بالشقراوات فينسى أصله و فصله ، أبي ينتظر العملة الصّعبة تهبط كالمطر ، جدّي يوصيني ، إياك أن تزعجه في رسالة يابنيّ ، قل له إنّنا بألف خير ، لا ينقصنا شيء أبدا ، قل له أننا راضون عليه :"آه... يا بني" يكاد الدّمع يغالبه ، جدّتي تريد التدخّل ، " ألم أقل لك يا رقية كفى ، لا تزعجوا الولد ، أتركوه يعيش بسلام ، أليس لكم شغل إلاّ أن تثقلوا عليه . "
أكتب الرسالة ملمّحا إلى ما يقضّ مضجع أبي ، أضيف إليها رغبة جدّي ، أقرأها على أبي فلا يستحسنها ، وأقرأها على جدّي فلا تعجبه ، فأضل بينهما أعدّل ، وفي الأخير أكتب ما أجده وسطا.