عرض مشاركة واحدة
قديم 12-30-2014, 11:35 PM
المشاركة 6
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
أهلا بالأستاذ عمرو مصطفى

شكرا للتوضيح ، إذا فهمت المدجن جيدا ، فهو ذلك الشخص الذي اغترف نصيبا من الثقافة الغربية ، وأثرت على فكره و ربما سلوكه و يبتغي اسقاطا من نوع ما لهذه الثقافة على مجتمعه .

إذا كانت العلوم المادية لا غبار عليها كالطب والهندسة وغيرها لا تشكل إشكالا من هذه الناحية ، فيبقى الإشكال ربما خاصا بالعلوم ذات الطابع الفلسفي ، او التي تنطلق من نظريات تبدو غريبة بعض الشيء عن بيئتنا . وأعطي عناوين كنظرية النسبية أو نظرية التطور ، أو نظرية التحليل النفسي ، و بعض القيم كالعلمانية و الديمقراطية و حقوق الإنسان و المجتمع المدني ، و فصل السلط ، والقوانين الوضعية .

و إذا فهمت كيفية التعاطي مع المدجنين ، هو أن يعطي العالم الفقيه رأيه "الفتوى" في شخص مدجن ، و يفضح أمره بين الناس ، و للسطة القضائية أو السياسية الحق في معاقبته بعد أن تعطى له فرصة التوبة . و يقرن ذلك بمناظرات بين علماء الأمة يظهرون فيها نواقص الثقافة الغربية و مقارعة هؤلاء الخصوم " الغربيون " بالحجة والدليل على فساد منهجهم .

الآن يمكن أطرح رأيي في الموضوع .

ربما لا يخفى حالنا على أحد أننا أمة متخلفة عن الركب العالمي ، و التخلف ليس مسالة جزئية على ما أعتقد ، فتخلفنا مركّب جدا ، أقصد أننا لسنا متخلفين في مجال محدد كالطب والهندسة ، فنعطيه أولوية لاستدراك تأخرنا ، فالمجتمع كله مكبل ، تسوده البدائية ، انطلاقا من علاقة الأسرة بالطفل الرضيع إلى أن يودع في قبره ، فلو تأملنا أساليب التربية فهي لا تزال تقليدية صرفة ، والتقليدية هنا ليست مرتبطة بالوسائل فحسب ، بل العقلية ، والعقلية نتاج ثقافة ، فنحن لانزال نؤمن أن التربية هي إعادة إنتاج ، لذواتنا أي لثقافتنا ، فنمارس التربية عموديا على الأبناء ، أي اننا لا نؤمن بأن الطفل يستطيع أن يكون فاعلا و له كيان يبني شخصيته ، بل نريد منه نسخة معينة جاهزة ، تتمثل في ذاتنا ، فالأب يرى الطفل كامتداد له يريده نسخة منه ، وهذا طبعا ناتج عن إيمان مطلق أنه الصواب بعينه .
كل تخلفنا ناتج عن هذه الأنانية المفرطة و هذه النظرة التأديبية للآخر المخالف ، فالتربية في قاموسنا هي تأديب " عقاب" و ترويض بمعنى التدجين .

التخلف هو ثقافة ، أي ثقافة متخلفة ، هو إيمان بسمو النفس والذات و الخوف من التجديد والتغيير ، فلو كان أسلافنا عملوا على تجديد ثقافتهم ، لما بقينا في هذا الدرك الأسفل و هذه الحفرة العميقة . إلى اليوم ما زلت أتساءل ما المانع من الانفتاح على جميع الثقافات ، و ما العيب في الاغتراف من المنتوج الإنساني عامة . وما الذي يحتم علينا التقوقع على النفس هكذا ، واعتبار كل شيء مخالف هو بالضرورة عدو يفترسنا .

لا أومن بوجود تدجين بهذا المعنى ، ولا أومن بوجود استلاب بهذا المعنى ، هناك فعل واع يمارسه كل شخص ، هناك عملاء لهم أجنداتهم ، وجب وضعها في الاعتبار ، و هناك علماء مفكرون في مجالات اختصاص ثقافية ، معرفية و سياسية ، يبحثون عن العلاج لأمراضنا ، هناك متطفلون ، هناك علماء فقه مجتهدون ، هناك علماء فقه لهم أجنداتهم .

إذن ما السبيل إلى الوصول ، إنه التعايش أولا و أخيرا ، إعطاء الفرصة للإنسان أن يعبر عن رأيه ومن ثم الاجتهاد في البحث عن الخلل ، و ليس أن تفحمه و تسكته فقط لأنه قال ما لا يروقك .

لا يمكن أن نتقدم و نحن نظر للأمور بهذا المنظار ، ليس الغرب كابوسا بعينه في ثقافته ، بل في بعض سياساته ، و أقصد بالضبط السياسة الامبريالية ، التي تريد وضع العالم تحت وطأتها ، لاشك أن الغرب يتهافث على أدمغتنا بشكل مريب ، و لم ير فيهم يوما تهديدا لثقافته ، وهجرة الأدمغة نحو الغرب مستفحلة جدا ، و عندما يرجع واحد من أبناء أوطاننا خبر من الحياة ما لم نختبره ، عاش ثقافتنا وعاش ثقافتهم ، وربما حاول التوفيق بين الثقافتين ، نرميه نحن بالمروق . قد يخطئ نعم لكن أبدا لا يستحق التحقير مادام يحاول البحث عن السبيل نحو التقدم .

وشكرا