عرض مشاركة واحدة
قديم 05-21-2016, 05:57 PM
المشاركة 8
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
من أنا ؟ طفل برشّة قبول ، نحيف ، ذو بشرة بيضاء ، طباع هادئة ، راشد منذ الصغر ، إلى المسجد كنت أرسل لتعلّم القراءة و القرآن . في قريتنا ثلاثة مساجد ، في أحدها يقبع فقيه شرس ، يسلخ الأطفال سلخا بل حتى المراهقين منهم ، يستعمل عصيّا مختلفة الأنواع من طويلة إلى قصيرة ، من غليظة إلى رقيقة ، صبحا نتوجه إلى المسجد قبل بزوغ النور ، يجب أن تحفظ وتستظهر ثم تغسل لوحك بالماء و الصّلصال وتعرّضه لأولى خيوط الشمس ثم تكتب قبل العودة إلى المنزل لنتناول طعام الفطور ، نجلس على الأرض القاحلة بأقدامنا الحافية ، من يستطيع التفكير في البرد و سي إبراهيم موجود . أذكر أن أبي قال لي ذات يوم أن أصطحب معي هيضورة " سجاد من جلد و فرو خروف " لاستعماله كبساط يقيني شر البرد ، لكن هيهات هيهات أن أفعل و سي إبراهيم في البال ، تقول أمي ، كنت تصيح في نومك و تردد : " لا ....لا ... لن آخذ الهيضورة ، لن أصطحبها معي أبدا "
كلما خفتت همهمة قراءة الطلبة تبوأت عصبية سي إبراهيم قمّتها ، فيهوي بهراوته ذات اليمين والشمال ، لا يهم إن انتفخت الرؤوس أو ازرورقت الوجوه ، كلما يهم أن يعلو الهتاف و إلا علا العويل و الصراخ.
حظيت يوما منه بضربة على مستوى ساقي فانتفخت رجلي و بتّ أعرج عند عودتي إلى المنزل ، منذ ذلك اليوم ودّعت سي إبراهيم وبيداغوجيته ، وقد وجّهني أبي إلى مسجد آخر .
سي محمد قصير القامة هادئ الطباع ، لا يكاد يلوح بعصاه ، يجمع الأطفال بين الحفظ و اللعب و كثيرا ما نلجأ إلى تعليق ألواحنا دون استظهارها ، يوم الأربعاء نأتيه بالأربعائية ، قد تكون بيضة أو قطعة نقدية ، هدية نهاية الأسبوع ، أيضا نحمل معنا كؤوسنا مع حفنة حبات شاي و قطع سكر ، نشرب الشاي ، نلهو، نشاغب و يذهب كل إلى حال سبيله فالخميس يوم عطلة و كذلك الجمعة .
أذكر أنّي رافقت أبي إلى السوق الأسبوعي ذات خميس ، بينما كنا نسير جنبا إلى جنب أوقفه رجل وتبادلا أطراف الحديث ، شدّني المكان و بدأت عيناي تفترسان بنهم ما تقعان عليه ، حين رجعت ببصري إلى جهة أبي وجدت نفسي وحيدا ، ذهبت يمنة و يسرة و ارتجت بي الأرض ، لحسن حظي أن أبي لم يبتعد كثيرا حين أحس بتخلفي عنه .