عرض مشاركة واحدة
قديم 10-30-2019, 07:56 AM
المشاركة 74
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: هـــــــي الـدنيـــــــــــا !!
فمثل هؤلاء البشر الذين يعيشون في غفلة تامة لا يدركون حقيقة هذه الحياة، ولا ماهيتها حق الإدراك, ولا يخطر على بالهم بأن هذه الحياة قصيرة جداً لدرجة إنها تمر كلمح البصر. ويمكن أن ندرك هذه الحقيقة إن أجلنا طرفنا فيما حوالينا. ومن المفارقات الغريبة أننا كثيرا ما نسمع من الذين يتندرون بإطلاق بعض الأمثال الشعبية المعروفة والتي تشير إلى تفاهة هذه الحياة وزوالها منها:

(دنيا فانية ). . . أو ( آه من هذه الدنيا الزائلة ). . . . أو (ماحدش واخد منها حاجة) !!. . . . إلخ

ولكن عندما نمعن النظر في هذه العبارات نرى أنها ليست في الحقيقة سوى عبارات وشعارات جوفاء لا تعكس وجهة نظرهم الحقيقية. لأن مثل هذه العبارات ما هي إلا عبارات شعبية مأثورة يتداولها الناس فيما بينهم دون فهم صحيح لمدلولاتها ولا لمعانيها الحقيقية. والغريب أنه بعد طرح عبارات مثل: "دنيا فإنية" أو "كم مرة يعيش الإنسان؟". . . . نرى تكملة لهذه العبارات إجابات تنم عن منطق ضحل مثل: "لذا علينا أن نعيش هذه الحياة بشكل مكثف ولا نهدر هذه الفرصة".

ولكن كون هذه الحياة قصيرة وفانية والموت هو نهايتها الحتمية، والإنسان يأتي إليها لمرة واحدة فقط. كان من المفروض أن يعد هذا الأمر من أهم الحقائق بالنسبة إلى الإنسان. قد لا ينتبه معظم الناس إلى هذه الحقيقة إلا بعد أن يصلوا إلى عمر متقدم. ولكن ما أن ينتبهوا إليها عليهم أن يراجعوا أنفسهم ويعيدوا النظر في طراز حياتهم فينظمونها من جديد وحسب مرضاة الله وما يريده منهم. إن الحياة قصيرة ولكن الروح يظل بمشيئة الله -خالدا إلى الأبد. وماذا تعني حياة قصيرة أمدها بين ستين إلى سبعين عاما بجانب الحياة الأبدية التي ليست لها حدود؟!!.

أليست من الحماقة أن يضحي الإنسان بكل شيء من أجل متعة قصيرة وفانية؟.

ولكننا نرى أن المنكرين يسعون طوال حياتهم من أجل غايات فارغة وتافهة ويستنفدونها في سبيل هذه الأهداف الفارغة ناسين الله تعالى. وعلى الرغم من كل هذا فإنهم لا ينجحون– في الغالب- في تحقيق هذه الغايات الفارغة رغم كل هذا الجري واللهاث لأن نفوسهم لا تشبع بل هي جائعة على الدوام. لأنهم وببساطة يطلبون المزيد ثم المزيد ولا يكتفون ولا تشبع نفوسهم أبداًَ. فإذا وصلوا إلى غاية ما تراهم يحاولون الوصول إلى غاية أكبر منها. ولأنهم إن حصلوا على وضع أو مرتبة ما يحاولون الوصول إلى مرتبة أعلى، ثم مرتبة أعلى. . . وهكذا يقضون حياتهم في الجري لإشباع رغباتهم التي لاتعرف الشبع حتى يدركهم الموت. إنّ رغباتهم في الحصول على الشهرة والمال والمتعة تظل ناقصة بالمعايير الدنيوية, لأنه ستظهر أمامهم بالتأكيد أشياء أحسن مما موجود لديهم.

فعلى سبيل المثال نرى أحدهم يحلم دوما باقتناء إحدى السيارات ذات الطراز الرياضي الحديث, فنراه بعد محاولات كثيرة وصعبة يحصل على هذه السيارة الغالية ويحقق حلمه هذا الذي طالما سعى لتحقيقه. ولكن ماذا نرى؟ لقد ظهرت وستظهر أنواع أخرى من هذه السيارات التي تحتوي على ميزات أحسن وأفضل وأحدث. أو لنفكر في شخص قد قضى زمنا طويلا في جمع النقود اللازمة لشراء بيت طالما حلم أن يقتنيه ويعيش فيه. ولكننا نراه بعد تحقيقه لحلمه واقتنائه ذلك البيت بعد كل هذا التعب والعناء- يصادف بيتا آخر أجمل بكثير من بيته, فنراه وقد تملكه الإحباط والحزن، وبدأ بيته يفقد في نظره جاذبيته السابقة. بالإضافة إلى الألم الذي ينتاب الذين يرون ما يعتري ممتلكاتهم من اندثار بسبب القدم وما تجريه السنوات عليها من آثار سلبية.
يتبع