الموضوع: المظروف الأحمر
عرض مشاركة واحدة
قديم 09-13-2021, 03:06 AM
المشاركة 4
محمد أبو الفضل سحبان
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الثالثة الألفية الثانية وسام الإبداع الألفية الأولى المشرف المميز الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 7

  • غير موجود
افتراضي رد: المظروف الأحمر
تحول النسيان عندها إلى داء لا علاج له، لم تفلح المحاولات التي أقدمت عليها للتغلب عليه، تعترف أنها بذلت جهدًا كبيرًا،، ولكن ماذا تفعل؟
ما إن تتذكر واقعة معينة ،إذا بها تفلت من خيوط عقلها بسرعة، وتجتهد لاستعادتها، تنجح في ذلك، وما أن تلتف خيوط عقلها حولها ، إذا بها تفلت ثانية…
تسبب هذا النسيان اللعين في متاعب لا حصر لها، ذات يوم نسيت أنها وافقت لأحد الموظفين على " إجازة" براتب للسفر للخارج، وسارت الإجراءات بعد ذلك، على أن هذا الموظف تغيّب أكثر من المدة المسموح بها، وكاد يُفصل من العمل، لولا أن سكرتيرتها الخاصة ذكرتها بموافقتها هي على منحه " الإجازة" •
عادت إلى منزلها ذات يوم ، جلست مع أسرتها، تناولوا طعام الغداء، عزمت على أن تكتب ،سيطرت عليها الفكرة تمامًا ، جلست إلى المكتب ، أعدت " بلوك نوت" من النوع الفاخر، وضعت أمامها أقلامًا متنوعة، بدأت تكتب وتمزق ما تكتبه ، تعود وتكتب، فرغت في النهاية من كتابة مقالة ، وطبعتها ووضعتها داخل مظروف أحمر أنيق، تمهيدًا لإرسالها إلى إحدى المجلات الثقافية بعد أن أصروا على نشر مقالة لها …
بعد عدة شهور ضاقت ذرعًا من عدم نشر مقالتها رُغم إصرارهم عليها…
ازدادت ضيقًا، جلست وكتبت خطابًا شديد اللهجة إلى المجلة ، وكلفت مندوبتها " منى" بتسليم الخطاب يدويا إلى رئيس التحرير …
بزغت سعادتها من الضيق الذي شعرت به، كانت سعيدة أنها تتذكر المقالة ووقائعها، تفرح لعلها محاولة للتغلب على النسيان…
راجعتها لغويا، راعت أن تكون شاملة لقواعد كتابة المقالة، تعود وتسأل نفسها :
لمَ لم تُنشر إلى الآن ؟
تزداد سعادتها رغم مرور فترة طويلة على عدم نشر المقالة، سعادتها إنها ما زالت تتذكر المقالة، فكرت أن تكتب مقالة أخرى ، لمَ لا ؟
يجب أن تكتب كثيرًا، جلست إلى المكتب ، انتقت بعض الأوراق ، قبل أن تكتب فكرت أن ترتب أوراقها، مزقت أوراقًا كثيرة لا فائدة منها، نظمت أدراج المكتب، بقي الدرج الأخير فتحته بيدها اليمنى، وجدت مجلدا كبيرًا في قاع الدرج، تعجبت ! لم هذا المجلد هنا؟
كان يجب أن يكون في رفوف المكتبة، جذبته بعصبية، وجدت بداخله المظروف الأحمر الأنيق، فضت المظروف، أخذت تصرخ، هرولت إلى أسرتها، ماذا حدث؟ لم ترد عليهم، تحول الصراخ إلى ابتسامة، قهقهت، توقفت عن الضحك، عرفت أنها نسيت إن تبعث المظروف الأحمر إلى المجلة.
جل من لا يسهو ..نعم قد يترتب على النسيان متاعب وعواقب فادحة ..ولكنه قد يكون في بعض الأحيان نعمة ،وينتج عن حالة ارتياح لدى الإنسان الذي يمر بتجربة مؤلمة تترك في نفسه آثارا سلبية ومزعجة، إذ يصفه جان دولاي في كتابه " أمراض الذاكرة" بأنه حارس الذاكرة، فبفضله تتجدد الذكريات مع فقدان كل ما ليس ضروريا.."
"المظروف الأحمر" نص أدبي مشوق يصور الأحداث تصويرا واقعيا، ويمثل مظهرا من مظاهر الانفعال العميق والواعي الذي يجذب انتباه القارئ من خلال لغته السلسة، وتعابيره الجمالية التي حققت وحدة المعنى وصدق الرسالة ..
الأديبة القديرة ياسمين الحمود.
تقديري لقلم فريد كقلمك..
إبداع بلا قيود
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة