عرض مشاركة واحدة
قديم 07-26-2021, 06:36 AM
المشاركة 5196
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي رد: مَجْمعُ الأمثال
2878

.... قَدْ قِيلَ ذَلِكَ إنْ حَقًّا وإنْ كَذِبًا ....

قَالوا‏:‏ إن أولَ مَنْ قَال ذلك النعمانُ بن المنذر اللَّخمِيُّ للربيع
ابن زياد العبسي، وكان له صديقًا ونديمًا، وإن عامرًا مُلاَعِبَ
الأسِنَّةِ وعَوف بن الأحوص وسُهَيْلَ بن مالك ولبيدَ بن رَبيعةَ
وشَمَّاسًا الفَزَاري وقلابة الأسَدِي قَدِمُوا على النعمان، وخَلَّفُوا
لَبِيدًا يرعى إبلهم، وكان أحْدَثَهم سِنًّا، وجعلوا يَغْدُونَ إلى
النعمان ويرحون، فأكرمَهُم وأحْسَنَ نُزُلَهم، غيرَ أن الربيع
كان أعْظَمَ عنده قَدْرًا، فبَينما هم ذاتَ يوم عند النعمان إذ
رجز بهم الربيعُ وعابَهُمْ وذكرهم بأقبح ما قَدَرَ عليه، فلما
سمع القومُ ذلك انصرفوا إلى رِحَالهم، وكل إنسانٍ‏ منهم مُقْبِلٌ
على بَثِّه، ورَوَّحَ لبيد الشَّوْل، فلما رأى أصحابه وما بهم من
الكآبة سألهم‏:‏ ما لكم‏؟‏ فكتَمُوه، فقال لهم‏:‏ والله لا أحفظُ
لكم مَتَاعًا ولا أسْرَحُ لكم إبلًا أو ْتُخْبِرُوني بالذي كنتم فيه،
وإنما كَتَمُوا عنه لأن أم لبيدٍ امرَأة من عَبْس، وكانت يتيمة
في حَجْرِ الرَّبيع، فَقَالوا‏:‏ خَالُكَ قد غَلَبَنَا على الملك وصَدَّ
بوجهه عنا، فَقَال لبيد‏:‏ هل فيكم مَنْ يكفيني وتُدْخِلُونني
على النعمان معكم‏؟‏ فواللاَّتِ والْعُزَّى لأَدَعَنَّهُ لا ينظر إليه
أبدًا، فخلفوا في إبلهم قلابة الأسدي، وقَالوا للبيد‏:‏ أوْ عندك
خير‏؟‏ قَال‏:‏ سَتَرَوْنَ، قَالوا‏:‏ نَبْلُوك في هذه البَقْلة، لبَقْلَةٍ بين
أيديهم دَقِيقَة الأغصان قليلة الأوراقِ لاصقة بالأرض تدعى
التَّرَبَةُ، صِفْهَا لنا واشْتُمْهَا، فقال‏:‏ هذه التَّرِبَةُ التي لا تُذْكِي
نارًا، ولا تؤهل دارًا، ولا تَسُرُّ جارًا، عودُهَا ضئيل، وفَرْعُها
كَليل، وخيرها قَليل، شَرُّ البقولِ مَرْعَى، وأقْصَرها فَرْعا،
فَتَعْسًا لها وجَدْعا، ألقَوْا بي أخا عبس، أرُدّه عنكم بتَعْس،
وأدَعْهُ من أمره في لَبْس، قَالوا‏:‏ نُصْبِحُ فنرى رَأيَنَا، فَقَال لهم
عامر‏:‏ انظروا هذا الغلام، فإن رأيتموه نائما فليس أمره
بشَيء، وإنما يتكلم بما جاء على لسانه، ويَهْذِي بما يَهْجِس
في خاطره، وإن رأيتموه ساهرًا فهو صاحبكم، فرمَقُوه،
فرأوه قد رَكِبَ رَحْلًا حتى أصبح، فخرج القومُ وهو معهم
حتى دخلوا على النعمان وهو يتغدَّى والربيعُ يأكل معه،
فَقَال لبيد‏:‏ أبيتَ اللَّعن‏!‏ أتأذن لي في الكلام‏؟‏ فأذن له، فأنشأ
يقول:

يَا رُبَّ هَيْجَا هِيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَهُ
أكُلَّ يَوْمٍ هامتي مُقَرَّعَهْ

نَحْنُ بَنُو أمِّ البَنِينَ الأرْبَعَةْ
وَنَحْنُ خَيْرُ عامرِ بنِ صَعْصَعهْ

المُطْعِمُونَ الجَفْنَةَ المُدَعْدَعَهْ
وَالضَّارِبُونَ الهَامَ تَحْتَ الخَيضَعَهْ

يَا وَاهبَ الخَيْرِ الكَثِيرِ مِنْ سَعَه
إليكَ جَاوَزْنَا بِلادًا مَسْبَعَهْ

نُخْبِرُ عَنْ هذَا خَبِيرًا فَاسْمَعَهْ
مَهْلًا أبيْتَ اللَّعْنَ لاَ تَأْكُلْ مَعَهْ

إنَّ اسْتَهُ مِنْ بَرَصٍ مُلَمَّعَهْ
وَإنَّهُ يُدْخِلُ فِيهَا إصْبَعَهْ

يُدْخِلُهَا حَتَّى يُوارِي أشْجَعَهْ
كأنَّهُ يَطْلُبُ شَيئًا أْطْمَعَهُ


ويروى ‏"‏ضَيَّعَهْ‏"‏ فلما سمع النعمانُ الشعرَ أفَّفَ، ورفع
يَدَه من الطعام، وقَال للربيع‏:‏ أكذاك أنت‏؟‏ قَال‏:‏ لا،
واللاتِ لقد كَذَبَ ابنُ الفاعلة، قَال النعمان‏:‏ لقد خَبُثَ
عليَّ طعامي، فغضب الربيع وقام وهو يقول:

لئن رَحَلْتُ رِكَابِي إنَّ لي سَعَةً
مَا مِثْلُها سَعَةٌ عَرْضًا وَلا طُولاَ

وَلَوْ جَمَعْتُ بني لَخْمٍ بأسْرِهِمُ
مَا وَازَنُوا رِيشةً مِنْ ريشِ سَمْوِيلَا

فَابْرقَ بأرضكَ يا نعمانُ مُتَّكِئًا
مَعَ النَّطَاسِيِّ طَوْرًا وَابنِ توفيلا


وقَال‏:‏ لا أبْرَحُ أرضَكَ حتى تبعثَ إليَّ مَنْ يفتشني فتعلم
أن الغلام كاذب، فأجابه النعمان:

شَرِّدْ بِرَحْلِكَ عَنِّي حَيثُ شِئت وَلَا
تُكْثِرْ عَلَيَّ وَدَعْ عَنْكَ الأبَاطِيلَا

فَقَدْ رُميتَ بِداءٍ لسْتَ غاسِلَهُ
مَا جَاوَرَ النِّيلَ يَوْمًا أهْلُ إبليلَا

قَدْ قيلَ ذلِكَ إن حَقًّا وإنْ كَذِبًا
فَمَا اعْتِذَارُكَ مِنْ شَيءٍ إذا قيلَا


قوله ‏"‏بنو أم البنين الأربعة‏"‏ هم خمسة‏:‏ مالك بن
جعفر مُلاعِبُ الأسنة، وطُفَيْل بن مالك أبو عامر بن
الطفيل، وربيعة بن مالك، وعُبَيْدة بن مالك، ومُعَاوية
ابن مالك، وهم أشراف بنى عامر، فجعلهم أربعة
لأجل القافية.
و"‏سمويل‏"‏ أحَدُ أجدادِ الربيع، وهو في الأصل اسم طائر.
وأراد بالنطاسي روميا يُقَال له سرحون، ‏"‏وابن توفيل"
روميٌّ آخر كانا يُنَادمان النعمان.