عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
10

المشاهدات
14786
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
10-11-2010, 04:53 PM
المشاركة 1
10-11-2010, 04:53 PM
المشاركة 1
افتراضي مختارات من شعر الراحلة نازك الملائكة

يبقى لنا البحــــــر



وقفنا على البحر تحت الظهيرة طفلين منفعلين

و روحى يسبح عبر مروجك

في نهر عينين مغدقتين

و قلبى يركض خلف سؤالِ

حملت براعمه عطر مرعىً على شفتيك

سؤالك فيه عذوبة ريح الشمالِ

و روعة أغنية سكبتها كمنجات شوق مخبأة في يديك

سؤالك لون سماء على برك و دوالي

سألتَ عن البحر هل تتغير ألوانهُ؟

و هل تتلون أمواجه؟ هل تُرى تتبدل شطآنهُ؟

سألت و عيناك واسعتان اتساع الرؤى

و وجهك نجم نأى

و سفن مضيعة لم تجد مرفأَ

سألتَ و هدبك دهشة طفلِ

و رعشة سنبلة, و تموُّج حقلِ

و كانت يداك شراعين منهمرين

على زورقين

وراء المدى و الرؤى شاردين

و قلتُ, نعم, يا حبيبي

يغيّر ألوانَه البحرُ

تعبر فيه سفائن خضرُ

و تطلع منه مدائن شقرُ

و يشرب حينا دماء الغروبِ

و يصبح حينا بلون الفضاء

يلملم زرقته يا حبيبي

و يحلم, يرنو بعينين شذْريَّتين

سماويّتين

إلى اللانهاية, يأخذ لون الضياء

صباحا و يطفىء كل ثريَّاته في المساء

سألتَ عن البحر, هل تتغير ألوانهُ؟

و هل تتلون أمواجه؟ هل تُرى تتبدل شطآنهُ؟

نعم يا حبيبي

و بحر يلاطم وديان نفسي

و يرحل عبر موانىء لون و شمسِ

و عبر حقول مغيبِ

و يغتسل الغسق القمرىّ بأمواجه و يبلل شَعره

و يلقي إليه سماء و فكرة

نعم يا حبيبي, نعم, و يلون خلجانهُ

نعم و يغير ألوانهُ

فيشرب صفرة شكى و ظنى

و يصبح أزرق في لون لحني

و تبحر في شذر أمواجه أغنياتي و سفني

و يصبح أبيض, تصبح لجته ياسمينة

و يصبح أخضر, مثل اخضرار العيون الحزينة

و مثل زبرجد نهر النهاوند في قعر حزني

سألت عن البحر, هل تتغير ألوانهُ؟

و عيناك بحر ترامى و ضاعت

حدود مداهُ و شطآنُهُ

نعم يا حبيبي, يغير ألوانهُ و يصير بلون الرماد

له كل طعم ليالي السهاد

رمادية كل أسماكه, و رماد

لآليه, إسفنجهُ, أخطبوتاتهُ, و رماد

مدائنه الغارقات القباب

و لون الرماد

جبين غريق طفا و توسّد أمواجهَ الملح, مغمىً عليه

و يبتلع الماء, و الملح عوسجة و رماد على شفتيه

و بحري و بحرك, بحر الرماد

حنون الفؤاد

له قسوة تلثم الجرح, تفرش لين وساد

و بحري و بحرك شاكس جسمَ الغريق الرمادى

أرسل موجته القاسية

لتلطمه, و عروس بحور لتحمله, للرمال النبيذية الناسية

و يرقد من دون وعى على الجرف, مغمىً عليه

و بحر الرماد

يرشرش إغماءه, و الشبابُ الغريق

تغازل خديه, موجة حب, و تغسل جبهته و تريق

عليه المحبة و الملح و الرغو, حينا يغطي الجسد

و حينا يعود, و يرتد عنه, و يتركه لذهول الأبد

و يا من تسائلنى

هل يُغير بحري و بحرك ألوانهُ؟

و مثل الغيوم يلون, يرسم, يالزيت و الفحم شطآنهُ؟

حبيبي لقد كان لي في الطفولة جدُّ

طويل كمثل جدائل شعر ربيع وريف

و كان لجدىَ عمقٌ

و ظلٌّ

و بُعدُ

له عنف عاصفة في خريف

و كان مدىً في بحار مطلسمة لا تُحدُّ

و جدىَ كان قويا كموجة بحر مخيف

و في ذات يوم سرَتْ ألسن النار في بيتنا

مضت تمضغ الباب, تشعل لين الستائر

يدور اللهيب دوائر

يزمجر في شرفات مُنانا

و يضحك من رعبنا

يهدد ان يتوسع, يركض في حينا

و ينذر أن يتغدى خدودا, شفاها, ظفائر

و يغتال حتى شباب البيادر

و أقبل جدىَ مندفعا مثل موجة بحرِ

و أرسل صيحة هول و ذعرِ

تحدّر في عنف إعصار نوء, يسب و يلعن

شتائمه مطر و حنان, شراسته بيت شِعر ملحن

و نجمة فجرِ

و زورق عطرِ

و مدُّ السباب على شفتيه غدير ملون

و أطفأ جدى الحريق, و أنقذ هدبي و شَعرى

حبيبي, و جدىَ قد كان بحرا

يُغيّر ألوانه و تصير محاجر عينيه سودا و خضرا

يبدّل أمواجه, يترامى, يصوغ لآلىء

يُسيل ينابيع, يرسي شواطىء

و يبدع مدّا, و يصنع جذرا

يبعثر عبر ازرقاق الخليج جزائر شقرا

و كانت جرادله و هْى تلعن, كانت قماقم بلسم

تكسّر أسورة النار, عن ساعد لين و ذراع و معصم

و قسوة أمواج بحرىَ صارت أكفا و صدرا

لتحمل جسم الغريق الرمادى تمطره قبلات و زهرا

و ترميه فوق ضفاف السلامة

رفيف جناح حمامة

و تعطيه عمرا جديدا

و تزرع إغماءه حلما و سنابل ذكرى

و برد غمامة

عن اللون و البحر تسألني يا حبيبي

و أنت شراعي

وألوان بحري

و غيبوبة الحلم في مقلتي

و أنت ضباب دروبي

و أنت قلوعي

و أنت ذرى موجتى

و وردة حزني, و عطر شحوبي

عن اللون و البحر تسألني يا حبيبي

و أنت بحاري

و مرجانتي و محاري

و وجهك داري

فخذ زورقي فوق موجة شوق مغلفة, خافية

إلى شاطىء مبهم مستحيل

فلا فيه سهل و لا رابية

إلى غسق قمرىّ المدار

عميق القرار

و ليس له في الظهيرة لونُ

و ليس له في الكثافة غصنُ

و لا فيه هولٌ, و لا فيه أمنُ

هنالك سوف نضيع

و نأكل دفء الشتاء, و نقطف ثلج الربيع

و نغزل صوف الصقيع

هناك لا طول للظل في حلمنا, لا قِصَر

و لا شىء يمكن أن يرتقيه النظر

سوى موجة أغنية تتحدّر عبر جبال القمر

و نضحك, نبكي, و عيناك تعكس لون البَحَر

و يبقى لنا اللون

و البحر

و الأبد المنتظَر
نـــازك الملائـــكة