عرض مشاركة واحدة
قديم 07-18-2011, 02:41 AM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
والمشهد الثانى فى دراما التصريحات منسوب لأحد قيادات المجلس العسكري تعقيبا على حدة خطاب وأداء اللواء محسن الفنجرى فى خطابه الأخير غير الموفق , والذى شعر فيه الثوار برنة تهدي واضحة وهو يلوح لهم بنفس الإصبع من نفس الكف التى أدى بها تحية الشهداء الشهيرة وكانت سببا فى اكتسابه شعبية ساحقة بين جموع الشعب ,
ورغم أن هناك ألف وسيلة للتبرير ـ لا سيما مع شعبية الرجل ـ لكى ينسي الناس هذا الخطاب , إلا أن مبرر الخطاب لجأ إلى تصريح غريب للغاية عندما قال
( أن تهديدات الفنجرى لم تكن موجهة للثوار وإنما للعناصر المخربة التى خططت للتعرض للملاحة البحرية فى قناة السويس مما كان يُخشي منه فى هذه الحالة أن يتكرر سيناريو العدوان الثلاثي 1956 م , وتدخل إسرائيل لسيناء , وتتبعها بريطانيا وفرنسا بحجة حماية الملاحة الدولية !! )

وهذا لعمرى تصريح مضحك لا يمكن أن يصدر عن إنسان له الحد الأدنى من الثقافة فضلا على أن يكون من قيادات البلد فى تلك المرحلة الحساسة ,
والأمر أبسط من أن يتعب القادة أنفسهم فى البحث عن تبرير وكان يكفي جدا أن يصدر تصريح يوضح أن الكلام ليس موجها للثوار ثم يعقبه تشديد على مشروعية مطالب المعتصمين تحت حماية القوات المسلحة وهو الأمر الواقع بالفعل
وقد جفت حلوقنا من ضرورة لجوء المجلس الأعلى للقوات المسلحة إلى عدد من المستشارين المحنكين فى المجال السياسي ـ وكل مجال فنى غير عسكري ـ طالما أن الظروف وضعت المجلس المجلس العسكري فى موضع القيادة السياسية , حتى لا تتكر أمثال هذه الهفوات

وقد اعتمد المجلس العسكري على أعضائه حصرا واكتفي بمستشاره القانونى اللواء شاهين ولم يلجأ لفقهاء الدستور مما أدى إلى الأخطاء الفادحة التى عالج بها المجلس مسألة التعديلات والاستفتاء , فجاءت النتيجة بنعم وإذا برد الفعل يتوافق مع نتيجة ( لا ) والسبب عدم وجود الخبرة القانونية المناسبة للتعامل مع الأمر ,
إذ أن أصغر خبير بالقانون يعلم أن الاستفتاء على دستور معلق بنعم معناه إعادة الحياة إلى الدستور المجمد على الفور والعمل به , أما إن كانت النتيجة بلا , فهنا يسقط الدستور نهائيا ويصدر عوضا عنه إعلان دستورى مؤقت ..
إلا أن ما حدث كان دراما حقيقية فجاءت النتيجة بنعم ثم أُسقط الدستور تماما فى اليوم التالى وحل محله الإعلان الدستورى
هذا فضلا على خطيئة الإعلان الدستورى الذى صدر بلا مسوغ قانونى أو شرعى ولم يطرح فى استفتاء ! ,
بخلاف العديد من الملحوظات فى هذا المجال
و
بالمثل جاءت التصريحات السياسية لتساهم فى عكس ما يريد المجلس العسكري وتسببت فى تآكل بعض شعبيته لعدم وجود عقلية سياسية تتعامل بمضمون ( علم نفس الجماهير ) , وهى العقلية التى كانت ستتيح للمجلس أن يستمر فى قيادة المرحلة الإنتقالية بلا أدنى ضغط , لأن الخطاب الإعلامى المعالج والصادر عن دراسة متعمقة لرغبات الجماهير , كان سيكفل للمجلس ترويج نفسه كما ينبغي لينال ما يستحقه من تقدير الجماهير العريضة التى وضعت فيه ثقتها الكاملة ,
فمن غرائب وعجائب المرحلة الحالية أن المجلس العسكري لا يفتقد العطاء ولا الإخلاص ولكنه يفتقد اللسان المتمرس , وهذا عكس الإدارة السابقة فى مصر التى كانت لا تنجز إلا فى التصريحات وتكتفي بها عن العمل !
ومن يتأمل مرحلة الأشهر الماضية سيجد أن حملات النقد الموجهة للمجلس العسكري والتى خلفت عدة أزمات مع الجمهور , ما كان لها أن تحدث أصلا , لو أن الخطاب الإعلامى للجمهور كان يتمتع بقدر من الحنكة وحسن اجتذاب تعاطف وتأييد الجمهور المتعطش لنصرة قيادته العسكرية ,

ومن تلك الأزمات أزمة التصريح المستفز الذى قاله أحد القادة ومعناه أن المصريين عليهم أن يحمدوا الله تعالى أن الجيش المصري لم يقف موقف الجيش اليمنى أو الليبي !!
فبهذا التصريح وضع القائد نفسه ووضع الجيش المصري العريق فى وضع المقارنة مع كتائب المرتزقة ! , وهى إهانة عظيمة ما كان ينبغي لها أن تصدر , هذا فضلا على أن موقف الجيش ليس تفضلا منه , بل هو واجبه الشرعي والفضل الرئيسي ـ بعد الله تعالى ـ للثوار الذين قاموا بهذا الحراك وقت صمت المجلس العسكري طيلة السنوات السابقة تحت رياسة مبارك
فالشعب هو صاحب المنة والفضل فى تحرير قيادات المجلس ودفعهم لاتخاذ الموقف المشرف بتنحية مبارك ونصرة الثورة ,

أيضا تصريح غريب آخر صدر عن أحد القادة ومعناه أن الشعب المصري أيد المجلس العسكري بنسبة 77 % !!
وهو يقصد بهذه النسبة , نسبة المصوتين بـ ( نعم ) فى الاستفتاء الأخير , وهو خلط رهيب وخطأ لا يغتفر , لأن مواد الإستفتاء الدستورى ـ وكلها متوافرة ـ لا تحتوى أى بند يمس المجلس العسكري لا من قريب ولا من بعيد ولا يحتوى على أى إشارة بالتصريح أو التعريض ـ ولو من بعيد ـ لمدى قبول الشعب لسلطة المجلس
والمجلس هو من اتخذ الموقف المؤيد للتعديلات وأراد أن تاتى النتيجة بنعم , وجاء أحد قادته ليعتبرها تأييدا لقيادة المجلس وهو ما لم يحدث بالطبع !
والأنكى ..
أن الشعب المصري أيد قيادة المجلس العسكري للمرحلة الإنتقالية بنسبة مائة فى المائة , فكيف يطيح هذا القائد بهذا التأييد العارم ويوقع نفسه وقيادته فى هذا المأزق الغريب والمشين حقيقة , ويبعث الشك فى قلوب الناشطين السياسيين أن المجلس لا يحتمل الخلاف فى الرأى وأنه يطلب التأييد الكامل فيما يراه ويعتبر انتقاد توجهاته عصيانا وليس اختلافا سياسيا سائغا ,
وهذا كله بالطبع غير صحيح , ولكن التصريح وشي بهذا وأكثر

كل هذا بسبب غياب المستشارين ..
وهذا أمر أرجو من الله أن ينتبه له المجلس سريعا ويعالجه , فالإعلام فى عصرنا الحاضر له مفعول السحر الأسود ,
ويجب ألا ننسي أن من أضاع مبارك وأطاح به من مقعده كانوا هم المستشارون ومديرو أزمته فى الثورة , ولو توافر له مستشارون أكثر خبرة لتمكن من تجاوزها بلا أدنى مبالغة , والعكس صحيح , فالخطاب الإعلامى المخلص للثوار وإيمان إعلامهم بعدالة قضيتهم كانت له الكلمة الأولى والأخيرة فى النصر الساحق , حيث أحسن المعبرون عن التيار الثورى فى تفنيد كل الحجج والإجراءات التى اتخذها مبارك ورجاله لكسب تعاطف الشعب وتمكنوا من كشف خدعه جميعها عن طريق خبرتهم العالية بثقافة الإستبداد , ومعرفتهم الجيدة بتاريخ النظام وتاريخ مبارك نفسه
ولو أخذنا مثالا بسيطا لما يؤدى إليه غياب الإعلام المتوازن والمحترف , لوجدنا أن غياب المستشار المحنك أدى إلى ظهور الخطاب الأخير للفنجرى على هذه الصورة التى أطاحت بشعبية الرجل وتسببت فى انسحاب مائتين وخمسين ألف عضو من صفحة المجلس العسكري على الفيس بوك فى يومين فقط !

وعندما حاول المجلس معالجة الأثر السيئ وقع فى الخطأ الأخير وهذ التصريح العجيب جدا من أحد قيادات المجلس عن العدوان الثلاثي !
أى عدوان ثلاثي يا مولانا .. صح النوم !
لقد انهارت سطوة بريطانيا وفرنسا منذ ما يقرب من ستين عاما وفقدتا مكانتهما لصالح الإتحاد السوفياتى والولايات المتحدة مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية , وكانت تجربة السويس فى 56 , خير شاهد على انهيار الإمبراطوريات القديمة والتى نسيت نفسها وحاولت التصرف ضد مصر متجاهلة أخذ الإذن أو شراكة من العمالقة الجدد شركاء النظام العالمى الجديد فى هذا الوقت ,
وكان السبب الرئيسي لهذا الخطأ غرور رئيس الوزراء البريطانى أنتونى إيدن وصلافة بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل وحماقة دى موليه رئيس وزراء فرنسا عندما عقدوا اتفاقا مكتوبا ! وبوثيقة رسمية لتنفيذ العدوان الثلاثي خارج معرفة الولايات المتحدة والسوفيات , وعندما انكشفت ( وثيقة سيفر ) وهى وثيقة العدوان استغلها الأمريكان والسوفيات لتثبيت أقدامهم كقوى عظمى بديلة للإمبراطوريات العاجزة , وكسبيل مفتوح لمد سيطرتهم على مستعمرات بريطانيا وفرنسا بالشرق الأوسط فوقف كلاهما إلى جوار مصر وانتهت الحرب إلى النتيجة المعروفة بانسحاب أطراف العدوان الثلاثي وانتهاء السيطرة الفرنسية الإنجليزية على العالم
فكيف يمكن أن يتخيل صاحب التصريح أن بريطانيا وفرنسا قادرتين ـ اليوم وبعد كل هذه السنوات ـ على تكرار التجربة أو يتصور لحظة أن تسمح الولايات المتحدة لأى دولة بإرسال جندى واحد بزيد الرسمى إلى مناطق نفوذها بالشرق الأوسط !!
والأغرب من ذلك ..
كيف يمكن أن يكرر المتآمر مؤامرته بنفس خطواتها بعد انكشافها بفضيحة مدوية تسببت فى سقوط حكومات البلاد الثلاث المشاركة فى العدوان ,
والأمر الأخير كيف يتصور قدرة إسرائيل على أى فعل استفزازى من هذا النوع فى ظل تلك الظروف التى لا تمثل نقطة ضعف لمصر بقدر ما تمثل نقطة ضعف لإسرائيل مع مشاعر العداوة المتأججة ضدها من بداية الثورات العربية , وإسرائيل تدرك تماما أن أى اعتداء مشابه كفيل بسقوط بقية الأنظمة العربية الموالية لها وللولايات المتحدة لما سيمثله العدوان من دفقة معنوية كاسحة تطيح بالعروش والجيوش ,
ولهذا ـ ومنذ بدء فعاليات الثورة المصرية ـ وإسرائيل لا هم لها إلا التأكيد على التزام مصر باتفاقية كامب ديفيد وأنها لن تخل بأى شرط فيها شريطة ألا تخل مصر بالمقابل !!
وهذا الإنهيار العصبي لم نعهده بالطبع فى السياسة الإسرائيلية المتعجرفة من قبل وينبئ تماما عن مدى الرعب المعنى من الشحن الجماهيري ضدها , وهو ما وقف خلف تجاهل إسرائيل ـ لأول مرة ـ ما يمكن أن نسميه استفزازات مصرية غير معهودة فى عصر مبارك مثل لغز التفجيرات المتوالية لخط الغاز وتوقفه عن العمل منذ نجاح الثورة لأسباب وذرائع مختلفة , وأيضا على تفتيش سياراتها وحقائبها الديبلوماسية بل وأفرادها تفتيشا ذاتيا على مداخل سيناء رغم حظر ذلك فى القانون الديبلوماسي والقنصلي ,
فهل تتجرع إسرائيل أمثال تلك التصرفات ثم تقدم على فعل استفزازى مثل الدخول بقواتها إلى سيناء ؟!!
بالإضافة إلى أن دخول إسرائيل عام 56 كان له هدف وحيد وهو تأمين ملاحتها مع مصر ودفع مصر وإجبارها على عقد اتفاقية سلام , وهو ما تحقق الآن بالفعل فعلام الدخول اليوم ؟!
وما الذى يستحق مثل تلك المغامرة غير المأمونة ؟!
هذا بخلاف أن التصدى لفتح الملاحة بالقوة ـ لو فرضنا وقوع مثله ـ فسيكون للولايات المتحدة دون غيرها , والتى ترى نفسها وصية على العالم , وعن طريق قواعدها المنتشرة فى البلاد العربية برعاية الأنظمة العميلة , والولايات المتحدة منذ غزو العراق لا تحتاج صداعا آخر أكبر مما تسبب فيه إحتلال العراق من خسارة فادحة لا زالت تعانى منها لليوم ..
فضلا على أن مصر ليست كأى قطر آخر حتى تغامر الولايات المتحدة بمصالحها فى المنطقة دون مبرر