الموضوع: حكايتنا
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-26-2022, 09:13 PM
المشاركة 46
موسى المحمود
كاتب فلسطيني مميز

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: حكايتنا
ومتى على ساعدَيكِ أُعيدُ ذاكرةً
لهوتُ بين جنبيها صبيّاً شَغِبا؟

كلّما رفعت هذا الهاتف ووضعته جسراً يمتدّ بين قلبي وقلبك، أكره الإحتلال أكثر، يزداد حقدي على هذا العالم المريض أكثر، وتتورّم شرايين قلبي اشتياقاً وحزناً، ولكنني لا أملك إلا التسلل عبر أثير الهاتف طفلاً تسربل بالحنين، وتشبّع بالذّكريات، ممسكاً كيس الدّموع، مانعاً تسرّبها.. هل نحنُ شعبٌ نموت ولا نبكي..؟

وفي كلّ مكالمةٍ أجريها معكِ، تعيدين لي شيئاً من الماضي الذي أفتقده، وتدور الأسئلة في ذهني كالمسامير تنهش روحي موغلةً أكثر وأكثر، ما الذي تبقّى لي منكِ؟ وما الذي أستطيع الإبقاء عليه أكثر من أجلك؟ ما هو السرّ في صوتك المبحوح المُتعب بالشّوق والحنين؟ على ماذا يدور الرّهان؟ على أعمارنا؟ أقدارنا؟ حيواتنا؟ عودتنا ؟ على ماذا الرّهانُ يا أمّ قلبي؟ إنه الحنينُ إذن، قاتله الله ما أجمله وما أثقله، إنه الحنينُ المتمدّد يجثو على جسد الضّحيّة، الموتُ لا يكفيه، النكبات لا تعنيه، حنينٌ كالسّمّ دُسّ في عسل اللقاء المؤجّل، هل هذا الهاتف اللوحيّ نعمةٌ أم وسيلةٌ مبتدعةٌ لتعذيبنا؟

"كيف حالك يا ستّي؟" هذا السؤال النمطيّ، يبدو عادياً لدى الكثيرين، لكنه يعيدُ نكأ الجرح العميق القديم، جرحي وجراح من هم مثلي، جرح الوطن..

أشعر بالضّعف.. وهذا الشّعور يقتلني، بماذا أجيبك!

أنا بخير، لا .. لستُ بخيرْ.. لستُ بخيرٍ أبداً ولن أكون .. لكنّني سأحاول إخفاء الحقيقة بمظاهر نبتدعها عادةً كي نظلّ على قيد الأمل..

هذا يعني .. أنني سوف أستيقظ غداً للعمل، سأردّ تحية الصّباح بتحيةٍ مثلها نفاقاً، سأقرأ كتاباً عن تكنولوجيا الميتافيرس، ربّما أخترع عالماً جديداً يقرّبني إليك، لن أصل .. لن نلتقي، لكنني سوف أبذل قصارى جهدي لأكون مبدعاً في إخفاء الحقيقة، حقيقة الاحتلال.. النكبة .. النكسة .. المسافات .. الحنين..

سيأتي يوم ميلادي، سوف أحتفل به، سأنجب المزيد من الأبناء، سأخرج في نزهةٍ إلى البحر، سوف أشوي اللحم.. وسأحتسي قهوتي.. وسوف أحبّ.. ولن أحبّ غيرك

لكنني لن أغيّر الحقيقة، حقيقةَ أنّك هناك وأنني أنا ههنا مصلوبٌ إلى حروفي وكلماتي وحنيني..

وسوف أعاود الاتصال بكِ.. لأطمئنّ على حقيقتنا المشتركة، ولأجيب عن سؤالك البريء "كيف حالك؟" بقولي: يا ستي أنا بخير، رغم أنّي .. لستُ بخيرٍ .. أبداً.. ولن أكون.

#فلسطين
#جنين
#دير_ابو_ضعيف
موسى المحمود