عرض مشاركة واحدة
قديم 03-15-2016, 09:25 AM
المشاركة 10
عمرو مصطفى
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


(5)

ـ " جحافل الطائفة الظلامية تجتاح غرب المدينة.."
هكذا استهل النشرة مذيع القناة الأولى للتليفزيون الشعبي ذو الشعر (المفلفل) والقرط المتدلي من إحدى أذنيه ـ المذيع لا التليفزيون طبعاً ـ كان يحاول أن يبدو متماسكا وهو يمضغ نصف كيلو من العلكة .. فمازال لديه المزيد من الأخبار المفجعة ..
ـ " لا يوجد رجل سلطة واحد يوحد الله في المدينة .. لا جديد بخصوص اختفاء السيد المسئول الأكبر و رجله الأمني السيد وسام .. فليرحمنا الله ..."
كان هذا حينما وثب عليه كائن ظلامي ونشب أسنانه في عنقه وسط صراخ وعويل ودماء تناثرت على الكاميرات.. بعدها برز وجه يسرم والدماء تنساب من بين شفتيه وقام بتثبيت ناقل الصوت إلى رقبته قبل أن يبتسم قائلاً :
ـ " نعتذر عن المشهد المؤسف ..لكنه شيء ضروري لحياة الظلاميين أمثالي .. أرجوا أن يكون جميع إخواني الأن متابعين لهذا البيان العاجل... نحن نسيطر على غرب المدينة تقريباً... لا داعى للمقاومة ... دعونا نعقد اتفاق . نحن حريصون على حياتكم .. لا يوجد عاقل يفسد سلة الطعام كلها ... ولا يوجد راعي ضأن يذبح كل الشياه التي يملكها مرة واحدة... أنتم طعامنا شئتم أم أبيتم ... سنقوم برعايتكم رعاية تامة .. أفضل طعام وشراب في مقابل أن تمدونا بدمائكم الحارة .. محدثكم يسرم ... المسئول الأكبر الحالي عن دمائكم ..هـي هـي .. انتهى البيان .."
وصرخ المعلم فوزى صاحب المقهى :
ـ " يا أولاد الـ... أنا قلت منذ البداية هؤلاء شياطين أبناء شياطين.."
ولطم الشاب محسن وجهه بمبسم النرجيلة وهو يولول :
ـ " الأن فهمت السر الذى جعل السلطة تضطهد هؤلاء الوحوش.."
واصفر لون الشيخ حسن الفقي وهو يضع كفه على رأسه هاتفاً :
ـ " لقد خدعنا الشعب الأصفر... خونة .. خونة .."
ـ " وماذا بعد ..؟ "
التفت الجميع إلى مصدر الصوت .. كان نادر يقف على باب المقهى وقد اكتسى وجهه بصرامة وحزم لم يعهدها أحد عليه من قبل ... لكن هذا لم يمنعهم من الإيجاب ...
ـ " سيفتكون بنا ... يجب أن نختبئ بسرعة .."
ـ " نختبئ أين ؟ في باطن الأرض مثلاً ! "
ـ " لنرحل عن هنا فوراً.."
صرخ نادر والدخان الأسود يتصاعد أمام عينيه :
ـ " هل لدي أحدكم اقتراح أخر أكثر جبناً ...؟ "
قال محسن وهو يحاول منع ساقيه من الارتجاف :
ـ " الوقت ليس وقت الشعارات يا أخ نادر ..."
ورتب المعلم فوزى على عاتق نادر مهدئاً :
ـ " يا ولدي هؤلاء الوحوش الليلية مصاصي دماء .. لم يصمد أمامهم أحد في غرب المدينة فماذا نصنع نحن هنا .. في الشرق ..."
ـ " نعيدهم إلى حيث جاءوا ..."
ضحك الشيخ حسن الفقي ضحكة مفتعلة هي أقرب للبكاء قبل أن يقول بصوت يقطر رعباً :
ـ " كيف ؟.. نصنع لهم عمل سفلي مثلاً ..؟ "
ـ " لا ..سنحيط شرق المدينة بالنيران ..."
حملق جمهور القهوة في وجه نادر مستغربين اقتراحه فعاجلهم هو قبل أن يتفوه أحدهم بكلمة :
ـ " أنا أعرف جيداً كيف نواجه تلك الكائنات .. النار تفزعهم .."
وشرد قليلاً وهو يستطرد بأسى :
ـ " لهذا كان رجال السلطة يضربونهم بقاذفات اللهب .. كانت تمنعهم من العبور إلينا .. وهذا ما سنفعله .. إذا كانت السلطة قد توارت بسبب حماقتنا .. فكل فرد في شعبنا سيتحول إلى رجل سلطة."
ـ " من أين أتيت بهذا الكلام .؟ "
جذب نادر نفس عميق وهو يحدجهم بنظرات تبض بالقوة والعزم..
ـ " ليس الآن... "
ربما شك البعض أن الواقف أمامهم الأن هو نفسه الشاب نادر المسالم المنطوي على نفسه الذى كان بالأمس ... كلماته تفيض بالقوة والثقة .. هو يعرف ما يتكلم عنه جيداً .. هو يذكرهم بشخص ما شخص كان يعرف عن شعبنا الكثير والكثير ..لكنه صار الأن مجرد ذكرى مجهولة.. المهم أن كل ذلك بعث في نفوسهم شيء من الاطمئنان والثقة.. أما نادر .. فكان من داخله لا يقل دهشة عن رواد المقهى .. وسكان شرق المدينة .. لقد تحول بين عشية أو ضحاها إلى رجل الأمن الأول لشعبنا ... ولم يشعر لحظة بالفخر أو الكبرياء ... فالمسئولية أكبر من كل تلك المشاعر وحينما حانت منه نظرة لوجهه في مرآة المقهى المغبشة شعر أنه كبر عشر سنوات على الأقل ...

***
تصريحات شعوب العالم تتري تبعاً لتصريحات الشعب الأصفر سيد شعوب الأرض!! ..
" إننا نشعر بالقلق لما يحدث .."
" استيلاء الظلاميون على مقدرات شعب عريق مثل الشعب الأسمر شيء محزن..."
ونسى العالم من الذى دعي للحوار مع الظلاميين أولاً ...
ألم نقل أن النسيان هو أفة الشعوب ..
ودعا السيد الأعظم للشعب الأصفر إلى انعقاد اجتماع طارئ لقيادات شعوب الأرض لبحث الشأن الداخلي لشعبنا الأبي ... نوسام بدأ يتفاءل شيئاً فشيئاً .. كل شيء يمضى كما خطط له الأجداد .. أمة بني الأصفر لن تسود إلا بالتفريق والتحريش .. ظلاميين وسطحيين تافهين .. فلتهدأ روح الأجداد التي خططت .. لم تعد ثمة سلطة أو قيادة لشعبنا يلتف حولها الناس .. الظلاميون ينتشرون في غرب المدينة وغداً سيجتاحون شرقها .. دون مقاومة .. لقد انتصر عقل نوسام على عقل السيد وسام .. كم كان يتمنى أن يرى وجهه الأن .. وجه الرجل الذى أذل أجهزة أمن عديدة على رأسها الجهاز الأمني للشعب الأصفر.. الذي يعتبر نفسه سيد شعوب الأرض..
لم يعد هناك من يسد مسد ذلك الرجل الأمني الفذ ..
ـ " السلام عليكم ورحمة الله... إليكم هذا البيان الهام .."
انتفض نوسام في مقره تحت الأرض إلى جوار دشرم .. كانت شاشة المرئي تنقل بث حي من شرق المدينة ... لعق دشرم شفتيه وقال :
ـ " مازالت هناك قنوات بث في شرق المدينة ؟! "
ـ " انتظر لنسمع ..."
قالها نوسام وقلبه يدق بعنف .. ترى من الذى سيدلي ببيان .. وعلى الفور احتلت ذهنه صورة شخص واحد ... وسام ..
يسرم كان يتابع من مكتب المسئول الأكبر بعد أن صار مكتبه ولم تكن حالته بأفضل من حالة نوسام ... كان يجلس على سطح المكتب نفسه وهو يلعق كفيه وعينيه الواسعتين تترقبان البيان .. كان لتوه قد فرغ من شرب دم أحد رجال السكرتارية لعله أخرهم.. وتركه جثة هامدة خالية من الدماء بجوار مكتبه.. الغريب أن بجواره وقف شخص مألوف عاقداً ساعديه وفي عينيه نظرة خضوع وترقب ..
ـ " سيد سليمان .. بصفتك مستشاري الأمني الخاص !.. استمع معي لهذا البيان وقل لي رأيك.."
قالها يسرم في برود وعينه تتابع الشاشة بانتظار من سيظهر..
ـ " بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا البيان موجه لكل سكان شرق المدينة .. ومن تبقي حياً في غربها .."
صاح نوسام في استنكار :
ـ " تباً .. ومن هذا الشاب ؟!.."
لعق الظلامي الأكبر دشرم شفتيه وهو يقول في بطء :
ـ " انتظر لنسمع ..."
كان نادر يرتدي زي رجال السلطة المميز وقد ظهر متجهماً وهالات سوداء تحيط بعينيه.. وخلفه كان علم شعبنا المجيد... كان منهمكاً في إلقاء البيان بنبرة ألية خالية من أي انفعال :
ـ " إلى كل أبناء شعبنا.. بأيدينا أخرجنا الظلاميين من جحورهم.. وبأيدينا سنعيدهم مرة أخرى.. شعبنا لم و لن يتوقف مصيره على أحد كائناً من كان.. شعبنا قادر بحول الله وقوته على رد كائنات الظلام إلى جحورها وسيفعل.. إن شاء الله.. "
" إلى كل من يأبى أن يصير طعاماً لقوى الظلام وما تزال تنبض عروقه بالدماء الحرة الأبية.. حي على شرق المدينة.. فالشرق ما يزال صامداً.. "
تقلص وجه نوسام وهو يكرر سؤاله بقرف :
ـ " من هذا الشاب ..؟ "
داعبت أصابع ب 1 لوحة مفاتيح حاسوبه النقال بحثاً عن معلومات ثم رفع رأسه إلى رئيسه قائلاً :
ـ " اسمه نادر ! "
التفت إليه نوسام في حده منتظراً المزيد لكنه استطرد في برود :
ـ " هذا هو ما لدينا من معلومات..."
وعاد نوسام يتابع البيان على الشاشة بوجه محتقن...
ـ " إننا هنا نقول لقوى الظلام.. كل قوى الظلام.. تحت الأرض وفوقها .. بالداخل والخارج : نحن هنا في الشرق.. بانتظاركم..."
واختفت صورة نادر من على الشاشات وظهرت أفلام تسجيلية تصور عمليات رجال السلطة السابقة على بؤر الظلاميين .. هجمات بقاذفات اللهب ...
ـ " مستحيل .. إنهم لا يملكون شيئاً في الشرق ... المنشئات الأمنية والسلاح كله سقط في أيدينا في الغرب ..."
قالها يسرم عبر الهاتف بحقد .. بغل .. فجاءه صوت نوسام ليقول في برود صارم :
ـ " لكنهم يملكون وسيلة إعلام مرئي... سيقلبون الدنيا على رؤوسكم."
ـ " سنهاجم الليلة شرق المدينة ولن يشرب من دم ذلك الأراجوز غيري ..."
ـ " يسرم .. أنا لا أرتاح إلى هذا الفتى .. كن على حذر ..."
قالها نوسام لكن يسرم نظر لمستشاره الأمني الجديد مستفتياً فهز الأخير رأسه نافياً وقال بلهجة حازمة :
ـ " لا تلتفت إلى أراجيفه... ربما كان ما تشاهدونه رسالة تم تسجيلها منذ أيام قبل سقوط السلطة .. لتستخدم فيما بعد لتعطيلكم "
أطلق يسرم فحيحاً حماسياً وأنهى المكالمة مع نوسام ثم قفز من فوق سطح المكتب وتعلق بنجفة عملاقة في السقف صارخاً بصوته الحاد:
ـ " إلى الشرق .."
وقفز عبر النافذة التي تطل على فناء واسع محاط بسور ضخم لحماية مقر المسئول الأكبر .. وبه حشد هائل من الظلاميين لم تكد تري يسرم يحط بقدميه على الأرض حتى أصدرت فحيحاً جماعياً تصاعد إلى عنان السماء وهي تردد اسم يسرم...
ومن النافذة التي قفز منها يسرم لتوه.. وقف السيد سليمان يراقب المشهد بوجه جامد ...

***
ـ " ينصر دينك .."
ـ " عاش .. عاش .."
ـ " شعبنا ولاد والله ..."
لم يسمع نادر معظم عبارات المديح وهو يشق طريقه عائداً من مبنى البث المباشر لقد صار الشاب المنسي حديث الساعة الأن .. وكان يرى في وجوه الشعب نظرة جديدة حلت محل نظرة الخراف اليائسة إلى شفرة الجزار ... صارت هناك نظرة أمل في غدٍ جديد لا وجود فيه لكائنات الظلام ...وبرز العديد من رجال السلطة المتوارية وقدموا أنفسهم إليه وحلفوا له على الثبات في مواجهة قوى الظلام .. وبدأ هو في شرح خطة المواجهة ...
ـ " سيتم عمل لجان شعبية تحيط بشرق المدينة وكل لجنة تستعد بالمشاعل والحطب الوافر لإيقادها في المساء ..
في المساء سيحاط شرق المدينة بالنيران.. الليل هو أفضل وقت لهجوم الكائنات الظلامية ..هي ترى جيداً في الليل بعكس البشر الطبيعيين.."
هنا برز له من بين الجموع رجل طويل متين البنيان وقدم نفسه على أنه أحد رجال السلطة السابقين ويدعى جلال ..
كان يتكلم وهو ينظر إليه نظرة فاحصة لا تخلو من شك :
ـ " هذا حل مؤقت أيها الـ.. القائد ... وسنظل محاصرين للأبد بقوى الظلام حتى تنضب مواردنا ونستسلم في النهاية .."
ـ " من قال أننا سنكتفي بالدفاع فقط .. لابد أن ننتقل للهجوم .. معظم السلاح الخفيف والثقيل و الآلات العسكرية معبأ في مخازن سرية غرب المدينة ولابد أن نصل إليه يوماً ما..."
داعب جلال شاربه وهو ينظر لنادر مليا ثم قال مغمغماً :
ـ " هذا صحيح ..."
وتبادل النظرات مع بقية رجال السلطة المحيطين .. وفهم نادر سر نظراتهم إنه نفس السؤال الذى يتردد كثيراً ..
من أين يأتي ذلك الشاب بالمعلومات ؟
" أريد فقط أن أفهم "
" ليس الأن ...."
" لماذا ..؟ "
" ليس الأن ...."
" لابد من تدريب العديد من رجال الشعب على السلاح ..."
انتزعته عبارة جلال من شروده فالتفت إليه قائلاً بسرعه :
ـ " بالتأكيد ... لكن لابد أن نقتصد في الذخيرة .. أعلم أنكم تحتفظون ببعض الذخيرة لكنها ليست بالقدر الكافي .. لذا يجب أن نقتصد ..."
مرة أخرى يتبادل جلال النظرات مع بقية الرجال.. ثم عاد يصوب نظراته المتشككة إلى نادر وهو يقول :
ـ " أيها القائد... على الرغم من أننا لا نعرفك من بين صفوف رجال السلطة ... لكنك تتحدث كواحد منا ..."
نظر إليه نادر في ثبات لبرهة قبل أن يقول في هدوء :
ـ " أنا واحد منكم بالفعل ..."
ـ " كيف هذا؟ "
سأله نادر بغتة :
ـ " ماذا كنت قبل أن تلتحق بالسلطة أيها الضابط .؟ "
أجابه جلال في حذر :
ـ " كنت مدنياً من عامة الشعب ..."
ـ " وحينما كنت تنتهى من عملك اليومي أين كنت تذهب .؟ "
ـ " أعود إلى بيتي لأمارس حياتي العادية .."
ـ " وحينما تحال للتقاعد ماذا ستصبح ؟."
ـ " مواطناً من عامة الشعب ..."
ـ " هل تجد فارقاً ..؟ "
هنا سكت جلال .. ظل يتبادل النظرات مع نادر قبل أن يقول في خضوع :
ـ " لا أجد فارقاً أيها القائد ..."
وأرسل نادر نظرة إلى أبناء شعبنا وهو يهمس بثقة :
ـ " ولا أنا .."

***

ـ " كيف حالك يا سمكة ..؟ "
ضغط الأخير على أسنانه وهو يرد على نوسام عبر الهاتف :
ـ " نحن لم نتفق على هذا يا خواجة ؟.."
ـ " لا تسئ فهمى يا سمكة أرجوك..."
ضرب سمكة المائدة الصغيرة التي أمامه بقدمه وهو يزمجر :
ـ " جعلتني أشارك في إزاحة رجال السلطة ليركب الظلاميين أكتافنا.. لم نتفق على هذا يا خواجة.."
ـ " أرجوك أهدئ يا سمكة .. أنت رجلي الأثير في شرق المدينة ولن يمسك أحد بسوء .."
ـ " لماذا يا خواجة .؟ هل الظلاميون سيفرقون بين دمي ودم أي واحد أخر .. "
ـ " هذا هو ما أعدك به .. أنا الأن أحدثك في عمل .. ألا ترى أنني بحاجة إليك ولا أستطيع الاستغناء عن خدماتك ..."
حك سمكة ظهره بأظفاره الطويلة المتسخة وهو يفكر.. ثم قال بصوت لم يخلو بعد من رنة غضب :
ـ " أنا ما زلت رجلك في شرق المدينة..."
ـ " فتىً طيب..."
قالها نوسام ثم سكت هنيهة.. عاد بعدها ليكمل :
ـ " مهمتك تتعلق بذلك الشاب حديث الساعة عندكم.. ماذا يدعي ؟.."
ـ " نادر يا خواجة .. سيصعدون به للقمر عما قريب .."
ـ " لكنك ستجعل روحه تصعد إلى السماء قبلها يا سمكة .."
تقلص وجه سمكة وهو مستمر في حك ظهرة .. تباً لذلك البرغوث الذي...
ـ " عظيم يا خواجة .. لكن هذا الشاب يساوى الكثير بكل تأكيد ..."
جائه صوت نوسام مرحباً عبر الهاتف :
ـ " خمسون آلف ترللي ... بعد أن تقتله .."
ـ " مئة يا خواجة ... وقبل أن أقتله ..."

***

الشمس أجمل في بلادي من سواها والظلام..
حتى الظلام.. هناك أجمل فهو يحتضن الكنانة..