الموضوع: حق الاختلاف
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
13

المشاهدات
2252
 
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9


ياسَمِين الْحُمود will become famous soon enough

    غير موجود

المشاركات
35,006

+التقييم
5.46

تاريخ التسجيل
Oct 2006

الاقامة
قلب أبي

رقم العضوية
2028
10-12-2021, 06:53 PM
المشاركة 1
10-12-2021, 06:53 PM
المشاركة 1
افتراضي حق الاختلاف
لكل زمان أوهامه التي يبتدعها أناس وصلوا إلى حافة اليأس، بعد نضال مرير لا جدوى منه، أو أناس ارتاحوا إلى الكسل، وآثروا أن يعلقوا أخطاءهم على مشاجب الآخرين، أو أرادوا أن يحملوا أوزارهم إلى من يتوهمون أنه يخلصهم من الآثام التي اقترفوها…
بداية لابد من القول كما ذكرت في مكان ما ، أن الاختلاف حق مشروع، وهو مبدأ الحياة وأساسها، فلولا الاختلاف لما كان هناك تطور للحياة، بل لما كان لها استمرار
فاختلاف الجبل - مثلا- في ارتفاعه عن الأرض المنبسطة وعن الوديان، يساعد على تحريك الرياح، ودفعها وتغيير درجات الحرارة، وتدفق السيول، وجريان الأنهار، وما يتبع ذلك كله من سلسلة من أشكال الاختلاف والتغير، ومثل ذلك اختلاف الليل والنهار، والصيف والشتاء، واليابسة والبحار، والذكر والأنثى في الكائنات كلها من حيوان ونبات وإنسان، وقد أكّد ذلك كله الكثير من الآيات القرآنية الكريمة …
ولولا الاختلاف لما تطورت العلوم والنظريات ولظل كل شيء ساكنًا على ما هو عليه، ولفسدت الحياة، ومن ذلك مثلا اختلاف أرسطو عن أستاذه أفلاطون، فقد كان الأستاذ صاحب فلسفة مثالية، تقول بأن المعرفة تنبع من الذات في تأملها، كما تقول بأن الفنون والآداب هي محاكاة للواقع الذي هو محاكاة للمثال، وقد خالفه التلميذ فقال: بأن المعرفة تنبع من الواقع من خلال البحث فيه والتجريب، وبأن الفنون هي محاكاة لواقع، دون النظر إلى المثال، أو التفكير فيه، ومثلهما في الاختلاف ( هيغل) وماركس، فقد كان هيغل فيلسوفًا مثاليًا قال بتأثير الفكر للواقع، واختلف عنه ماركس فقلب المقولة، وجعل الواقع المادي هو الأول وقال بتأثيره في الفكر …
وفي عالم الآداب والفنون كانت الكلاسيكية في القرن السابع عشر هي المسيطرة على الآداب ولا سيما في فرنسا، وهي تقول بسيطرة العقل والبعد عن العاطفة والخيال، وتؤكد ضرورة وحدة النوع الأدبي، فلا يجوز مزج المأساوي بالملهاوي، وتدعو إلى التأنق في الأسلوب وكان من أبرز أعلامها في المسرح ( كورني) وراسين ، وجاءت من بعدها الرومانتيكية لتختلف عنها الاختلاف كله، فتنادى بالخيال المجنح، وجموح العاطفة، والانطلاق في رحاب الطبيعة الجميلة، بدلا من تقليد الآداب والفنون القديمة على نحو ما نادت الكلاسيكية…
ومن ذلك أيضا اختلاف يونغ عن أستاذه فرويد ، فقد قال فرويد باللاشعور الفردي، وجعل الليبيدو مقتصرًا على الدافع الجنسي وبه فسر التاريخ والعبقريات، وخالفه يونغ فقال بالاشعور الجمعي ووسع من مفهوم الليبيدو وجعله شاملا لأشكال مختلفة من اللذة، الجنس أحدها …
والأمثلة بعد ذلك على الاختلاف في العلوم والآداب والتاريخ والفلسفة كثيرة لا حصر لها ، هي التي تشكل في الواقع تاريخ تطور الفكر الإنساني…

ولكن ما طبيعة الاختلاف؟ وما دوافعه ؟ وكيف يكون ؟ وما أنواعه؟ وهل هو بنّاء دائمًا ؟
ومن الأسئلة التي طُرحت عليّ من قبل إحداهن …

إن لدى الذات الفردية دائمًا دافعين مختلفين، الأول دافع الاتفاق مع الآخر، والثاني دافع الاختلاف معه، وكلا الدافعان موجودان، وهما في حالة من الصراع الدائم، فالفرد يميل أحيانا إلى الاتفاق مع الآخر، كي يشعر بالانسجام مع الواقع الذي حوله والاتفاق معه، وهو شعور يمنحه الإحساس بالطمأنينة والراحة ، ويدرك أنه ليس وحده، وأنه قوىٌّ بالآخرين…

والفرد هو نفسه يميل أحيانًا إلى الاختلاف مع الآخر، كي يشعر بذاته، ويحس أن لديه وجوده الخاص به، وأنه مستقل عن الآخرين، وأنه ذو كيان متكامل، وهو إحساس يمنحه الشعور بالفخر والعزة والزهو، ومن هوا يأتي الفرد بأفعال ترضي الآخرين، كي يمنحوه حس الانتماء إليهم، والارتباط بهم، ويشعر نحوهم بالولاء، فيطمئن ويرتاح، وهو نفسه يأتي بأفعال تثير غضب الآخرين، ونقمتهم، كي يشعر بالتميز عنهم والاختلاف وهو شعور يثير لديه الإحساس بالعظمة والعبقرية …

ولربما طغى أحد الدافعين على الآخر، وبرز أكثر منه في بعض الأفراد، كطغيان دافع الاختلاف عند شخصيات الأدباء والشعراء والفنانين والعباقرة المبدعين…
مثال على ذلك طرفة بن العبد في العصر الجاهلي، فقد ثار على قبيلته، ورفض عاداتها، وكان له تفرده، وكان يسره ذلك التفرد، ويفخر به، ومن ذلك قوله :

ومازال تشرابي الخمور ولذتي
وبيعي وإنفاقي غطريفي ومتلدي
إلى أن تحامتني العشيرة كلها
وأفردت إفراد البعير المعبد


ومن ذلك أيضا المتنبي الذي كان يبحث عما هو غريب ونادر في لهجات القبائل العربية، فيبني عليها شعره، حتى يشغل به الناس،. هو يعي ذلك، ويفخر به فيقول :


أنام ملء جفوني عن شواردها
ويسهر الخلق جرَّاها ويختصمُ