عرض مشاركة واحدة
قديم 08-11-2011, 12:51 PM
المشاركة 8
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
وشــــــم العــــــائلة


دقت بقدميها على وتيرة اهازيج الفرح المقام على روحها, بينما تتماوح الاضواء الراقصة على ثوبها الاخضر اللامع وهى تدور مع أوانى الخضاب النازفة بالشموع حولها

تذكرته وهو يجلس على درجات السلم الرخامى فى الجامعة يسألها عن الوشم الذى يحتل ذقنها :-

اجابته ضاحكة :-

هو وشم العائلة ..تقليد مميز ..فى الصغر, يدق ثلاثون ابرة تترك ورماً قرمزياً تتحول للون الازرق بعد ثلاثة ايام

هتف فى غرابة:-
يا لالقسوة

قالت فى قوة :-

تراث ..الوشم يلحقنا حتى قبرنا

تدافعت النساء حولها فى صخب يصفقن وهى تدور وتخبط بقدميها الارض كنورية , تلطم بضافائرها العارمة وجهها فى قسوة علها تفيق من كابوس زفافها لكنها تغرق فى كابوس اخر

ظنت ان حب ابيها الجارف لها , يشفع لحبيبها حينما اتى يطلب يدها...لكن جدها الطاغية اجاب طلبه بان اعطاه الامان حتى يخرج من قريتهم عند غروب الشمس ..وكان الوقت قبل الغروب بقليل .. غادرها و تسابقت خطواته عبر الطريق الترابى مخلفاً وراءه كثير من الغبار كثير من الدموع وصوت جدها الظالم يصرخ فى أبيها الصامت:-

اخبرتك البنت عار من المهد للحد



حجلت بقدميها ودارت لهفى حول خصرها وقد تناثرت حبات العرق فوق خال وشمها ورنات الخلخال الثقيل تدوى فى اذنها. حينما أبصرت نور القمر المكتمل يطل عليها خجلاً غصت وهى تتذكر انه انطفأت على رحيله عشرة أقمار فى ارض اخرى

اشتعل آوار الحماسة حولها وطبول النار تدق رأسها وكفوف لاهبة تصوغ كفنها ..توقفت تلطم الصخب الهادر وكلمات تشق قلبها:-

البنت عار من المهد للحد.. البنت لابن عمها

حلت ضفائرها فصارت كغيمة سوادء امامها ثم نثرت التراب فوق الشموع واطفأتها

وقفت النسوة الطيبات حولها فى وجوم وغمغمن:-
طار عقل الفتاة ومصمصن الشفاه :-


المسكينة..الحمقاء


انسلت من بينهم كغزال طليق يناديها الليل النداء الاخير بينما يهرول فى اثرها ابن عمها الموتور


غسل الندى الغافى على اكمة الورود وجهها ... غرس الشوك النامى جسده ...أستيقظ الزرع الناعس على هزيز شعرها ييتطاير خلفها فى حبور ...داس فى طريقه الازهار الغضة وافزع فى سعيه الحقود فراشات الليل اللامعة فاطفات نورها بعد ان توجست الشر


توقفت تلتقط النسيم..توقف يتنفس الغضب ..رأها تداعب تحت ضوء القمر طائر غريرفلم تقهره البراءة تغلفها ولا التفاف الطائر الفضى حول رسغها يداعبها..نظر لرصاصته الكامنة فى عقله ولكن قلبه الاسود عنفه وقال :-


لا تستحقها


هجم عليها وزين بسكينه البارد جيدها البض بوشم اخر دموى.. إرتاع الطائر وطار صارخاً .. وقعت فاحتضنتها الارض الطيبة بينما افترش شعرها الارجوانى اللامع بماء الحياة اعراش النخل المنحنى..


طارت روحها شعاعين جزءً ليسكن قلب ابيها الخامل فتوقف عن النبض وجزءً ليعبر بحر لجى فاصل بينها وبين الحبيب وقد استيقظ وقلبه يعتصره الالم فى بلده البعيد و قبض كفيه بعنف ..توقف الألم ..فتح كفيه فوجد وشمها الدموى يحتله ...فانتحب فى صمت.



للكاتبة المصرية : روان عبد الكريم
بتاريخ : 17 - 09 - 2010