عرض مشاركة واحدة
قديم 02-19-2012, 09:04 PM
المشاركة 6
حميد درويش عطية
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
▂▃▅▆▇ العقوبة بعد العناية ▇▆▅▃▂
سورة المائدة / 111
إن الآيات الأخيرة من سورة المائدة معبرة جداً ومخيفة في نفس الوقت لأن هذه الآيات تتناول محاورة بين عيسى (عليه السلام ) وبين الحواريين
الذين كانوا من أقرب الناس إلى عيسى (عليه السلام ) والذين كانوا في حالة من الإلتصاق الشديد به ( عليه السلام )
ولكن مع الأسف يلاحظ بأن تربية عيسى (عليه السلام ) لم تؤثر في نفس الحواريين إلى الدرجة التي يريدها (عليه السلام )
فقد طلبوا منه عدة أشياء :
أولا : طلبوا مائدة من السماء
( إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء ) إن كلمة ( يَسْتَطِيعُ )
نوع من خلاف الأدب مع رب العالمين فلو قالوا : هل من المصلحة لهان الأمر وإنما قالوا : هل يستطي ؟
فكلمة السؤال عن الإستطاعة لم يكن سؤالا في محله ولهذا عيسى ( عليه السلام ) ( قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )
ثانيا : طلبوا أن يأكلوا منها فالآن بينوا السبب في طلب المائدة السماوية : ( قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا ) والأكل عبارة عن إشباع للذة البطن .
ثالثا : ثم قالوا : ( وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ ) إن هذا البيان فيه نوع من أنواع الكلام غير المتزن
فأول شيء قالوا : ( نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا ) ثم قالوا ( وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا ) فقد جعلوا الفائدة المادية للمائدة السماوية مقدَّمة على الإطمئنان القلبي
وهذه أيضاً من النقاط التي يمكن أن تؤخذ على الحواريين فالإنسان عندما يتعامل مع الله عز وجل عليه أن يقدّم البعد المعنوي على البعد المادي .
(قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) ما هو التعليق الإلهي ؟
(قَالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ) هنا السؤال : لماذا هذا التهديد بعد تنزيل المائدة ؟
إن الدرس العملي لجميع المسلمين في هذه المعادلة المهمة : إن إيمان الحواريين قبل إنزال المائدة كان إيماناً غيبياً وكان إيماناً بالله عز وجل وبقدرته
تعبداً واعتقاداً بما أخبرهم نبيهم روح الله وهو عيسى ( عليه السلام ) فهذا الإيمان التعبدي والإيمان الغيبي كان له قيمة متميزة
ولكن بعد إنزال المائدة أي أن تنزل مائدة من السماء فإنه من الواضح أنه إعجاز من قبل الله عز وجل فهذه المائدة سلبت ذلك الجو الغيبي
وهناك فرق بين مائدة مريم (عليه السلام ) وبين مائدة الحواريين : فمائدة الحواريين كانت بطلب من الحواريين
أما مائدة مريم ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً ) ولهذا المائدة السماوية لمريم لم تنقص من منزلتها عند الله عز وجل
بينما المائدة السماوية للحواريين تبعها تهديد ( إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِّنَ الْعَالَمِينَ )
فإذن إن ملخص ما تقدم هو : أن الإنسان المؤمن قبل أن يتمم الله - عز وجل - عليه الحجة وقبل أن يتجلى له وقبل أن يغدق عليه النعم قد يقبل منه اليسير
وأما المؤمن الذي توجه الله إليه بألطاف خاصة ووهب له الخشوع في الصلاة ورزق التوفيق لأداء بعض الطاعات كالحج والعمرة
ويرى نعم الله عز وجل عليه متواترة فإن هذا المؤمن إذا انتكس أو تراجع أو خالف فإنه يشمله ذلك التهديد الذي شمل الحواريين .
فالمؤمن الذي يرجع من الحج من أو من العمرة أو ينتهي من شهر رمضان ومن ليالي القدر أو ينتهي من صلاة ليل خاشعة ثم يخالف فمثله كمثل الحواريين
تلك مائدة تؤكل وهذه مائدة تدرك فعندما يعصي الإنسان الله - عز وجل - في يوم أحيا ليله بالعبادة يختلف عن يوم لم يوفق فيه للعبادة
ولهذا فإن المؤمن على وجل كلما رأى توفيقاً إلهياً في عبادة أو في تقوى أو في زيارة أو في شهر رمضان أو في ليلة قدر فإنه يعيش الخوف
ولهذا النبي صلى الله عليه وآله كان يقول : ( اللهم لا تسلب مني صالح ما أعطيتني أبداً .
اللهم لا تردني إلى سوء استنقذتني منه أبدا . اللهم لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبداً )
--------
منقول بتصرف
حميد
عاشق العراق
19 - 2 - 2012
الأحد 27 ربيع الأول 1433هج
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


معكم ألتقي ............ بكم أرتقي