عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
7

المشاهدات
1741
 
ثريا نبوي
المراقب اللغوي العام
الشعراء العرب

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية التميز الألفية الأولى القسم المميز شاعر مميز المشرف المميز 
مجموع الاوسمة: 8


ثريا نبوي will become famous soon enough

    موجود

المشاركات
6,120

+التقييم
4.79

تاريخ التسجيل
Oct 2020

الاقامة

رقم العضوية
16283
01-22-2022, 12:54 AM
المشاركة 1
01-22-2022, 12:54 AM
المشاركة 1
افتراضي تقديمي لديوان: أُجاجُ المسافاتْ .. للشاعرة خديجة قاسم
تقديمي لديوان: أُجاجُ المسافاتْ
للشاعرة خديجة قاسم

بسم الله أبدأ كلماتي، بل عَبَراتي على ضفافِ الشعرِ المكتوبِ مِن الشّريانِ في هذا الديوان؛ وكم حِرتُ كلما همَمْتُ بالبدءِ في التقديم؛ كيفَ أُكفكفُ دمعي الذي أثارتهُ وتُثيرُه القصائدُ الراعفةُ: وطنيةً وعِتابًا، ألمًا وأملًا وثَّابًا، حنينًا وشوقًا لا تخبو جَذوتُه إلى كل ذرةٍ مِن رَمادِ الوطن الذي أحرقوه بنارِ الاحتلال والخيانة، والتفريط والرضا بالدَّنيّةِ والمَهانة.
يقول الشاعرُ الأمريكيّ روبرت فروستْ:
"إذا لَمْ يَذرِفِ الكاتِبُ العَبَرَات، فلنْ يَذرِفَها القارِئ"

لَمْ يَخْفُتْ صوتُ القضيةِ إذَنْ، ولمْ تفقدْ وهجَها في قلبِ الشاعرة، وفي كل حرفٍ خطَّتْهُ في حواراتِها الذاتيةِ، وفي مُحاوراتِها المُسَهَّدةِ مع الرَّاصِدِ الفِضِّيِّ؛ حتى أصبح من اليسير على قارئها أن يُلقِّبَها معي بِـ "مُحاورة القمر".. تبُثُّه حَيرَتها وحنينَها الذي لا ينام، إلى أرضِ الوطنِ البعيدِ، القريبِ حدَّ سُكناهُ بقلبِها؛ رغم التُّخوم وأُجاجِ المسافات، وفي هذا يحضُرني قولُ شاعرٍ:

تَذكرْ قبلَ أن تغفو علىْ أيّ وسادةْ
أينامُ الليلَ مَن ذبحوا بلادَه؟

وقولِ شاعرٍ سوريٍّ:
لا يعرفُ الوجدَ مَنْ لمْ يفتَقدْ وطنًا ** وكيف يحتملُ الوجدَ الذي عرَفا؟

كمِ استوقفتني البلاغةُ في كل أنحاءِ الديوان؛ فشاعرتُنا مطبوعةٌ بالسليقةِ كالبُحتُريّ الذي عندما سُئِل أبو العلاء المعريّ عن شعراءِ العصرِ العبَّاسيّ أيُّهم أشعرُ؟ قال: المُتنبي وأبو تمام حكيمان، أما الشاعرُ فهو البُحتريّ! وأشهدُ أنني قرأتُ للكثيراتِ من الشواعرِ الفلسطينيات المُعاصِرات؛ لأقولَ بمِلءِ فمي: أمَّا الشاعرةُ فهي بكَّاءةُ القُدسِ خديجة، تلك التي تكتُبُ الوطنَ بهذا التبتُّل المُضرَّجِ بالدمعِ، المُحلِّق على جَناحَيِ الجمالِ والخيال!
قيلَ للشاعر العراقي أحمد مطر: لِمَ لا تكتُبُ شعرَ الغزل؟ فكتبَ في عِشقِ العراقِ قصيدةً كلما قرأتُها بكيت .. أليست هذه عبقرية الشعرِ الوطنيّ الذي أُصلِتَتْ يراعتُه في حب الوطن؟ وفي مَيدانِه صالتْ شاعرتُنا بنصالِ حروفِها الفارهات.
وهي فيما أهدتنا عَبْرَ امتدادِ إبداعاتِها لا تتكلفُ؛ بل تنزِفُ كلُّ جراحاتِها الوطنية من شرايين القصائد، فلا تتركُ لقارئها فُسحةً للالتفاتِ لغيرِ أُمِّ القضايا وأقدمِها، بلْ مُفتَتَحِ ضَياعِ مدائن العربِ والمُسلمين الذين لم يقرؤوا ما كتبه ابنُ المُقفّعِ في كتابِهِ: كليلة ودِمنة، تحت عنوان:"أُكِلتُ يومَ أُكِلَ الثورُ الأبيض" وهكذا كما يقولُ أحمد مطر: في البدءِ كان الخاتمة؛ إذ توالى سقوط المدائن بعد سقوطِ الخلافةِ العثمانيةِ، جزاءً لرفض السلطان عبد الحميد رحِمه الله، التفريطَ في القُدسِ غِرناطةِ العصرِ، بيْدَ أننا أضعناها، هذه العريقةُ العتيقةُ التي بناها العربُ اليَبوسِيّونَ منذ أربعينَ قرنًا قبل الميلاد؛ فإذا أضفنا عشرين قرنًا بعد الميلاد؛ صار عمرُ عروبتِها ستينَ قرنا، بل يزيدُ أيها المُرابونَ المُزايدونَ المُرجِفون، وإن كان هناك وجهٌ آخرُ لكل ما ضمَّهُ الديوانُ بين دفَّتيه؛ فهو قولُ أبي فراس الحمدانيّ:

لا تحسبوني أرقصُ بينكم طربًا**فالطيرُ يرقصُ مذبوحًا من الألمِ

تَنسِجُ شاعرتُنا قصائدها بحرفٍ من ألمٍ حدّ المعاناةِ والأرق، وحرفٍ من أمل؛ فلا تسمحُ لليأسِ بعِناقِ مشاعرِها وأشعارِها؛ فتستدعي المجدَ القديم ورموزَه، مُستنهضةً هِمَم الأبطالِ على طريقِ النضال، وهذا هو ديْدنُها وهي تبني ديوانَها لَبِنةً لَبنةً، في صبرٍ دءوب.

لعلَّ في هذه الإبداعاتِ والنداءاتِ بعضًا من نهجِ الشاعرةِ وقلبِها، وأنينِ جُرحٍ يأبى الالتئام؛ بل بعضًا مِن روحِها الوثَّابة ويقينِها الثابتِ بالله ووعدِهِ الحقِّ بانتصارِ الحقِّ، وإنَّ غدًا لناظرِهِ قريبُ
فإلى قراءةٍ مُمتعةٍ لنبضِ شاعرةٍ مُتوهجةٍ بالأملِ في عودةِ القُدسِ ونوارِسِها المُهاجِرة، مع الفجرِ الذي آنَ لهُ أن يعودَ بعدما ضلَّ الطريق.

ثريا نبوي
جوهانزبرج في 11 كانون الثاني 2022