عرض مشاركة واحدة
قديم 09-20-2010, 12:35 PM
المشاركة 38
أمل محمد
مشرفة سابقة من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
وكان إذا بكى خشع لبكائه الناس، وذرفت كل عين مخزونها، وأخرجت كل نفس مكنوناتها، فكأن نذر القيامة على الأبواب، وكأن رسل الموت وقوف على الرؤوس، فلا ترى إلا دموعا وخشوعا وخضوعا وإطراقا:{ أَفَمِنْ هَذَاالْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَاتَبْكُونَ (60)} النجم.

بادٍ هواك صبرت أن لم تصبر
وبكاك إذا لم يجر دمعك أو جرى

وكان إذا خطب هز المنابر، وأيقظ الضمائر، وحرّك السرائر، وألهب السامعين، وأذهل المخاطبين، فلو أن للصخر عينا لبكت، ولو أن للجدار نفسا لخشعت، ولو أن للأيام أذنا لأنصتت.

ليت للدهر مقلة فلعل الذكر
يبكيه مثلما أبكاني
بحديث يغوص في القلب غوصا
وعليه جلالة من معان

وكان إذا قاتل ثبت ثبوت الرجال، وتقدّم تقدّم السيل، وصمد صمود الحق {فَقَاتِلْ فِيسَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ}النساء 84.

فكان لا يعرف الفرار، ولا يسمع بالهزيمة ولا يستسلم للإحباط، محيّاه باسم والغبار يملأ المكان، وقلبه مطمئن والرؤوس تعاف الأبدا، ونفسه ساكنة والنفوس شذر مذر على رؤوس الرماح، وطلعته ضاحكة والسيوف تخطّ بالدماء حروف الموت{وَمَا مُحَمَّدٌإِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَانقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} آل عمران 144.

وقفت وما في الموت شكّ لواقف
كأنّك في جفن الردى وهو نائم
تمرّ بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضّاح وثغرك باسم

وكان إذا جاد بلغ المدى في السخاء، وفعل ما لم تفعله الأنواء، يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ويهب هبة من أرخص الدنيا وزهد في الحطام وعاف البقاء ورجا من الله الخلف.. يداه غمامة أينما هلّت، وكفّه مدرارا أينما وقع نفع، جاد بمهجته فعرّضها للمنايا في سبيل الله، وقدّمها لشفرات السيوف لرفع لا إله إلا الله، فما شجاعته إلا آية لجوده، وما إقدامه إلا برهان على سخائه:

أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة
أدّبت في هول الردى أبطالها
وإذا وعدت وفيت فيما قلته
لا من يكذّب قوله أفعالها





يتبع ...