عرض مشاركة واحدة
قديم 08-11-2010, 02:37 PM
المشاركة 21
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
الدلائل الاثرية تناقض قصة احتلال بني إسرائيل لارض كنعان بقيادة يشوع


اجرت مجلة "يو اس نيوز" الأمريكية اخيراً تحقيقاً عن الكشوفات الاثرية واثرها في تغيير مفهومنا عن الجانب التاريخي للاحداث التي ورد ذكرها في القصص التوارتية.

فظهر سؤال مهم يواجه الباحثين الاثريين : إلى أي مدى يستطيع المؤرخون الاعتماد على ما جاء في القصص التوراتية لتفسير التاريخ؟

ما الذي يمكن اعتباره منها تاريخياً، وما لا يجب اعتباره منها تاريخياً، وما لا يجب اعتباره دليلاً للمؤرخين؟

وبينما يرى بعضهم ضرورة الاعتماد على رواية القصص التوراتية لتفسير احداث التاريخ، يذهب بعضهم الاخر إلى ان العكس هو الصحيح، إذ يجب الاعتماد على الادلة التاريخية لتفسير قصص التوراة. ذلك ان اغلب ما نعرفه عن تاريخ بني إسرائيل مصدره الروايات الإسرائيلية نفسها، وهذه تعتمد على قصص قديمة ظلت تتناول شفاهة لقرون عدة قبل تدوينها. روايات تحمل التناقض في طياتها وتختلط فيها احداث التاريخ مع روايات الاساطير التي لا يمكن قبولها. ومنذ ان اصبح علم التاريخ يعتمد على الوسائل التكنولوجية الحديثة للتحقق من صحة الروايات القديمة، بدأت صورة جديدة تظهر امامنا لتاريخ بني اسرائيل. فارض فلسطين - مثلها في هذا مثل معظم الأرض العربية - خضعت منذ قرن من الزمان لمعاول رجال الآثار الذين اتوا من كل جامعات العالم، للحفر في ارضنا واستخراج بقايا العصور القديمة.

وبينما تؤكد الدلائل الأثرية الجو العام للحياة في العالم القديم بحسب ما ورد في القصص والرويات القديمة، الا انه لم يتم العثور على ادلة تتعلق ببعض الشخصيات والاحداث بالطريقة التي وردت في كتب العهد القديم.

وتتفق غالبية الآثاريين الان مع ما يقوله كينيث هولوم - استاذ الحفريات بجامعة مريلاند الأمريكية - من انه "لم يعد يهدف عملنا هو اثبات أو نفي صحة ما جاء في الكتب المقدسة، وانما هو مساعدة العلماء في فهم الثقافات القديمة، وكان فرع الدراسة المعروف بأسم "بيبليكال اركيولوجي" أو (حفريات الكتب المقدسة) بدأ منذ مئة عام، وكان هدفه الرئيسي هو مجرد العثور على بقايا اثرية تؤكد صحة ما ورد في التوراة. لكن الوضع تغير بعد الحرب العالمية الثانية، إذ لم يتم العثور على أي دليل يتفق مع بعض القصص التوراتية، مثل قصة يوسف الصديق أو قصية خروج بني إسرائيل من مصر أو غزوهم لارض كنعان. عندئذ صار اهتمام الاثريين هو محاولة التعرف على الجو العام - الاجتماعي والفكري - الذي كان سائداً في الوقت الذي تمت احداث القصص التوراتية. لهذا سادت بين المفسرين طريقة المزج بين القصص التوراتية ووقائع التاريخ في كتاباتهم، مثل ما حدث في قصص الافلام التي قدمتها هوليوود بعد الحرب العالمية الثانية عن احداث كتب التوراة، مثل فيلم "الوصايا العشر" للمخرج المشهور سيسيل دي ميل، حيث تم المزج بين قصة موسى كما وردت في سفر الخروج وبين وقائع التاريخ المصري في بداية الاسرة التاسعة عشرة، وفيلم "كوفاديس" الذي تم المزج فيه بين رواية الاناجيل ومصادر التاريخ الروماني.

وبحسب ما جاء في سفر التكوين - أول كتب التوراة الخمسة - فان بني إسرائيل هم سلالة يعقوب الذي يقال ان اسمه تغير بينما كان في "بيت ايل" - الواقعة غربي أريحا - قبل مولد آخر ابنائه بنيامين، فاصبح يدعى اسرائيل. الا ان بني إسرائيل يعتبرون ان جدهم الأكبر هو إبراهيم عليه السلام، جد إسرائيل نفسه. واختلف الباحثون في تحديد العصر التاريخي الذي عاش فيه إبراهيم بين 3000 و 1000 قبل الميلاد، ولكن الادلة الأخيرة تشير إلى ان عصره كان في القرن الخامس عشر ق.م وتمضي القصة التوراتية فتذكر - في سفر الخروج - كيف ان يعقوب وبنيه تركوا ارض كنعان إلى مصر عندما اصبح يوسف الصديق وزيراً في القصر الملكي المصري، وهناك عاشوا في منطقة أطلق عليها اسم " ارض جوشان" على الحدود الشرقية للدلتا - في شمال سيناء - إلى ان خرجوا منها مع موسى.

وفي العصر الحديث عندما بدأ المنقبون الاثريون يبحثون بين البقايا التاريخية عن ادلة تؤكد ما جاء بالقصص التوراتية، كانت المفاجأة انهم لم يعثروا على شيء مما توقعوا وجوده. فليس هناك بين بقايا العصور القديمة نقوش أو كتابات تحمل اسماء الاشخاص التي وردت في تلك القصص، كما لم يتم العثور على ما يؤكد حدوث العديد من الوقائع التي جاء ذكرها بها. لذلك ذهب بعضهم إلى القول ان هذه القصص إنما هي روايات اسطورية قديمة ليس لها اصل من التاريخ.

وليس هناك بين الانبياء سوى محمد رسول الإسلام الذي نعرفه من مصادر التاريخ. فهو عاش في القرن السادس للميلاد، رآه وتعامل معه اليهود والقبط والفرس الذين اخبروا عنه، كما ان اصحابه ورفاقه سافروا إلى خارج الجزيرة العربية ونقلوا قصته إلى البلدان التي فتحوها.

ومع هذا فان الغالبية من الباحثين تؤكد وجود اصل تاريخي للقصص التوراتية. فنحن لا نستطيع انكار وجود الشخصيات التي ورد ذكرها في الكتب المقدسة تاريخياً، وهناك العديد من الدلائل المتواترة التي تشير اليهم. وكما يقول البروفسور كينيث كيتشن استاذ المصريات في جامعة ليفربول الانكليزية، فان من دلائل صدق القصص التوراتية وجود تفاصيل كثيرة عن طريقة الحياة في عصورهم تتفق مع ما تم اكتشافه من الادلة الاثرية.

ومع ان قصة خروج بني إسرائيل من مصر أيام موسى تعتبر الركن الاساسي لكتابات العهد القديم، فليس هناك من الدلائل الاثرية ما يشير إلى هذا الحدث بالشكل الذي ورد في التوراة.

ونحن نجد هنا نموذجاً لفشل المؤرخين في العثور على الادلة التاريخية، بسبب اتباعهم التواريخ الخاطئة التي وردت في التوراة. فبينما تشير دلالة سفر الملوك الأول إلى ان خروج بني إسرائيل لا بد وأنه تم في منتصف القرن الخامس عشر قبل الميلاد - في وقت كان تحتمس الثالث جالساً على عرش مصر - فان سفر الخروج يدل على حدوثه في فترة لاحقة بعد ذلك بقرن أو اكثر، في أيام حكم رمسيس الثاني. وكانت المفاجأة عندما عثر الاثري البريطاني فليندرز بيري العام 1896 على لوحة مرنبتاح - ابن رمسيس الثاني - المعروفة باسم "لوحة اسرائيل" وهي الوثيقة المصرية الوحيدة التي جاء فيها ذكر "قوم اسرائيل".

وتبين انهم كانوا موجودين - عندئذ - في ارض كنعان، مما جعل ناحوم سارنا استاذ الدراسات التوراتية في جامعة ماساشوستس يقول ان خروجهم من مصر لا بد في هذه الحال وان يكون تم على الأقل قبل نصف قرن من عصر مرنبتاح.

وعندما نأتي إلى قصة غزو بني إسرائيل لارض كنعان، أو ارض الميعاد كما يسمونها، نجد ان الادلة التاريخية، ليس فقط لا تتفق مع هذه الرواية، وانما تتعارض معها بشكل تام، فبينما تقول القصة التوراتية انه بعد مرور اربعين عاماً من التيه في سيناء، سار ابناء إسرائيل شمالاً شرقي البحر الميت في الاردن، ثم عبرو نهر الأردن إلى كنعان (فلسطين) وقاموا بشن هجمات عدة وحاربو اهل البلاد إلى ان اخضعوهم، فان الادلة الاثرية لا تتفق مع هذه الرواية، بل تبين - كما يقول الدكتور وليام ديفير استاذ الدراسات الشرقية في جامعة اريزونا - ان كل المدن التي تقول الرواية التوراتية انها دمرت أو احرقت على يد جحافل بني إسرائيل "لم تكن حتى مسكونة في تلك الفترة وليس هناك ما يشير إلى دمارها".

وتبين من البقايا الاثرية ان دخول القبائل الإسرائيلية إلى كنعان لم يحدث قبل القرن الثالث عشر السابق للميلاد، وانه كان على شكل تسلل كل قبيلة على حدة، لتستقر في الاماكن غير الآهلة، أو بالقرب من مدن الممالك الكنعانية فلم تكن هناك اية حروب ولا تعرض اهل هذه البلاد الكنعانية إلى أي هجوم شامل في تلك الحقبة من الزمان وبينما يقول سفر يشوع ان مدينة أريحا - ذات الاسوار العالية - سقطت في أيدي بني اسرائيل، لما داروا حولها سبع لفات مهللين ومزمرين، فان الاثرية البريطانية كاثلين كينيون اثبتت ان أريحا واسوارها كانت دمرت عن آخرها قبل ذلك بما يزد على مئتي عام، ولم تكن عندئذ الا اطلالاً غير مسكونة. وبينما تقول رواية سفر يشوع انه بعد سقوط أريحا سار يشوع على رأس بني إسرائيل غرباً إلى مدينة أخرى تسمى "عاي" فدمرها بعد ان قتل سكانها عن آخرهم، فان دلائل البقايا الاثرية تؤكد ان هذه المدينة - مثلها مثل أريحا - كانت في تلك الفترة خراباً ودمرت في العصور السابقة، ولم يعد لها وجود منذ قرون قبل عصر بني إسرائيل، كما يؤكد الدكتور لزلي هوب الاستاذ المساعد لدراسات العهد القديم بمعهد "كاثوليك تيولوجيكال يونيون" في شيكاغو.

ولا يزال الغموض يسود الرحلة التي قال كتبة التوراة ان بني إسرائيل استطاعوا فيها تكوين مملكة عظيمة - في عهد داوود وسليمان - تمتد حدودها بين النيل والفرات. وترجع هذه الفترة، التي ورد ذكرها في اسفار صموئيل والملوك واخبار الايام، إلى اوائل القرن العاشر قبل الميلاد.

ولم يتم العثور حتى الان على أي دليل اثري يرجع إلى هذه المملكة، كما لا يوجد ذكر في مصادر الشعوب المجاورة مثل مصر وبابل وفينيقيا وسورية والاناضول عن هذه المملكة. وهناك من الباحثين من يقول ان اخبار مملكة داوود هذه إنما كانت رواية اسطورية ليس لها اصل من التاريخ. ولم يرد اسم داوود في أي من المصادر التاريخية، الا ما ذكره الاثريون والإسرائيليون اخيراً من انهم عثروا منذ عامين على اثر محطم في شمال البلاد، يحمل نصباً باللغة الآرامية يذكر "هزيمة آل داوود" امام ملك دمشق. ومع انه من الواضح ان آل داوود في هذه الحال كانوا قوماً ضعفاء حتى يهزمهم ملك دمشق، الا ان هناك بين الباحثين الإسرائيليين أنفسهم من لا يعتقد بوجود أي علاقة بين هؤلاء القوم وبين داوود الملك الذي وردت قصته في سفر صموئيل. كما لم يعثر المنقبون على اية بقايا ورد فيها - ولو بشكل غير مباشر - ذكر الملك سليمان ومملكته.

وفي الوقت نفسه تم العثور على بعض البقايا التي تؤكد ان بني إسرائيل كانوا ارتدوا عن ديانة موسى التوحيدية بعد موته. فقد ظهرت معلومات جديدة تشير إلى ان "يهوه" - معبود العبرانيين - كانت له زوجة اسمها عشيرة. وعثر المنقبون الإسرائيليون عند "كونتيلة عجرود" في جنوب فلسطين على رسم يمثل معبودات وفوقه نص يقول "ليرحمك يهوه وعشيرته". كما ان الكتابات العبرانية التي عثر عليها في جزيرة فيلة المواجهة لمدينة اسوان بصعيد مصر، والتي كان يسكنها اقوام يهودية في فترة الحكم الفارسي وحكم البطالمة، تذكر "عشيرة" على انها زوجة ليهوه، والمعروف ان "عشيرة" هذه كانت معبودة انثى لدى الاقوام الوثنية في كنعان. ولم يرجع بنو إسرائيل إلى الاعتقادات التوحيدية الموسوية الا بعد ان اقام الكهنة الديانة اليهودية عندما سباهم نبوخذ نصر إلى بابل، في القرن السادس قبل الميلاد.

كما انه لم يتم العثور على اية دلائل تاريخية تتعلق بموقع ميلاد السيد المسيح في بيت لحم ولا مكان موته في القدس، ولم ترد أية إشارة اليه في كتابات المعاصرين لبداية العصر الميلادي سواء في الأراضي الفلسطينية، أو في كتابات المصريين والرومان، ومن المؤكد ان الحجاج المسيحيين الاوائل كانوا يأتون من جميع انحاء العالم - بما في ذلك ارض فلسطين نفسها - لزيارة جبل موسى في سيناء الذي كان ظهر اسفله العديد من الاديرة الصغيرة واصبح مسكناً للرهبان. ولم تتحول الزيارة إلى بيت لحم والقدس الا منذ النصف الثاني للقرن الرابع، بعد ان اعتنقت روما الديانة المسيحية وبعد ان قام كهنتها ببناء الكنائس في هذه المناطق.

ولهذا فان الاتجاه السائد بين الباحثين الان هو عدم الاخذ بالتفسير الحرفي للروايات القصصية التوراتية، واعتبارها ترمز إلى دلالات ذات طبيعة روحية. فليس هناك بينهم الان من يصدق ان قبائل بني إسرائيل قامت بغزو ارض كنعان بقيادة يشوع خليفة موسى، بعد خروجهم من مصر، وان كان بعضهم لا يزال متمسكاً بفكرة الامبراطورية الإسرائيلية التي اقامها داوود بين النيل والفرات، لاسباب دينية أو سياسية فقط فليس هناك من دلائل التاريخ ما يدعمها




....... يتبع