عرض مشاركة واحدة
قديم 08-23-2010, 11:53 PM
المشاركة 30
ناريمان الشريف
مستشارة إعلامية

اوسمتي
التميز الألفية الثانية الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى الوسام الذهبي 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي
المشهد العاشر
( هاذم اللذات ومفرق الجماعات )


في هذه الحلقة سنعرض لكم المشهد العاشر
من مشاهد الرحلة الى القبر

= الموت هادم اللذات وهازم اللذات ومكدر اللذات
انه يهدم ويهزم ويكدر كل لذة قد يشعر بها الانسان في شريط حياته –

فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه كان في بيت بعض نسائه اذ سمع صوتا في مجلس من مجالس اصحابه – وقد استعلى على حديثهم الضحك-
فخرج عليهم صلوات الله وسلامه عليه حتى قام على رؤوسهم
فقال : أرى الضحك قد غلب على مجلسكم هذا –
أفلا تذكرون مكدر اللذات في أثناء حديثكم ؟
قالوا: وما مكدر اللذات يا نبي الله؟
قال : ذكر الموت فبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأجمعهم .

فاذا كان أصحاب رسول الله مصابيح الاسلام
وقادة الأنام قد تحول ضحكهم الى بكاء من هول يوم الحمام

أصحاب الرسول صلى اللله عليه وسلم
يخافون الموت ويبكون هلعا وذعرا

وهم الذين قضوا أعمارهم في طاعة الله
وقطعوا أيامهم في العمل بالسنة والاحكام –

فكيف بنا وقد تمادينا بالمعاصي والآثام

الموت في كل حين ينشر الكفنا ** ونحن في غفلة عما يراد بنا

لا تطمئن الى الدنيا وزهرتها ** وان توحشت من أثوابها المحنا

أين الاحبة والجيران ما فعلوا ** أين الذين همو كانوا لنا سكنا

سقاهم الدهر كأسا غير صافية** فصيرتهم لأطباق الثرى رهنا

= الموت ليس فقط هازم اللذات
انه مفرق الجماعات أيضا –
فكم فرق أحبة وكم باعد بين أصدقاء وكم شتت أم عن ولدها وأب عن ابنته
وكم من جماعة فرق بينهم

فالبعض فوق التراب والبعض تحت التراب
فرق جمعهم وشتت شملهم
وكم يتم اطفالا – ورمل نساء ورجالا

هذا هو الموت الذي نسيتموه
تجمعتم واحتفلتم ونسيتم أنه يفرق ويمزق 0

= يروى أن سعيد بن المسيب دخل يوما مسجد رسول الله
صلى الله عليه وسلم فجعل يلتفت في أركان المسجد
يتفكر فيمن أدرك من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
ثم بكى وأنشد :

ألا ذهب الحماة وأسلموني ***فوا أسفا على فقد الحماة

فأجابه هاتف من ركن المسجد بصوت محزون
ومن كبد مشجون وهو يقول :

فدع عنك الثقاة فقد تولوا *** ونفسك فابكها حين الممات

فكل جماعة لا بد يوما *** يفرق بينهم وقع الشتات

فقال سعيد : من أنت فقد زدتني حزنا على حزن ؟
فقال : أنا من مؤمني الجن كنا في هذا المسجد سبعين رجلا

فأتى الموت على جماعتنا كما أتى على جماعتك
ولم يبق منهم غيري كما لم يبق غيرك من الانس
وانا بهم لاحقون
فانا لله وانا اليه راجعون

جرت الرياح على جميع ديارهم*** فكأنما كانوا على ميعاد
فأرى النعيم وكل ما يلهى به*** يوما يضير الى بلى ونفاد


والآن لا بد أن تسأل نفسك : لمن أجمع مالي ؟
لم لا أتصدق بها ؟
لمن أبني وأعلي في البنيان ونهايتي بيتا تحت الأرض
لا تتجاوز مساحته مترا في مترين

ماذا ستفعل في الشهادات والشركات ؟

هل تغنيك عن سؤال القبر؟

هل أموالك التي جمعتها ستجيب عنك
أم هل ستدفع عنك الشجاع الأقرع ؟
هل توسع عليك القبر ؟
وهل تنير ظلمة القبر؟
هل تدفع الدود الذي أول ما يبدأ بالأكل يأكل الحدقتين
بالتأكيد لن تغنيك
والآن
ارجع بذاكرتك الى الوراء
وعد على أصابعك كم من الناس ماتوا وهم في آخر مرحلة
من مراحل انجاز مشاريعهم الضخمة
كم من الناس ماتوا وهو يعدون أملاكهم
ويحسبون حساباتهم المالية

وكم من الناس ماتوا بسب ضغط العمل الدنيوي الفاني

يا أيها الناس كان لي أمل*** قصر عن بلوغه الأجل
ما أنا وحدي نقلت حيث*** تروا كل الى مثله ينتقل
فليتق الله ربه رجل *** أمكنه في حياته العمل



فهذا الشاب كان له أمل
ولكن الأجل حال دون تحقيق الأمل

وهذا الشاب لم يبق لديه سوى يوم واحد
ويناقش رسالة الدكتوراة
فيأتيه الموت يتخطفه ليلا ولا يستفيق أبدا

وهذ ا آخر بنى بيته وعمره وأثثه بأجمل الأثاث
ولكنه لم يسكنه ولم يستمتع بما شيد وعمر
لأن ملك الموت كان ينتظره حتى يفرغ من بناء بيته

وآخر جهز جهاز عروسه وحضر بدلة العرس
وحجز الصالات ونحر المواشي للمدعويين
ومات من ليله ولم يصبح فتزفه أمه الى القبر
وبدلا من أن يقام الفرح أقيم المأتم – وغيره وغيره

هذه هي الدنيا : حلالها حساب وحرامها عقاب

عسلها مشوب بسُم
وفرحها موصول بغم
وسعادتها مذيلة بهم
بالله عليك أليست دنيانا هكذا تعطي ومع العطاء تأخذ

فلو يكن شيء سوى الموت والبلى ** وتفريق أعضاء ولحم مبدد
لاشتغلت دوما يا ابن آدم بالبكا **على نائبات الدهرمع كل مسعد


= ورحم الله القائل : الدنيا دار قلق
رغب عنها السعداء
وانتزعت من أيدي الأشقياء
فأشقى الناس بها أرغب الناس فيها
وأزهد الناس فيها أسعد الناس بها

هي الغواية لمن أطاعها
المهلكة لمن اتبعها
الخائنة لمن انقاد لها-
علمها جهل
وغناها فقر- وزيادتها نقصان وأيامها دول.


= أما الحسن البصري يرحمه الله أوصى رجلا فقال له :
أما بعد قاني أوصيك بتقوى الله والعمل بما علمك الله
والاستعداد لما وعد الله مما لا حيلة لأحد في دفعه
ولا ينفع الندم عند نزوله
فأحسر عن رأسك قناع الغافلين
وانتبه من رقدة الجاهلين وشمر الساق
فان الدنيا ميدان مسابقة والغاية الجنة أو النار

= فاذا حلت بك السعادة فلا تغتر بالدنيا
وتطمئن وتنسى الموت
واذا حل بك الشقاء فلا تيأس ولا تقنط -

= والقبر دار وسطى بين الحياة والموت
يقضي فيه الانسان ميتا حتى قيام الساعة
ينتظر فيه نفخة البوق حيث تعود الأرواح الى الأجساد
وتقوم الناس من قبورها للوقفة بين يدي رب العزة ل
يحاسب المرء فيها على الكبير والصغير
فقل لنفسك ما قال هذا:

اعمل لمثواك في الضريح *** واندم على فعلك القبيح

ولا تقصر وفيك روح *** فسوف تبقى بغير روح

واقرح الخد من دموع *** بالجد من قلبك القريح

والتمس الصفح قبل يوم*** تنقل فيه الى الصفيح

يا نفس اني غدا طريح *** والتراب يحثى على الطريح

نوحي فلو قد حواك قبر*** لم تقدري فيه أن تنوحي

= فاللهم أحسن خاتمتنا ولا تجعل الموت مفرقا لجماعتنا
إلا على خير يا أرحم الراحمين
وأحسن مساعينا
وأحسن خاتمتنا
وهون علينا الموت وشدته والقبر وظلمته
برحمتك يا أرحم الراحمين

ألقاكم غدا في المشهد التالي
من مشاهد الرحلة الى المقابر

هذا إن عشنا ليوم الغد

لا تنسوني من الدعاء


....... يتبع