عرض مشاركة واحدة
قديم 03-17-2024, 04:14 AM
المشاركة 7
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: كتاب فِـقْـــه السُـنّة في النجاة من الفتن وأحداث آخر الزمان

الفصل الثاني:
كيف ينجو المسلم إذا أراد النجاة؟!

رغم أننا نعيش بالفعل في عصر آخر الزمان وفي زمن الفتن والتفرق والتفكك، وتحققت بالفعل عشرات العلامات التي أخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام عن علامات الساعة الصغرى
ورغم أن عصر الفتن هو عصر الهلاك والضياع وقل من يبلغ فيه درجة النجاة بنفسه،
إلا أن الله عز وجل برحمته المطلقة حدد لنا طُرقا ميسورة لمن أن ينجو بنفسه من الفتن، ويحافظ على الحد الأدنى من التقوى، خاصة وأن الأوبئة وانتشار موت الفجأة قد تحقق بالفعل.
ومن الذكاء الإيماني أن يحدد الإنسان هدفه وفق طبيعة عصره.
فالطموحات في زمان الخير تختلف عن الطموحات في أزمنة الفتن، والذكاء الإيماني يقتضي منا أولا أن نبحث عن سبيل النجاة من النار، قبل أن نبحث عن السبيل إلى الجنة
لأن الله تعالي سَيُخرج من النار كل من كان في قلبه ذرة من إيمان، وهذا معناه أن هؤلاء المؤمنون العصاة سيدخلون النار أولا قبل أن تدركهم رحمة الله تعالي فيخرجون منها ولا يبقي فيها إلا أهل الشرك والنفاق.
لهذا فالتركيز والاهتمام الأكبر لأي إنسان ينبغي أن يَنْصَب ويتركز على الطرق التي تجعله ينجو من النار حتى لو كان حسابه يوم القيامة قد أفضي به إليها؟!

ولكن هل فعلا من الممكن أن ينجو الإنسان من النار ولا يدخلها، حتى لو جاءت نتيجة الحساب بأن موازين سيئاته تعلو على موازين حسناته؟!
والجواب نعم بالطبع.
فهناك من ستعلو موازينه من السيئات ويذهبوا به للنار ولكنه سيكون ضمن الزمرة التي حَرّم الله عليها النار، لأنه تحققت فيه شروط العتق من النار وبالتالي لن يدخلها
والكارثة أيضا أنه هناك من ستعلو موازين حسناته ويذهبون به الجنة ولكن لن تقبله الجنة لأنه مُحَرّم عليها بعد أن تحققت فيه شروط التحريم ــ نسأل الله النجاة لنا ولكم ــ وبالتالي لن يدخلها.

لهذا فالخطوات المنطقية التي ينبغي أن يتبعها المرء يجب أن تكون مرتبة ترتيبا دقيقا كالتالي:
أولا: بالبحث عن سبيل النجاة من الخلود في النار
ثانيا: بالبحث عن سبيل العتق من النار بأن يكون ضمن السعداء الذين حَرّم الله عليهم النار
ثالثا: بأن يسلك سبيل النجاة من الأفعال التي تُحَرّم عليه دخول الجنة
رابعا: بأن يطبق وصايا النبي عليه السلام للنجاة بدينه في عصر الفتن


وتفصيل العناصر الأربعة كالتالي:
العنصر الأول:
وهو النجاة من الخلود في النار فيكون بالابتعاد عن طريق الشرك بكافة أنواعه، سواء كان الشرك الأكبر المعروف أو الشرك الأصغر المتمثل في الرياء
وذلك مصداقا لقوله تعالي:
[إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا]
والآية الكريمة واضحة لكل ذي عينين.
وعلى كل عاقل أن يبحث ويجتهد في أن يتعلم الحد الأدنى من علم العقيدة كي يدرك مفهوم الشرك وأنواعه وكيف يقع، كما عليه أن يكثر من الدعاء ألا يشرك بالله شيئا مما يعلم أو لا يعلم
وهذا أمر منطقي لكل عاقل كما قلنا لأن سبيل للخلود في النار فليس هناك ما هو أكثر ضرورة من ضرورة العلم بأبعاد الشرك وأنواعه
والشرك الأكبر معروف ونادرا ما يقع فيه المسلم العاقل ألا وهو إشراك العبادة لأحد مع الله تعالي، وهو أمر واضح جلي لا يقع فيه إلا من طمس الله بصيرته، وقد وقعت بعض طوائف الأمة في الشرك الأكبر، لكنه بشكل عام فإن العامة والغالبية من المسلمين لم يقعوا فيه نظرا لوضوحه
وهذا هو الشرك الذي عناه النبي عليه السلام في حديثه:
(وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا)
وكما قلنا،
ليس معني الحديث أن أمة الإسلام بأكملها معصومة من الشرك الأكبر، لكن معناه أن الشرك الأكبر لن يكون عَامّا في الأمة كلها، وهو ما أوضحه النبي عليه السلام في أحاديث أخري مثل قوله عليه السلام:
(عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الْخَلَصَةِ)
و(دوس) إحدى قبائل العرب، و(ذي الخلصة) كان اسم الصنم الذي يعبدونه في الجاهلية، ومعنى الحديث أن هذه القبيلة ستعود لعبادة الأصنام في زمن ما قبل يوم القيامة.
كذلك قوله عليه السلام:
(لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى تُعْبَدَ اللَّاتُ وَالْعُزَّى. فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأَظُنُّ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ:
"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ"
أَنَّ ذَلِكَ تَامًّا؟
قَالَ إِنَّهُ سَيَكُونُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَوَفَّى كُلَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيَبْقَى مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ فَيَرْجِعُونَ إِلَى دِينِ آبَائِهِمْ
)
ومعنى الحديث أنه بعض قبائل العرب ستعود لعبادة الأصنام نفسها التي عبدها مشركو مكة قديما!

وبناء عليه فإن الشرك الأكبر بعبادة الأصنام، والذبح لغير الله والنذر لغير الله وطلب الاستعانة من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، وإن كان متحققا إلا أنه ليس طريقا عاما للأمة، وليس هذا النوع من الشرك خافيا على الإدراك حتى يحتاج شرحا وإيضاحا
لكن الخوف الحقيقي من نوعين من الشرك كلاهما يُعتبر شركا خفيا يمكن للإنسان الوقوع فيه تحت مختلف المؤثرات
النوع الأول وهو شرك مُلْحق بالشرك الأكبر وهو (القول على الله بغير علم) ونَصّت عليه آيات القرآن الكريم صراحة:
[قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ] {الأعراف:33}
ولنتأمل الآية الكريمة السابقة بتدبر شديد.
فالله عز وجل حذرنا من جُملة الفواحش والمعاصي وذكرها، ثم ختم بِأَشَدّها وهو الشرك بغيره، وألحق به القول على الله بغير علم!
وعندما يعلم القارئ أن القول على الله بغير علم، معناه أن تتدخل فتفتي الناس وتفسر القرآن أو تشرح أحاديث النبي عليه السلام على غير حقيقتها، فهذا معناه أنك قد تَقَوَلت علي الله ونسبت له ما لم يشرعه.
وهذا الأمر منتشر انتشارا رهيبا في أيامنا هذه ووقع فيه ــ ليس الجهلة فقط ــ بل وقع فيه أكاديميون ومتخصصون خرجوا على الناس ونسبوا للقرآن والسنة ما لم يقل به عز وجل، بل قالوا بعكس ما قال الله، تحت زعم الاجتهاد والتجديد وتحققت على أيديهم نبوءة النبي عليه السلام عندما قال:
(إنَّ اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزعُهُ منَ النَّاسِ، ولَكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العُلماءِ، حتَّى إذا لم يترُك عالمًا اتَّخذَ النَّاسُ رؤوسًا جُهَّالًا، فسُئلوا فأفتوا بغيرِ عِلمٍ فضلُّوا وأضلُّوا)

فهؤلاء الرؤوس الذين يُفتون بغير العلم الصحيح ويُحَرّفون كلام الله عن مواضعه جعل الله فعلهم هذا من أشد أنواع الشرك الأكبر!
لأنهم يخرجون وبمنتهي الجرأة فيغيروا ثوابت القرآن وينكرون السنة المشرفة بأكملها، أو ينكرون بعض الفرائض مثل الصيام والصلاة، ثم يقولون إنهم يقدمون الفهم الصحيح للقرآن تحت زعم الاجتهاد والتجديد!
يقولون هذا رغم أن أبا بكر الصديق نفسه قال:
(أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللهِ مَا لاَ أَعْلَمُ)
والعاقل من يستبصر الطريق لنفسه، لأنه إن اتبع هواه، واتبع أقوال هؤلاء لن ينفعوه يوم القيامة، ولن ينفعوه يوم تجادل كل نفس عن نفسها، ولن تكون له حجة أمام الله أنه اتبع أقوالهم فأضلوه، مصداقا لقوله تعالي:
[وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا(67) رَبَّنَا آَتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العَذَابِ وَالعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا(68)]. {الأحزاب}.
وهكذا كان الرد الإلهي عليهم وعلى سابق الأمم ممن اتبعوا كبراءهم في قوله تعالي في موضع آخر:
[رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآَتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ] {الأعراف:38}

والنوع الثاني وهو الشرك الأصغر الخفي (الرياء) وهو الذي ورد فيه حديث النبي عليه السلام:
(عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-ذات يوم فقال: (أيها الناس اتقوا هذا الشرك؛ فإنه أخفى من دبيبِ النمل)
والرياء اعتبره العلماء من الشرك الأصغر، لأنه يحتوي على عدم إخلاص النية في العمل لوجه الله، وطلب السمعة والشهرة بما يفعله المرء من الصالحة، والله عز وجل لا يقبل من العمل إلا خالصا، كما ورد في الحديث القدسي
(أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه)
وكذلك ورد في الموسوعة العقائدية تفصيل هذا الأمر:
(عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتذاكر المسيح الدجال،
فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟
قال: فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك الخفي
)
أما كونه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر، فلما قال (عبد الله بن مسعود) – رضي الله عنه -:
"لأن أحلف بالله كاذباً أحب إليَّ من أن أحلف بغيره صادقاً"
ووجه الاستدلال:
أن الحلف بالله كاذباً كبيرة من الكبائر، لكن الشرك أكبر من الكبائر وإن كان أصغر، وإلا لما أقدم عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-لأن يقول مثل هذا القول الذي فيه إقدام على ارتكاب الكبائر، والله أعلم

ولسنا بحاجة إلى القول إن الرياء والشرك الخفي هو أشد أنواع الشرك انتشارا بين الناس، في كافة أعمال الطاعات بالذات في الصدقات ومعاونة الفقراء والمحتاجين الذين يتم إذلالهم وتصويرهم بالصوت والصورة لصنع سمعة لمن يؤدي إليهم حقوقهم في الزكاة والصدقات!
هذا بخلاف ما تسببت فيه مواقع التواصل الاجتماعي من البحث الحثيث عن الشهرة والسمعة بأعمال الفرائض من الحج أو العمرة وغيرها إلا من رحم ربي!

ويلتحق بالشرك أيضا كل أفعال السحر والشعوذة، وتعليق الأحجبة والتمائم والتولة، واللجوء للمنجمين والسحرة لمعرفة الطالع والمستقبل!
كل هذه الأفعال ــ بنصوص القرآن والسُنة وإجماع العلماء ــ هي من الشرك وأفعال الكفر.
فقد جاء في الحديث الشريف.
(من أتى عَرّافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما)
وفي قوله عليه الصلاة والسلام:
(من أتى عرافًا أو كاهنًا، فصدقه بما يقولُ؛ فقد كفر بما أُنزل على محمدٍ)
وقوله عليه الصلاة والسلام:
(ليس منا من تَطَيّر أو تُطِيّر له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له؛ ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ)
والتَطَيّر هو التشاؤم من أمر ما وربط ظاهرة معينة أو حدث معين بالفشل في عمل مستقبلي أو نحوه، والتكهن هو اللجوء للعرافين في استشارتهم بشأن أمر معين وتصديقهم في منعه أو المضي فيه، والسحر والكهانة معروفان.
وأما عن التمائم والأحجبة فقد جاء فيها قول النبي عليه السلام:
(من تعلَّقَ تميمةً فلا أتمَّ اللهُ له ومن تعلقَ ودعةً فلا ودعَ اللهُ له وفي روايةٍ أخرى: من تعلَّقَ تميمةً فقد أشرك)
وهذه دعوة نبي مرسل، ولا شك أنها مستجابة، وبالتالي فكل من لجأ إلى التمائم والودع، لتحقيق الحماية أو بلوغ هدف ما، فلن يبلغ هدفه قط فضلا على أنه سيكون قد وقع في الشرك بفعلته!
ومن الغريب أن البعض يعلق التمائم والأحجبة ويحتج بأنه يلجأ للأحجبة التي بها آيات القرآن الكريم، وهذا من التلبيس، لأن التمائم والأحجبة المصنوعة من لغات السحرة، وأيضا تلك التمائم والأحجبة المحتوية على القرآن الكريم كلها لها نفس الحكم
لأن القرآن الكريم أنزله الله للحفظ عن طريق التلاوة والتدبر والتعبد به وليس عن طريق كتابته في ورقة مطوية يتم تعليقها في الجسد أو الأشياء المملوكة للإنسان بنية الحفظ!
فالقرآن الكريم أنزله الله تعالي وشرع التحصن به من أفعال الشيطان والحسد والسحر عن طريق قراءة سورة (البقرة) في المنزل فتحفظ البيت وأهله لثلاثة أيام لا يدخله شيطان بنص الحديث الشريف.
(إن لكل شيء سنامًا، وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلًا، لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليالٍ)
هذا فضلا على (الرقية الشرعية) بقراءة المعوذتين والإخلاص وآية الكرسي وخواتيم البقرة وآل عمران، والأذكار النبوية الصحيحة الثابتة عن النبي عليه الصلاة والسلام

فهذا هو ما شرعه الله لتحقيق الحماية والتحصين، من كل الآفات والشرور، أما اللجوء لأعمال السحرة والمشعوذين والتمائم والرُقَي غير المشروعة فكلها من البدع القادحة في صحيح الإيمان، ولا يمكن أن يلجأ إليها مسلم فتنفعه مصداقا لقوله تعالى:
[وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى المَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ] {البقرة:102}

وهذه الأمور منتشرة انتشارا رهيبا ــ بالذات في المجتمعات القروية ــ كما ينتشر اللجوء للسحرة وقراء الطالع في مجتمعات المدن بل وحتى في الإعلام والفضائيات!
ففي أول كل عام ميلادي تتنافس القنوات الفضائية في استضافة الدجالين والمشعوذين لقراءة الحظ في العام الجديد، والمثير للسخرية أن من يقومون باستضافتهم إعلاميون يُفْترض فيهم أنهم من كبار الصحفيين ودعاة التنوير!
فتخيلوا المسخرة عندما يخرج هؤلاء على الناس فينكرون أحاديث النبي عليه السلام وينتقدونها تحت مبرر التجديد واستخدام العقل، وفي نفس الوقت يجالسون أصحاب قراءة الطالع والحظ!
وكل هذه الأمور حُكْمُها واضح لكل مسلم عاقل قرأ القرآن ولو مرة واحدة في حياته، وهي من الشرك قطعا لأنها لجوء لغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله وهو المستقبل والأقدار
ولسنا في حاجة إلى أن نقول بأن الأقدار والمستقبل بيد الله وحده، ومجرد الاعتقاد أو الظن بأن هناك من السحرة والمنجمين من يستطيعون معرفتها أو تغييرها فهو شرك صريح وتكذيب للقرآن الكريم الذي نَصّت آياته على أن المستقبل والقدر بيد الله وحده
يقول تعالى:
[وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ] {الأنعام:59}
ويقول عز وجل:
[وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الغَيْبُ للهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ المُنْتَظِرِينَ] {يونس:20}
فهل هناك بعد قول الله تعالى قول؟!
وعندما يقول الله عز وجل (إنما الغيب لله)، فهل هناك مؤمن بالقرآن يستطيع أن يقول العكس؟!