عرض مشاركة واحدة
قديم 06-22-2016, 02:27 AM
المشاركة 47
ياسر علي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
تسع سنوات مضت منذ أن أرغمت على الجلوس قبالة هذا اللوح الأسود ، كم مرة امتلأت ومسحناك ، كم مرة أبهجتني أيها الشريط الأسود ، كم مرة قصمت ظهرى ، كم مرة حاولت الـتّأقلم مع عالمك ، أن تكون مألوفا أن لا أحس انقباضا و أنا أدخل عليك بعد غياب ، كل مرّة أجدني أحسّ تلك الرعشة التي أخذت بيدي و أنا أحمل الرّيشة في أساكي ، كل عام نلتقي بأساتذة جدد ، كل مرّة يجب أن تبدل جهدا للتّأقلم ، هذه المرة جاءنا ضيوف ، نحن قلّة قليلة في هذا الفصل من أبناء تالوين ، أبناء أولاد برحيل هم الأكثرية الساحقة ، نحن مجرد حفنة ضئيلة ، عزيز جليسي و من ؟ العاقل و أخته ، و من أيضا ؟ الفتاة الذكية ، ومن يا إلهي أيضا لا أذكر ، حسنا الآن تذكرت لؤلؤة ، أخيرا جاءت بك الأقدار. وجدت نفسي صغيرا جدّا بين هذه الأجساد الضخمة ، لو أكملت تعليمي في أساكي لعرفتكم جميعا ، أساكي ترسل تلاميذها إلى أولاد برحيل ، كنت على الدّوام الأصغر في فصلي سنّا ، ماعدا في القسم الخامس فأكبر المحتلّ للمرتبة الثّانية بشهرين ، لؤلؤة أيضا في سنّه . يا إلهي هذا تحدّ يكبرني ، ما الحلّ ؟ التمسكن ، إظهار اللامبالاة ، حتى تظهر خريطة القسم ، أول تشخيص عند الرياضيات ، حصلت نقطة يتيمة من عشرين نقطة ، ما هذا يا إلهي ؟ ما يعزي النفس أن لا أحد حصّل على المعدّل إلا واحدا أو إثنين ، العاقل حصل نصف نقطة فتحشرج صوته ، عند الفزياء والكمياء لا أفقه شيئا ، عند الطبيعيات الأمور سلسة ، عند الفرنسية أول تقييم نقطة من عشرين نقطة والأستاذ مجرّد بهلوان، عمّ الضباب عينيّ ، ليس فقط لانّني هزيل ، بل لأنها هنا . لا يعقل هذا ، أين المفرّ يا ناس ، مستواي لا يقدم صورة مرضية لي أوّلا ، و كيف سيترك استحسانا لدى الغير ، غير مجد هذا السباق ، هذا رهان خاسر مئة في المئة ، انهزمت روحي انهزاما ساحقا منذ البداية ، لم يمرّ شهر بعد حتى عرفت أن دخول القبر خير لي من أن أوضع في مكان لا أوجد فيه بقوّة ، لكن ما العمل ؟ أحفظ ، أثابر ، لا هذا ليس من طباعي ، أنا لا أحفظ ، أنا فقط أجلس في القسم و أذني تتكفل بالباقي ، لكن هذه المرة لست مستعدا لشيء ، حالتي النفسيّة منهارة ، ضعفت أكثر من اللازم ، ما أنقض ظهرك يا نورالدين ، هل هي الفتاة ، أم الأساتذة ، أم الزّملاء ، كم يكفيك من إظهار التجاهل و في داخلك حرب ضروس ، كم يكفيك من طأطأة الرأس و أنت تحس رفرفة بعوضة في مكان قصي في القسم ، هذا سجن حقيقي يا عالم ، بربكم أين المفر ، أريد أن أتنفس ، أريد أن أعيش ، لا أريد لؤلؤة ، لا أريد مرتبة مشرفة ، أريد نفسي فقط ، أريد نورالدين ، أين أنا ، لم أخلق لهكذا ظروف أبدا ، أن أكون مجرد بضاعة مجزاة ، أن أكون تافه الوجود ، كم تكبدت من الجهد لأقبل المبيت في ديار غيري لكأنّني سليل أسرة معدمة ، كم جهدا أضعت و أنا أحاول قبول أنّني نزيل من نزلاء دار الطالب ، كم جهدا قاسيته لاقبل أنّي من أسرة فقيرة ، كم جهدا أتيت لأتخلى عن حقّي في اللعب و قبلت بممارسة الأشغال الشّاقة ، هل بعد كل هذا تطالبونني بالمزيد ، هذا ليس عدلا ، هذا مرض ، التافه وحده من يرجو الخلاص و هو يرى بأمّ عينيه أن لا خلاص ، ألوم نفسي لماذا لا تكون يا نورالدّن أعلم النّاس ، لماذا لا تكون أشجع الناس ، لماذا لا يكون جسدك الأقوى بينهم ، لماذا و لماذا ؟ ليس الأمر بسيطا يا إخوان ، لا أستطيع المقاومة ، لا أستطيع أن أحقّق ذاتي .
ما لهذا الطاووس يمشي على أصابعه ، ألكونه قصيرا يحبّ أن ينطّ في مشيته ككرة شربت من الهواء ما يزيد على حاجتها، أستاذ الرياضيات ، مدينة البيضاء ، يا لخسارة مدرسة لا تنجب إنسانا ، هو يشرح دروسه و أكثر ، لكنّه فاقد للإنسانية ، ما أخطأ تلميذ قط و لم يتلقّ منه إهانة ، ما قام طالب إلى السّبورة إلا أحسست الارتباك ظاهرا على وقفته ، كلما رأيت تلك المشاهد امتلكني اختناق ما ، ازداد حنقي وغضبي ، حتى إن وجدت واحدا جريئا عيّره بأنه ليس ولد ريغان ، من ريغان يا أستاذ أليس مجرد راع للبقر ، أليس إلا ممثّلا هليوديا فاشلا تمت ترقيته إلى البيت الأبيض . الفزياء ، هو أيضا قصير يحس بنفسه أحسن من إنشطاين ، يشرح بالفرنسية ، أنا لا أفهم شيئا وحقيقة كلما غابت الإنسانية عند شخص ما ، لا أحب حتى أن أسمعه . الفرنسية رغم أنها أدبية إلاّ أن معاملها تم رفعه ليرتقي إلى مصاف المواد العلمية لأنها ضرورية في الحياة العمليّة ، أستاذ مراهق لكن سرعان ماتمّ تبديله بأستاذ مهرّج . الأنجليزية منذ البداية أحسست أنها لن تكون أحسن حظّا من الفرنسية ، فعيبي هو عدم القدرة على الالتزام ومصاحبة الكنّاش رغم أن أستاذها عسل .
الحل هو الغياب ، في الوادي أمضي أغلب أيام الأسبوع ، فحتّى الإدارة عرفت أنها لا تراقب جيّدا ملف الغياب ، فيكفي أن أختار اليوم الذي يغفل فيه الأساتذة عن تسجبل الغياب لألتحق في اليوم التالي دون الحاجة لإحضار ورقة الدّخول ، أحيانا ينفع الذكاء حتى في الأشياء التافهة .