عرض مشاركة واحدة
قديم 11-28-2011, 05:33 PM
المشاركة 26
طارق الأحمدي
أديــب وقاص تونسي
  • غير موجود
افتراضي
- ذات خريف. وفي ليلة حزينة نشرت حزنها على زهرين سمع الناس صوتا غريبا يعلو وينخفض. أرهفوا السمع. ظنوه ذئبا, لكن الكلاب كانت هادئة. فتسلّح بعض الرجال وتبعوا مصدر الصوت, والتصقت النساء بصغارها وأعينهن ملؤها الخوف والترقّب. تبيّن الرجال الصوت, إنه لامرأة تنتحب. من تكون؟ قرّبوا مشاعلهم. إنها لطيفة. وجدوها منفوشة الشعر, ممزقة الثياب. فتّشوا المكان حولها فعثروا على قفّة الهادي مبعثرة تلعب الريح بمحتوياتها.
انفجرت زهرين ذلك الخريف بكل بذيء القول على لطيفة.
قالوا: إنها (.....) .
نبشوا في سيرتها داخل المسجد, عند شجرة الأكاسيا, في الطريق, وبين أشجار الزيتون, وحتى فوق السرير.
قال العيفة بائع الفول:
- بقرونا في عقر دارنا ونحن نسدّ أعيننا وآذاننا.
وزفر محسن " العاقر" – هكذا يكنّى- :
- " تفّ " عليك يا الكامل وعلى ذرّيتك.
ووقف الفاضل شيخ القرية أنذاك ونظر إلى الكامل نظرة كلها احتقار واستصغار, ثم ملأ وجهه ولحيته بصاقا ومرّ مواصلا طريقه.
وعيّره الحسين برجولته وانتزع منه طربوشه ورماه أرضا وعفّره بالتراب تحت قدميه وقال له وهو يشهر سبابته في وجهه.
- الأكرم لك أن تمشي هكذا مكشوف الرأس كالكلب. يا أقلّ من كلب.
ومنع عنه محمود صاحب الدكان التّزوّد بالمؤونة, وطرده مرددا:
- ما عندنا شاي ولا سكّر. الرجال فقط يشربونه.
وتحدّث إمام الجامع في خطبة الجمعة عن الفضيحة وعن لطيفة, ووصفها بالشيطان وبالكافرة والفاجرة ودعا إلى رجمها حتى الموت أو إلباسها الخشن من الثياب وربطها مع الحمير.
وتحدثت النساء وهن يطبخن الشاي, وهن يجمعن الحطب من الجبل القريب.
قالت مباركة وهي تدلي بدلوها إلى الماجل:
- أفعى بقرنين. فعلتها ثم تسلحت بالبكاء والصمت.
عقّبت فاطمة:
- عين "....." لا تنكسر.
وقالت العجوز " زليخة":
- لو كانت ابنتي لوجّهتها إلى الغرب وذبحتها وأكلت من لحمها.
وتمتمت " كلثوم":
- رحمتك ياسيدي " صاحب الجمل".
كل القرية تحدثت عن لطيفة, جميع الناس استشنعوا فعلتها, حقدوا عليها وتمنّوا موتها.
وفي المقابل بحثوا عن الهادي فلم يجدوه. أيام عديدة وهم يبحثون عنه, لكن لم يعثروا له على أثر.
ولطيفة...؟!!