الموضوع: أحلام وردية
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
1003
 
رشيد عانين
من آل منابر ثقافية

رشيد عانين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
47

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Jun 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16150
10-07-2022, 10:11 PM
المشاركة 1
10-07-2022, 10:11 PM
المشاركة 1
افتراضي أحلام وردية
خرج وديع من باب المنزل والساعة تشير إلى الواحدة بعد منتصف الليل، لا يهم تأخر الوقت، فالنوم قد هجره لسببين: الأول هذه الحرارة المفرطة التي تجتاح المنطقة، هذه السَّمُومُ الحَرُورُ قد أحرقت شجر الزيتون. والسبب الثاني هذه الأفكار التي تداعب خياله في كل لحظة. لابد من الرحيل إلى أوروبا.
انطلقت خطواته تخترق الظلام الدامس، فلقد اعتاد أن يجد نخبة من أصدقائه مجتمعين بجانب الوادي. وصل إلى المكان فلم يجد أحدا، فاستغل الفرصة وغرق في تقليب أحلامه الجميلة.
قال محدثا نفسه: ماذا لو أسعفني الحظ ووجدت نفسي بين عشية وضحاها في أوروبا؟ بالطبع سوف أشمر عن ساعد الجد والاجتهاد في جمع الأورو، وأعود إلى أهلي بمجرد حصولي على أوراق الإقامة، ساعتها "غادي نتهلى في الوليدة، وغادي نرسلها للحج إن شاء الله".
تقلبت العطايا والهدايا في ذهن وديع، بين الأم والأب والإخوان والأخوات، وحتى الأصدقاء سوف يقيم على شرفه عشاء خاصا. السيارة الفارهة التي سوف يعود بها من إيطاليا سوف تقلهم إلى أوزود، وإفران، ومناطق الشمال. هكذا يقال عنه أنه أسخى مهاجر في المنطقة. قبل ذلك لابد من إقامة وليمة لأهل البلدة حتى يروا سخاءه وكرمه. دجاج محمر، ولحم بالبرقوق، وبيض مسلوق.
تسلل إليه تحت جنح الظلام حتى أمسك بكتفيه فانتفض واقفا:
ــ من؟
رد عليه:
ــ أنا محسن. أمسك بكلتا يديه قابضا على رأسه ووجهه في الأرض ويحاول جاهدا أن يستيقظ من أحلامه.
ــ أنت لست محسنا، أنت مسيء. لقد تبعثرت كل أحلامي.
أجلسه محسن في هدوء وجلس إلى جانبه، وهو يعرف أحلامه التي طارت، فهو صديقه الذي لا يفارقه.
ــ يا صديقي اطرد هذه الأحلام من رأسك فلا أراك قادرا على تحقيقها.
كلام صديقه محسن عين الصواب. وديع غير قادر على الهجرة بهذه الشروط "أربعة ملايين" وفي هذه الظروف، ظروف الجفاف. فالأب المسكين يكدح طول النهار بالكاد يستطيع أن يلبي ضرورات العيش بالنسبة لأسرته التي تتكون من تسعة أفراد. وليس في العائلة من يستطيع أن يمده بهذا المبلغ. ومن ذا الذي يستطيع أن يقرضه كل هذا المبلغ وهو مازال تلميذا؟
كلما تذكر وديع هذه الظروف القاهرة يغرق في دوامة اليأس والاكتئاب. وهذا الأمر قد أثر كثيرا على دراسته في مرحلة الثانوي. لقد كان مجتهدا في مراحل الدراسة السابقة. تبا لموضوع الهجرة فلقد دمّر حياته.
بعد أن استيقظ من أحلامه بسبب مجيء محسن أخرج من جيبه سيجارة وقدّاحة، وقف محسن على الفور صائحا:
ــ لا تفعل! كم مرة حذرتك؟ بهذا الفعل سوف تنتهي صداقتنا التي استمرت عشر سنوات.
نظر إليه وديع نظرة اللامبالاة، ثم أشعل سيجارته وهو ينفث الدخان فيتلاشى في الظلام الأسود. رد عليه محسن بنظرة احتقار ثم انصرف وهو يلعن الظلام تاركا صديقه لأحلامه الوردية.


مع إشراقة كل صباح يتجدد الحلم والأمل