عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2016, 12:40 PM
المشاركة 44
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
مقتل الرجل الكبير.. نبوءة إبراهيم عيسى
2016/11/07
هالة منير بدير

«مقتل الرجل الكبير».. سبعة عشر عامًا تقريبًا مرَّت على كتابة تلك الرواية التى تم منعها ومصادرتها حينما قرر إبراهيم عيسى نشرها فى مرحلة من التضييق عليه وحصار اسمه صحفيًّا..

كانت المشاهد تتنقَّل بين مشهد اغتيال رئيس الجمهورية وبين مواقف سابقة له فى حياته، ومشاهد ارتباك الحاشية والحكومة لمقتله، وكيف سيتم إعلان النبأ وإعلام ابنه، ومن سيخلفه فى تولى المنصب فى إطار من الجدية الساخرة المغلَّفة أحيانًا بالكوميديا السوداء..

أبطال الرواية

– رئيس الجمهورية/ الرجل الكبير «تعطى إيحاء بأنه الراس الكبيرة لعصابة»..
– رئيس الوزراء
– مدير جهاز الأمن الوطنى «لاحظ أن مسمَّى أمن الدولة تغيَّر بعد الثورة إلى الأمن الوطنى»..
– وزير الإعلام
– وزير الداخلية
– وزير الحرب «الدفاع»
– مدير الرئاسة
– ريتا جفرسون مكربى «عضو اللجنة الأمريكية السرية للتحقيق فى مقتل الرئيس»..
– د.يوسف رضوان «أستاذ بكلية الحقوق»..
– مجموعة من الضباط فى الحرس الخاص بالرئيس وآخرون..

الرواية سياسية بوليسية عرض فيها عيسى الفساد الأخلاقى فى الحكومات والتستر على الجرائم والمحسوبيات والواسطة والرشاوى وفبركة الحقائق والوقائع، وانحسار القانون ومواده وروحه أمام التهاوى الأخلاقى والعنف والقسوة والشراسة فى سلوك وزارة الداخلية، ولجان التحقيق التى تُعقد ليس للبحث عن حقيقة وإنما لتتميم أوراق وتقفيل ملفات، نفوذ وتدخل رجال الأعمال فى سياسات الحكم وسلطة اتخاذ القرار، الهوان الذى تعرض له جناحا المعارضة من الإخوان والشيوعيين ووَيلات الاعتقال والاضطهاد والتعذيب، الوجود الأمريكى المعمول حسابه فى كل صغيرة وكبيرة، وتأليه الشعب لرئيسه فى أن يصل به الظن حد العقيدة إلى أن ذلك الرئيس لن يموت أبدًا..

تمكن إبراهيم عيسى من صياغة الرواية فى عبارات فصحى رصينة، ولكن كثيرًا ما كان يتخللها العامية، أظنها للتخفيف قليلاً على القارئ الذى يفضّل قراءة العامية، وباستثناء بعض الألفاظ الخادشة للحياء والإيحاءات الجنسية، فعربية عيسى فيها من البلاغة فى وصف الأماكن والأشخاص «كما فى وصف تكايا الصوفية والمريدين من الدراويش» ما يجسد لك المشاهد، يبهرك بتعدد وتسلسل مرادفاته «على الرغم من وقوعه أحيانًا فى فخ الاسترسال فيها والذى قد يبعث على الملل»، مهارة فى استخدام السجع والجناس دون تكلُّف، ما يضفى على الرواية صيغة أدبية مميزة وفريدة.

على الرغم من محاولته التجهيل فى تسمية الدولة التى اغتيل رئيسها بقوله «اغتيال رئيس جمهورية بالشرق الأوسط»، فإنه من خلال السياق سيكون مفهومًا أن المقصود مصر ورئيسها، من خلال الحديث عن إذاعة أفلام مثل «ناصر 56» و«الناصر صلاح الدين»، وعن رياح الخماسين، والنقوش الفرعونية على مبانى المدينة غير المُسماة، والتى لا يقطنها سوى أصحاب الغنى والنفوذ، وذِكر الفنانين التشكيليين المصريين محمود سعيد وعبد الهادى الجزار..

وصف الرئيس أنه من حفريات القرون الوسطى فى الشرق الأوسط، لا يقرأ الصحف، عاصر ثمانية رؤساء أمريكان بين سابق وفقيد، مُجمَّد على عرشه أكثر من 30 عامًا ظالمًا غاصبًا، وأنه عندما تُحاك ضده مؤامرة فإن الناس ستفرح لموته وستجزع خوفًا مما قد يحدث من فوضى بعد موته، وهذا ما حدث بعد ثورة 25 يناير لا بمقتل مبارك، وإنما بخلعه أو كما يحب أن يقول مريدوه «تنحيه عن الحكم»..

سيُفجِّرك ضحكًا فى

– الحوار بين الرئيس ورئيس الوزراء فى مناقشة التغيير الوزارى الذى ينم عن الكيفية الدنيئة التى يتم بها اختيار الوزراء عندما يكون الرئيس ديكتاتورًا جاهلا، ورئيس وزرائه خانعًا..

– برقيات مبايعات وتأييد الرئيس على خطوته الحكيمة فى ضرب الوزراء بالشلوت..

– نكات الرؤساء عندما يموتون ويسألون بعضهم بعضًا عما صنعوه لشعوبهم..

اسْتَشْرَفَ المستقبل فى الحديث عن:

– الشاب العشرينى الذى أضرم النار فى جسده أمام البرلمان ردًّا على خطاب الرئيس «اللى مش عاجبه البلد يولع بجاز»، وأشار إلى ذلك بـ«جماعة المولعين بجاز»، كما حدث مع البوعزيزى التونسى، الشرارة التى أضرمت الثورة التونسية ومن بعدها ثورات الربيع العربى..

– تطويع الدين وأخذه سلاحًا لحَث أو ردع الشعب فى المواقف السياسية تبعًا لما يريده الحاكم..

– تنبأ بشخصية «توفيق عكاشة» كمرشح لرئاسة الجمهورية، عندما جاء على لسان الرجل الكبير فى البرلمان «أنا ح أخطب للبط يا رعاع»..

– وجود الدبابات والمدرعات أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون بعد مقتل الرئيس «وهذا ما حدث بعد اندلاع ثورة يناير»..

– إقلاع الطائرات الحربية على مستوى منخفض فى سماء العاصمة ليس للترهيب وإنما لعرض الحب والمودة «فى كل مرة يعتصم المتظاهرون فى ميدان التحرير»..

تنبأ بترشح وزير الحرب لمنصب رئيس الجمهورية من خلال الحديث عن

– حملة إعلامية ضخمة تؤكد وقوف الشعب إلى جانب الرئيس الجديد، واشتراط الدستور أن يكون مرشح الرئاسة مدنيًّا، أى ليس من العسكريين، بمعنى وجوب استقالته من الوزارة*.

– ليس هناك أى ضمان لانتقال السلطة مدنيًّا وسلميًّا فى دول العالم الثالث..

– المظاهرات اليومية التى ترفع صوره وتنشد اسمه وتهتف به رئيسًا..

– الجملة الشهيرة على لسان من ينتوى الترشح للرئاسة «أيًّا كان»: «إننى لست باحثًا عن منصب أو جاه، ولكن قبلت هذه المسؤولية لأن شعبى شرّفنى بترشيحى لها»..

أثار دهشتى فى عدد مرات تشبيهه عدم تحكم الشخص فى نفسه ببول الشخص على نفسه، كما لم يعجبنى استرساله فى كيفية اختيار مكان القصر والمشرفين على بنائه وشكل أجنحته، دون داعٍ فسلبنا من أجواء مشهد الرئيس الغارق فى دمه، والإسراف فى الحديث عن اللقاءات الغرامية والعلاقات النسائية..

إسقاطات

– ممارسة الرئيس لرياضة التنس الشبيهة بلعبة الاسكواش التى كان يمارسها مبارك..

– ابن الرئيس الذى يملك أسهمًا وحصصًا وشراكة فى كل ثقب فى عالم الأعمال «علاء مبارك»، ومهامه العديدة والمتعددة حتى وصلت كونه وزيرًا ونائبًا للرئيس، إشارة لمشروع التوريث الذى ظهر بعد الرواية بسنوات «جمال مبارك»..

– محاولة الاغتيال بهجوم الأسود فى احتفالية مرور مئتى عام على تأسيس حديقة الحيوان، وقول «مش معقول.. مش معقول» «وردت على لسان السادات لحظة اغتياله»..

– شبه واقعة وفاة الرئيس بعملية استئصال لوز أو زائدة دودية فى حالة الاستيقاظ دون مخدر أو مسكن، ثورة يناير التى كانت بمثابة استئصال مبارك من جسد المصريين..

– تولى وزير الدفاع «الحرب» مقاليد الحكم بعد مقتل الرئيس، «تولى محمد حسين طنطاوى» رئاسة مصر بعد ثورة يناير..

– تولى رئيس المحكمة العليا مقاليد الحكم كرئيس مؤقت «صورى» للبلاد، «تولى عدلى منصور» رئاسة مصر فى الفترة الانتقالية بعد عزل مرسى..

أكثر ما مَسَّ قلبى

– الفصل 22 عندما أجاب أستاذ القانون عن سبب سكوته وخنوعه ورضاه بالظلم والطغيان وعدم صراخه بكلمة «لا» ولو لمرة واحدة، عندما قص حكاية جدّيْه المأساوية، الجد الإخوانى والجد الشيوعى، وكيف مُورس ضدهما كل ألوان التعذيب والمهانة..

أكثر حوار يوافق الواقع

– الفصل 23 وكيفية سبك العملية الانتخابية وتحديد نسبة الموافقة بـ99.9%، والاتفاق على نسب المشاركة والتصويت وإقبال الناخبين، حتى إنه تم الاتفاق على نسبة الرافضين ليُعرض ذلك فى وسائل الإعلام كدليل على الحرية والديمقراطية..
على الرغم من تسلل الرتابة فى بعض الفصول، فإنها ستستهويك عندما يبدأ لغز عملية الاغتيال فى الكشف عن القاتل، إذا ما كان أحد أفراد الحرس أو تورط المخابرات ورجال الأعمال للتخلص منه والحلول مكانه، لاستمرار نظام الرئيس بكفاءة أعلى فى القتل والظلم والديكتاتورية، وأن التشهير والتشنيع والاتهام بالشذوذ الجنسى والأخلاقى سيكون مآل كل مَن يحاول الوقوف أمام آلة الظلم المُمَنهجة، أو الاتهام بالخيانة والعمالة كونه تجرأ على معارضة الرئيس..

فى أثناء القراءة ستتذكَّر رواية «1984» لجورج أورويل، التى جسَّد فيها تصوره لحياة الأفراد فى ظل حكم ديكتاتورى مُشبع بالتجسس واضطهاد الأفراد فى مناخ من التخوين وانعدام حقوق وكرامة الإنسان، ستتذكر مشاهد من مسرحية «الزعيم» وعادل إمام ينطقها: «بطيخ الريس لازم يكون من غير بذر، الريس لسه هيتفتف البذر؟ الريس يِلْهَط على طول»، ستتذكر محمد صبحى فى مسرحية «تخاريف» وهو يقول: «شعبى الحبيب الصبور المهاود»..

نهايةً.. سيختلف تقبلك لتلك الرواية تبعًا لتوقيت قراءتك لها، لو كنت قد قرأتها قبل الثورة فسترى إبراهيم عيسى البطل الشجاع المغوار الذى استطاع أن يقف فى وجه الظلم والطغيان بالخروج بتلك الرواية، ولو قرأتها بعد الثورة مباشرةً سترى كم هو عظيم فى استشراف المستقبل والتنبؤ بالأحداث، ولو قرأتها إبَّان بدايات حكم السيسى سترى فيه المتنازل عن القيم والمبادئ وتجاهل وإنكار ظلم النظام بعكس ما عرضه فى روايته، ولو قرأتها منذ أيام*سترى إبراهيم عيسى فى قديم عهده من حيث مُجابهة الطغيان، وقول كلمة الحق فى وجه حاكم جائر..