عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
5

المشاهدات
1326
 
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9


ياسَمِين الْحُمود will become famous soon enough

    غير موجود

المشاركات
35,006

+التقييم
5.45

تاريخ التسجيل
Oct 2006

الاقامة
قلب أبي

رقم العضوية
2028
06-01-2021, 10:33 PM
المشاركة 1
06-01-2021, 10:33 PM
المشاركة 1
افتراضي "إن جاءكم فاسق بنبأ"
أتحدث عن الإحساس بالذنب، هذه العقدة النادرة التي تمكنت مدنية هذا القرن مشكورة من استئصال شأفتها من النفوس، حتى لم تعد توجد إلا عند شرذمة قليلة ممن لم ينصاعوا للعلاج، فظلوا محصورين ضمن تعاليم القرن الأول الهجري.
أن تحس بالذنب- حسب تعريف علم النفس- يعني أنك أدركت خطأك بعد فوات الأوان، فتضطرب، وتقلق، وتبصق على نفسك مقدارًا يتناسب مع حجم إحساسك البغيض، ولن ينفعك أن تولول كثورٍ لوطيٍ أصيب بالفضيحة.
دعني أضعك في صورة حدث…
مثال بسيط جدًا..
لنفرض جدلا أنك- أنا لا أعنيك أنت بالذات ولكني أفترض-
لنفترض أنك تحمل فكرة قبيحة عن فلان الفلاني، أنه مثلا، نذل، ودنيء، ومنحرف وتافه، وسخيف ومؤلم ومنحط وحشرة ، وما إلى ذلك..
وهو يعرف أن هذا هو رأيك فيه
-هذه نقطة مهمة في مثالنا-
تلتقيه يوما في مناسبة ما، مصادفة أو مع سبق الترصد، فيحييك بأدب، ويجاملك بلباقة، ويحدثك بود، ويسألك عن صحة المدام، ويضحك لنكاتك السخيفة، ويقنعك بآرائه، وما أن يغادرك حتى تبدو كرجل مسلوب، كحصان مصاب بدوار الخيل..
ماذا سيحدث لك؟
إن قلت لا شيء ، فأنت أبله، غبي وبعبارة أخرى، أنت مصاب بالحضارة..
إن جهازك العصبي سيضطرب شئت أم أبيت- هذا تشخيص طبي وليس من عندي- ..
وستحدث في عقلك فوضى لا تنفعها كل هندسة الديكور، وكلما قابلته بعد ذلك، ستتخبط في كلامك مثل عصفور علق جناحه، تتعثر حول موضوع النقاش، وتناور بحثًا عن ثغرة للدخول ، وفي النهاية، تستسلم كفأر يائس، بل وأغامر بالقول أنك لن تجرؤ على تفنيد مزاعمه حتى لو أصرّ على أن كوكب الأرض شبه منحرف ، قائم الزاوية وأن لويس الرابع عشر كان عضوًا في الكونغرس الأمريكي.
إنّك تحس بالذنب- هنا بيت القصيد-
تشعر بأنك ظلمته واعتديت عليه، وإذا كنت تملك ذرة إضافية من العقل فسوف تدرك أن خيبة أملك فيه، هي دليل قاطع دامغ لاريب فيه، على جهلك وغبائك وتسرعك في إطلاق الأحكام على الآخرين.
إذا سترافق عقدة الذنب هذه، عقدة أخرى أشد استحكامًا، هي اكتشافك لنفسك الموبوءة بالرعونة والطيش ، عندما نطقت بحكمك الأول عليه.
تبدأ باستعراض الماضي: الوقائع والأدلة والقرائن والشهود، ثم حيثيات الحكم وأخيرًا قرار الإدانة.
بأمانة ذاتية وصدق مع نفسك تعترف بأنك لم تنظر في الوقائع ولا الأدلة ولا في القرائن ولا استمعت إلى شهود عدل..
فورًا قرار ظالم يستند على حيثيات منهارة، هي عبارة عن افتراءات لا محل لها من الإعراب، المشكلة الآن مع نفسك، ففلان الفلاني هذا لم يعد له دور..
كان واحدًا من اثنين:
1- إما أنه لم يبال بحكمك عليه ولم يتعطف بالرد عملًا بقول الشاعر
إذا جاريت في خلق دنئيًا
فأنت ومن تجاريه سواء
وهو كره أن يساويك فلم يجارك، فبالتالي فهو أكبر منك نفسًا.
2- إما أنه سامحك وغفر لك، وبالتالي فهو أفضل منك خُلقًا.
المشكلة الآن مع نفسك، بل المشاكل ، فهي ليست واحدة:
هناك أولًا افتراءاتك عليه، وهناك ثانيًا حكمك العلني ضده، وهناك ثالثًا تغاضيه عن حقارتك، أو عفوه عنك، أي أفضليته عليك، ثم، لماذا هو أفضل منّي ؟
-هكذا ستتساءل بكل وقاحة-
فبعد كل ما جرى تريد أن تكون أنت الأفضل؟ أمرك عجيب.
نعود الآن إلى الأمانة الذاتية والصدق مع النفس.. إذا وقعت بينهما فعلى الدنيا السلام.!
سوف تلخص كل إحساساتك في لعنة موزونة تسددها بإحكام على رأسك الأجوف، ثم تتخذ قرارًا شبه حكيم
إذا التقيت خصمك في الطريق يجب أن تفر من وجهه، طبعًا و، وإلا بأي لون تقابله؟
ليس لديك إلا احمرار الوجنتين واصفرار الشفتين وتغضن الجبين، أما اللون الوردي الطبيعي الذي يتمتع به كل خلق الله، فأنت لم تعد تملكه، أنت مسلوب الصفات النظامية، محتل، وهذا النوع من الاحتلال، هو الوحيد الذي لاتنفع معه ثورة أو تمرد أو انتفاضة، ولا يجتمع من أجله مجلس الأمن الدولي أو الأمم المتحدة.
سأسديك نصيحة لوجه الله:
لا تتسرع في إطلاق الأحكام ، ولا تستند إلى تخميناتك البتة..
" إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"
وهذه الآية تنطبق عليك وعلى من يوسوس لك- شكرًا.