الموضوع: O كانوا هنا .. O
عرض مشاركة واحدة
قديم 07-24-2019, 02:43 AM
المشاركة 21
العنود العلي
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: O كانوا هنا .. O
** ضوء .. تحت التراب
للأديبة الكاتبة أستاذة سحر الناجي


هي لحظاتي التي أراوغها بالتأفف , كي تحمل حقيبة تعج بظلال متهتكة لذكرى عبرتني اليوم .. ومضت ..
ذكرى .. وروائح السقوط , وعثرة لا تكف عن المثول .. ذكرى , اعتلتني ثم انسلت وتركتني هباء ..
أبث إلى الصمت شكواي وقد رقدت تمتمة الويل على صدري تهذي بالشرود.. يأزني القلق لأنبلج إلى الماضي هائمة .. هاربة ..
عبر أروقة تزدان ببريق الضحك .. ولمسات متكدسة .. ونظرات .. من الحنو ..
هناك يخدش البهاء عبوري فأتوجس حذرآ بانتكاسة , وخفقة تدوي مليا , وكأني أتلظى بشهب مارقة من الأطياف المضيئة ..
فقط حين يعبس محيا الظلام .. يبارزني ذاك النور بالحضور ..
حين تخور رعشاتي , ويجثم السقم على صدري , وألتقط أنفاسي عنوة من جراب الهواء ..
عند انبلاج الجلد .. وسطوة زمني غريب الأطوار على قاب شهقتين مني .. ملوحآ بالرماد ..
يأتيني الطيف الأبيض على عجل .. بشكل ضوء باهر .. أو سحابة تمطر بهاء في هنيهة الظلام ..
أبي .. وضوء من الذكرى القابعة على متن الروح بتكوير الشمس .. أبي وهامش سيريالي رحب الروعة في دفتر ذكرياتي..
أبي .. يا هامة في ثنايا الزمن توشوش الزهو شيوعا .. ياهمساً رابضاً تحت جلد شوقي وتنبشه معاول الليل ..
يا قطرات من الحب المضيئة .. وعزف لتفاصيل الرخاء ..
" أبي " .. ويلسعني قلبي بالحنين .. يلدغني بخفقاته المتردية ألمآ ..
أميل ناحية البكاء , وأزمع أني بخير , أجهش بنظرة ضبابية تستحضره ذاك الراقد في عمري من لحد الكان ..
قال لي يومآ : إسمعيني جيدآ يا ابنتي .. أنا لن أدوم لكِ .. فالدوام للجليل .. ولكن إن شئتِ ديمومة نصحي فأنصتي جيدآ ..
قلت بكل اهتمام : إلى ماذا يا أبي ؟ ..
قال : هذه الدنيا يا ابنتي .. كبحر لُجّي .. ظلمات فوقها ظلمات .. وقاربك يمحر عباب هذه المحن ..
وصمت ردحآ من الزمن ثم تنهد وقال : أعلم جيدآ أنك قوية .. وأن قاربكِ يستطيع الصمود في وجه النوء ..ولكن ..
عاد إلى صمته , فهتفتُ أحثه على المتابعة : ولكن ماذا يا أبي ؟
قال : أخشى عليكِ الغرق يا حبة القلبِ ..
دهشت وأجبته بلهجة الفتاة المتهورة : كيف ذلك , وأنت قبل هنيهة كنت تقول بأني قوية .. !
قال : عليك بجعل جسد السفينة متينآ وخارقآ .. حتى لا تنهكه وتسقطه لطمات الموج .. أو نفثات العواصف ..
سألته بحيرة : لا أفهم يا أبي ...!
قال : جسد السفينة هنا هي الروح يا ابنتي .. وروحكِ كي تكون شامخة صلبة .. يجب أن تُغذيها جيدا ..
سألت من جديد : بماذا ؟
قال : بالإيمان والتقوى .. فكلما اقتربتِ من العظيم كلما أصبحتِ شديدة النزع إلى مقاومة الشدائد ..لأن الجليل سيكون معكِ في كل حين وأوان ..
وزفر ثم قال : فمن كان الله معه .. لن يهزمه شئ .. ولن تسقطه البلايا .. وإن تعثر ..
تسيل يقظتي بالهمة .. ويسبل التنهيد قطرات من المرارة على حواف فمي , حيث أمسك المصحف بأصابع مرتعشة .. أرتل فيه ما جعل السكينة تهبط كالنسيم إلى قلبي ..
وقبل أن أقوم من مجلسي ذاك وكأني كنت في رحيل على نواصي البياض , جعلتُ أتمتم والدمع يطل حارقآ من عيني :
رحمك الله يا أبي .. رحمك الله يا عزيز الرجال .. وسيد الحكمة ..


منبر بوح المشاعر والركن الهادئ


وحيدة كالقمر