عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
3

المشاهدات
424
 
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي


أحمد فؤاد صوفي is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
1,731

+التقييم
0.31

تاريخ التسجيل
Feb 2009

الاقامة

رقم العضوية
6386
07-27-2023, 10:46 PM
المشاركة 1
07-27-2023, 10:46 PM
المشاركة 1
افتراضي *إلى أين أمضي* - قصة قصيرة





*إلى أين أمضي*


قصة بقلم
أحمد فؤاد صوفي – اللاذقية - سوريا




*الفصل الأول*
* أبو آدم والبيت الكبير*

تجاوز السبعين ، يقبع في زاوية المسجد ، يتناول مصحفاً أو كتاباً ، يقضي يومه بين المسجد ودار العجزة القريب ، يذهب إليها ماشياً مرتكزاً على عكازه ، في نفس الميعاد كل يوم ، يعود أصحابه ويخفف عنهم.
وفي المساء ، وقبل أن يخمد إلى النوم ، كان تفكيره بأولاده وأحفاده لا يتوقف ، هل كان تصرفه صحيحاً ..! هل ارتكب خطأً فيما لجأ إليه ، هل انفراده وابتعاده لايجوز.
لقد عاش في البيت الكبير ، الذي بناه بجهده وعرقه منذ مايزيد على خمسين عاماً ، وأفرد فيه لكل من أولاده الأربعة جناحاً مستقلاً ، ثم أفرد للضيوف أو للأهل جناحاً خاصاً يطل على صحن الدار ، وملأ أركان الدار بالشجيرات والورود والرياحين.
وكانت أم آدم زوجته ورفيقة دربه تساعده دوماً بكل الشؤون ، بهدوئها وذكائها الوقاد ، تنجز له آماله ، وكانت بالنسبة له الإنسانة الكاملة ، ولازمه هذا الشعور لأربعين سنة هو عمر زواجه وسعادته.
اشتكت أم آدم مرضاً وآلاماً في رأسها ، حصل الأمر بشكل فجائي ، استغرق الأمر أربعة أشهر ، ثم رحلت بهدوء ، فالمرض لم يمهلها ، بهدوء عاشت وبهدوء رحلت ، وبرحيلها تركت فراغاً لا يمكن تعويضه.

مضت الأيام ثقيلة كئيبة ، مملوءة بالذكريات بكل ركن وعلى كل جدار ، في كل رف وكل زاوية من زوايا البيت ، وشعر أبو آدم أنه كبر فجأة أكثر من عشر سنوات ، نقص وزنه ، وتغيرت سحنته ، فقد كانت زوجته ركناً رئيسياً في حياته.
خاف عليه أولاده ، وأصر آدم ابنه البكر أن يغادر أبوه بيت الذكريات ويعيش معه ومع عائلته ، حتى يكون باستطاعته أن يعتني به ويرعى شؤونه ، ومع أن أبا آدم لن تكن لديه رغبة في ترك داره وترك ذكرياته ، فقد وجد حقاً أن اقتراح ابنه هو اقتراح مناسب وخصوصاً أن لدى ابنه غرفة إضافية منعزلة يمكنه استخدامها ، ومع تكرار الإلحاح أعلن قبوله ، فترك منزل العائلة آخذاً معه أغراضه البسيطة ، وأغلق الباب خلفه ، واستقر في بيت ابنه لا يضايق أحداً ولا يضايقه أحد ، يقيم صلاته ويمارس قراءاته.
كان موقع بيت العائلة الكبير عند بنائه منذ خمسين سنة منعزلاً بعض الشيء ، كما كانت مساحة أرضه تتجاوز الدونم الكامل ، ومع تقدم وامتداد العمران فقد أصبح البيت الآن في قلب المدينة ، في منطقة تجارية كثيفة البنيان ، تحيط به عمارات ومجمعات وأسواق تجارية فخمة ، وكبيت سكني كان هو البيت الوحيد الصامد بدون تغيير طوال هذه المدة ، فارتفع سعره ارتفاعاً خيالياً ووصل إلى رقم يجعل بالإمكان تحويل أبناء أبي آدم إلى أربعة مليونيرات ، ومع أن الأبناء كانوا يعيشون في بحبوحة من العيش ، ولا ينقصهم شيء ، فإن حلم الثراء داعب مخيلتهم مباشرة حين علموا القيمة الحقيقية للبيت الكبير ، وجعل قلوبهم تخفق بشدة كمن وجد كنزاً ، ولم تخرج أحاديثهم بعد ذلك عن الإمكانية الكبيرة لتحسين وضعهم وانتقالهم خلال غمضة عين من حياتهم العادية إلى حياة القصور ، ولم يتطرقوا خلال أحاديثهم المتكررة إلى ذكريات والدهم وأن هذا البيت مازال بيته ، الذي يحتضن ذكرياته والذي عاش فيه عمره ، كانت تتنازعهم فكرة أن أبيهم قد أخذ حظه من الدنيا ، وهم الآن غير مقصرين في حقه في شيء ، فالتنازل عن البيت وبيعه هو شيء من حقهم ، وكل الأحاديث كانت تدور في غياب أبي آدم ، وأظهر الجميع الطمع ، وبأنهم يتكلمون عن شيء هو في الأصل ملك لهم ، وبرروا لأنفسهم ولبعضهم كل ما كانوا يخططون له.

يتبع ....