عرض مشاركة واحدة
قديم 12-30-2012, 09:55 PM
المشاركة 29
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي


by Naguib Mahfouz, Egypt, (b. 1911)


أولاد حارتنا هي رواية من تأليف نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1988[1]، وتُعد إحدى أشهر رواياته وكانت إحدى المؤلفات التي تم التنويه بها عند منحه جائزة نوبل[2]. أثارت الرواية جدلا واسعا منذ نشرها مسلسلة في صفحات جريدة الأهرام وصدرت لأول مرة في كتاب عن دار الآداب ببيروت عام 1962 ولم يتم نشرها في مصر حتى أواخر عام 2006 عن دار الشروق[3].

خلفية الرواية

كانت أولاد حارتنا أول رواية كتبها نجيب محفوظ بعد ثورة يوليو إذ انتهى من كتابة الثلاثية عام 1952 وبعد حصول ثورة يوليو رأى ان التغيير الذي كان يسعى اليه من خلال كتاباته قد تحقق فقرر ان يتوقف عن الكتابة الادبية وعمل كاتب سيناريو فكتب عدة نصوص للسينما. لكن بعد انقطاع دام 5 سنوات قرر العودة للكتابة الروائية بعد أن رأى ان الثورة انحرفت عن مسارها فكتب أولاد حارتنا التي انتهج فيها أسلوبا رمزيا يختلف عن أسلوبه الواقعي وقد قال عن ذلك في حوار :".. فهي لم تناقش مشكلة اجتماعية واضحة كما اعتدت في اعمالى قبلها.. بل هي اقرب إلى النظرة الكونية الإنسانية العامة."[4] ولكن لا تخلو هذه الرواية من خلفية اجتماعية فرغم أنها تستوحي من قصص الانبياء إلا أن هدفها ليس سرد حياة الانبياء في قالب روائي بل الاستفادة من قصصهم لتصوير توق المجتمع الإنساني للقيم التي سعى الانبياء لتحقيقها كالعدل والحق والسعادة وتلك هي فالرواية نقد مبطن لبعض ممارسات الثورة وتذكيرا لقادتها بغاية الثورة الأساسية وقد عبر محفوظ عن ذلك بقوله:"فقصة الأنبياء هي الإطار الفني ولكن القصد هو نقد الثورة والنظام الإجتماعى الذي كان قائما."
الجدل حول الرواية

سببت رواية أولاد حارتنا أزمة كبيرة منذ أن ابتدأ نشرها مسلسلة في صفحات جريدة الأهرام حيث هاجمها شيوخ الجامع الأزهر وطالبوا بوقف نشرها، لكن محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الاهرام حينئذ ساند نجيب محفوظ ورفض وقف نشرها فتم نشر الرواية كاملة على صفحات الاهرام ولكن لم يتم نشرها كتابا في مصر، فرغم عدم اصدار قرار رسمي بمنع نشرها الا انه وبسبب الضجة التي احدثتها تم الاتفاق بين محفوظ وحسن صبري الخولي -الممثل الشخصي للرئيس الراحل جمال عبد الناصر- بعدم نشر الرواية في مصر إلا بعد أخذ موافقة الأزهر.[5] فطُبعت الرواية في لبنان من اصدار دار الاداب عام 1962 ومنع دخولها إلى مصر رغم أن نسخا مهربة منها وجدت طريقها إلى الاسواق المصرية.
كُفر نجيب محفوظ بسبب هذه الرواية، واتهم بالإلحاد والزندقة، وأُخرج عن الملة، وقُرءت الرواية بتشنج كما فسر النقاد والشيوخ رموزها وفق قواميسهم ومفرداتهم. حتى ان الشيخ عمر عبد الرحمن قال: - بعد نشر رواية سلمان رشدي "آيات شيطانية" - "أما من ناحية الحكم الإسلامي فسلمان رشدي الكاتب الهندي صاحب آيات شيطانية ومثله نجيب محفوظ مؤلف أولاد حارتنا مرتدان وكل مرتد وكل من يتكلم عن الإسلام بسوء فلابد أن يقتل ولو كنا قتلنا نجيب محفوظ ما كان قد ظهر سلمان رشدي" ويعتقد البعض ان لهذا التصريح علاقة مباشرة مع محاولة اغتيال محفوظ إذ حاول شاب اغتياله بسكين في أكتوبر تشرين الأول عام 1994 وقال "انهم" قالوا له ان هذا الرجل (محفوظ) مرتد عن الإسلام[6].
تمت عدة محاولات لنشر الرواية فبعد فوزه بجائزة نوبل أعلنت صحيفة المساء الحكومية القاهرية إعادة نشر الرواية مسلسلة وبعد نشرت الحلقة الأولى اعترض محفوظ عليه فتم ايقاف النشر. كما كانت محاولة أخرى بعد محاولة اغتياله عام 1994 نظرا للمناخ المتعاطف معه تحدياً للتيار الأصولي.. فتنافست عدة صحف على نشر "أولاد حارتنا" ما بين صحف حكومية "أخبار اليوم" و"المساء" وأخرى يسارية"الأهالي" لكن نجيب محفوظ عارض النشر وأعلن انه لن يوافق على نشرها الا بعد حصوله على موافقة الازهر[7]. وقد صدرت أولاد حارتنا كاملة بعد أيام من الحادث في عدد خاص من "الاهالي" يوم الاحد 30 أكتوبر/تشرين الأول 1994 وأعلن أنه نفد بالكامل[6]. وعقب نشر الرواية في الاهالي أصدر كتاب وفنانون بيانا طالبوا فيه بعدم نشر الرواية في مصر بدعوى حماية حقوق المؤلف الذي نجا قبل أيام من الذبح. في حين وصف كتاب أخرون ذلك البيان بأنه "محزن".
تجدد الجدل حول "أولاد حارتنا" نهاية 2005، حيث أعلنت مؤسسة دار الهلال عن نشر الرواية في سلسلة "روايات الهلال" الشهرية ونشرت الصحف غلافا للرواية التي قالت دار الهلال انها قيد الطبع حتى لو لم يوافق محفوظ بحجة أن الابداع بمرور الوقت يصبح ملكا للشعب لا لصاحبه إلا أن قضية حقوق الملكية الفكرية التي حصلت عليها دار الشروق حالت دون ذلك. وأعلنت دار الشروق مطلع 2006 أنها ستنشر الرواية مقدمة للكاتب الإسلامي أحمد كمال أبو المجد[8] أطلق عليها اسم "شهادة" كانت قد نُشِرت في السابق في صحيفة الأهرام بتاريخ 29 كانون الأول (ديسمبر) 1994 ونشرت العديد من الصحف نص هذه الشهادة وتم نشر الرواية في مصر في آخر 2006.
تحليل الرواية

الرواية واقعية رمزية، تدور في أحد أحياء القاهرة كما هي معظم روايات نجيب محفوظ كـ الحرافيش وزقاق المدق وغيرها، وتبدأ بحكاية عزبة الجبلاوي الخاصة التي يملأها أولاده. تندلع حبكة السرد منذ ولادة أدهم ابن السمراء وتفضيل الجبلاوي له على بقية أبنائه، وتمرد ابنه إدريس الأمر الذي أدى إلى طرده من عزبة الجبلاوي لتبدأ رحلة معاناته.
ينجح إدريس في التسبب بطرد أدهم من العزبة، وتمضي رحلة الإنسان والشيطان في الخلق كما روتها الكتب السماوية، فيقتل ابن أدهم ابنه الآخر، ويتيه أبناؤه في الحارة، فتنشأ فيها أحياء ثلاثة، ويظهر منها أبطال ثلاثة يرمزون إلى أنبياء الديانات التوحيدية الثلاث، كما يظهر في عصور الحارة المحدثة شخص رابع هو العلم الذي سيقضي على الجبلاوي.
أخذ الكثيرون من الشيوخ ومن غيرهم على الرواية تجرؤها على تمثيل الخالق بالجبلاوي، وإعادتها تمثيل أسطورة الأديان السماوية من جديد في واقع آخر، ثم نحوها منحى متمرداً بالزعم أن العلم قادر على أن ينزع من الناس فكرة الله.
لكن محفوظ يخالف الكثيرين هذه الفكرة، فبعد أعماله المغرقة في الواقعية، (ربما) أراد أن ينظر بتسامح إلى الديانات الأخرى، وإلى قصة الخلق، وأراد التأمل في حال البشر منذ الخليقة، وآمالهم وتطلعاتهم إلى عزبة الجبلاوي، وسعيهم الممض نحو الوصول إليها بشتى الطرق.
لم يكن من المستغرب اتهام أولاد حارتنا بالكفر. لكن، انطلاقا من احترامه للمشاعر الدينية رفض محفوظ تفنيد فتوي الأزهر، المؤسسة الإسلاميةالعليا في البلاد التي منعت الكتاب، إذ اعتبر محفوظ أنه من غير الحكمة الدخول في صراع مع الأزهر حول مسألة ثانوية نسبيا، بينما قد سيحتاج إلى دعمه في وجه ما سمٌاه الشكل القروسطي الآخر للإسلام، أي الحركة الاصولية الناشئة.
تُرجمت الرواية إلى الإنجليزية والألمانية وبعض لغات أخرى، وقوبلت باحتفاء كبير.
==

الجبلاوي.. الشخصية الخوارقية في العوالم المحفوظية!
في ثنايا صفحات الرواية العربية، ظهرت شخصيات خيالية تم تخليدها في أذهان القراء، إما بفضل الخصائص المميزة لبعضها أو نظراً لعوالم الرواية التي ظهرت فيها أو لأن بصمة السينما قد حفرتها في قلوب المشاهدين فيما بعد..
أياً ما كان السبب، فقد اخترنا لكم عشر شخصيات خيالية لن نكون مبالغين لو قلنا إنها الأفضل، قد يختلف معنا البعض في تقييم هذه الشخصيات، لكن سعينا أن نبين سبب اختيار كل شخصية ضمن الملف الذي نقدمه لك عزيزي القارئ، حيث كل أسبوع شخصية، ولكل شخصية حدوتة..


الجبلاوي يزعج عبد الناصر:

ظهر (الجبلاوي) لأول مرة، عندما فوجئ قرّاء جريدة الأهرام العريقة بنشرها للفصل الأول من رواية (نجيب محفوظ) الجديدة في صباح 21 سبتمبر 1959، وكان واضحاً أن رواية (أولاد حارتنا) لن تمر على خير؛ إذ لم يمضِ شهر ونصف على النشر حتى فوجئ (هيكل) -رئيس تحرير الأهرام آنذاك- باتصال هاتفي من الرئيس (عبد الناصر) شخصياً يستعلم عن الرواية، حيث ارتفعت أصوات غاضبة كثيرة تطالب بمنع الرواية.
وتشكلت لجنة في وزارة الأوقاف سمّت نفسها (الدفاع عن الإسلام) ضمّت الشيخين محمد الغزالي وسيد سابق، بالإضافة إلى الكاتب المصري سليمان فياض، وقد حكمت اللجنة على الرواية باعتبار التأويل الديني؛ حيث اعتبرت أن الشخصيات الروائية (أدهم وجبل ورفاعة وقاسم) يمثلون الأنبياء الكرام (آدم وموسى وعيسى ومحمد) عليهم السلام، بينما افترضت أن (الجبلاوي) يمثل الذات الإلهية، والطريف أن هذا التأويل راعى جهة الإدانة للرواية دون أدنى اعتبار لرأي المؤلف فيها!

فيما بعد، وتحديداً عام 1994، سيتم طعن (نجيب محفوظ) في رقبته على أساس تكفيره؛ بسبب كتابته لهذه الرواية، وسيزور الشيخ الغزالي كاتبنا الكبير في المستشفى أثناء علاجه، وسيكون حريصاً على أن يمسك العصا من المنتصف كما هي عادته، فاغتيال محفوظ (جريمة لا يقرها شرع ولا دين)، أما إعادة نشر جريدة الأهالي للرواية عقب حادثة الاغتيال فقد علق عليه بقوله: (السموم أيضاً تنشر خلسة والناس تقبل عليها).
ومن المعلومات المغلوطة أن (محفوظ) حاز على جائزة (نوبل) للآداب بفضل رواية (أولاد حارتنا)، فنادراً ما يحوز أي مبدع على هذه الجائزة بفضل عمل واحد، والواقع أن الأكاديمية السويدية عند إعلانها حيثيات فوز كاتبنا الكبير بالجائزة عام 1988، قد نوّهت بالرواية فقط، بالإضافة إلى ثلاث روايات أخرى..
إن كل هذا اللغط المثار حول الرواية، وحول تأويل شخصية (الجبلاوي) تحديداً، جعلها من أكثر الشخصيات الخيالية انتشاراً على الألسنة في وطننا العربي، لكن هذا وحده ليس سبب عظمتها..


من هو الجبلاوي؟!

(الجبلاوي) هو البطل الأساسي لرواية أولاد حارتنا، وهو من أكثر شخصيات (محفوظ) هيبة وغموضاً، فهو من أنشأ الحارة التي شهدت جميع أحداث الرواية، وهو صاحب أوقافها وكل قائم فوق أرضها، يصفه (محفوظ) في روايته بالآتي:
- "هو أصل حارتنا، وحارتنا أصل مصر أم الدنيا، عاش فيها وحده وهي خلاء خرب ثم امتلكها بقوة ساعده ومنزلته عند الوالي، كان رجلاً لا يجود الزمان بمثله، وفتوة تهاب الوحوش ذكره".

- "كان فتوة حقاً، ولكنه لم يكن كالفتوات الآخرين، فلم يفرض على أحد إتاوة، ولم يستكبر في الأرض، وكان بالضعفاء رحيماً".

- "وهو يبدو بطوله وعرضه خلقاً فوق الآدميين كأنما من كوكب هبط".

- "وما يقلقهم إلا أنه جبار في البيت كما هو جبار في الخلاء، وأنهم حياله لا شيء".


إن هذه الأوصاف وغيرها لتكشف عن ملامح الجبلاوي، لكنك تظل أمام صورة عامة مهيبة، ترك لك (محفوظ) ملْأها بخيالك، فهو لم يتعمق في ملامحه الجسدية إلا بذكر طوله الجبار وقوته الرهيبة وصوته العميق، لا يكاد يظهر فيه عيب، سوى أن الناس يعتقدون أنه معتزل في بيته لا يفارقه وأنه لم يعد يسمع شكواهم ومظالمهم، لكنه يخالف ظنونهم بأن يكلف كل فترة واحداً من أبناء الحارة بأن يدير الوقف لصالح الناس وأن يتخلص من الفتوات الجبابرة الذين عاثوا في الحارة فساداً..
وهذا الغموض الذي يكتنف الشخصية أتاح الكثير من التقاطعات التي يمكن تأويلها على نواحٍ مختلفة، فمن الناس من أصرّ على أن الجبلاوي بجبروته وعدله وخلوه من النقائص يمثل الذات الإلهية قطعاً، خاصة أن الأحداث التي تجري للشخصيات الأخرى في الرواية تتضافر مع الحقائق التاريخية والدينية التي جاءت في سيرة الرسل الكرام، ومن الناس من ادّعى أن الرواية لها تأويل سياسي، فالجبلاوي يمثل (عبد الناصر) والرواية تحاكم خطايا الثورة، بل إن مقتل (الجبلاوي) في النهاية هو تنبؤ بمقتل الرئيس في نهاية المطاف!

وأنا أتفق مع من ذهب إلى أن (الجبلاوي) رمز لفكرة الدين داخل الإنسان، وأن ظهور شخصية (عرفة) -حيث إنها رمز للعلم- في نهاية الرواية، وقيامها بقتل (الجبلاوي) ثم ندمها على ذلك وإصابتها بالاضطراب وعدم التوازن، دليل على الصراع الفكري الحاد الذي شهدته تلك الفترة بين العلم والدين.. المادة والغيبيات.. معجزات التكنولوجيا والمعجزات الروحانية، وهو صراع نشهد تطوراته الآن بين أقطاب العلمانية ومناصري التدين.

ولو أننا تأملنا فكرة الرواية جيداً، لوجدنا الحل الشافي لهذا الصراع، فالإنسان لا يمكن أن يستقيم إلا بمصالحة العلم مع الدين، فإذا ما ظل يرى جوانب الاختلاف بينهما دون أن يرى جوانب الاتفاق فلن يتمكن الإنسان من بناء مستقبله إلا على حساب عقله أو سلامه النفسي، وهو ما حدث لعرفة، فعندما أدرك أن (الجبلاوي) قد سامحه، امتلك القدرة على مجابهة فتوات الحارة وأن يحمل أهلها على مناصرته ضد الظلم والجهل.
هذا هو (الجبلاوي) ببساطة، رمز الاعتدال والوسطية، وهو الذي سنقضي عمرنا كله نبحث عنه دون أن نستطيع العثور عليه!