عرض مشاركة واحدة
قديم 08-07-2010, 12:06 AM
المشاركة 7
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: حكايات من ضيعتنا

شخصيات من ضيعتنا


سناء
في عينيها زرقة السماء و في غدائرها ذهب الشمس
بضة ريانة..فتاة عندما ترتدي فستانها الأحمر المفوف بالأزاهير يخال المرء نفسه قد ولج في حديقة مزهرة
سناء فتاة تتقن كل أعمال المنزل من ترتيب و تنظيف و طهو و غسيل و أعمال يدوية تجمل البيت ليستقبل في المساء القادمين من البستان
سناء هادئة رزينة و عندما تمشي لا تكاد تسمع وقع خطواتها
طرق الحب بابها عندما أتى عمها أبو سعيد ليخطبها لابنه
سعيد شاب درس في المدينة .أنيق و حلو اللسان ،وهو في الحقيقة معقد آمال كل بنات القرية
غبطت سناء نفسها على سعادتها يوم أن خاصر بنصرها الأيمن خاتم سعيد
رقصت أفراح قلبها و هي تعد عدة الزفاف من ملابس و لوازم بيتية و مطرزات و بياضات

جاءت الأيام المنتظرة –أفراح قريتي تستمر أياما في العادة-
في اليوم الأول أتت لداتها و قمن برسم الحناء و نقشها على يديها و رجليها ...رقصت الفتيات وغنت حتى ذبل الليل و نام متكئا على يده و هو يراقب الفراشات الراقصات
في اليوم الثاني ..جاءت نساء القرية كلهن صغيرات و كبيرات ليسهرن عند العروس فغدا منذ الصباح تبدأ مراسم الزفاف ....
سهرن أيضا حتى وجدوا القمر مستلقيا على سطح الدار من شدة الإعياء الذي لقيه و هو يرامقهن خلسة
في اليوم الثالث زينوها و ألبسوها الفستان الأبيض و عند المغرب رافقنها إلى بيت أحمائها سيرا على الأقدام
سناء نهلت من السعادة عاما كاملا , أنجبت في نهايته فتاة جميلة
سناء نهلت عاما آخر من السعادة .ثم أنجبت ابنا صبيا ..كان مريضا
مريضا بمرض لا برء منه ،شلل كامل يكتنف كل أطرافه
سناء تحملت و احتسبت و صبرت و أنجبت ابنا مريضا آخر
كلما صادفها أحد في طريقه ابتسمت برضا لا تجدها إلا في عيون من عرف الله
مات الابن الكبر و تبعه أخوه
سناء الآن في الثلاثينات و لكن جمالها ذوى و آمالها صوحت و انطوت


هدى
في سمرتها قمح الحقول
خفة دم متناهية و مشاغبة لذيذة
أينما حلت تزرع ضحكة..تروي نكتة ..تحكي قصة ..تطبع ضحكتها في ذاكرتك
مثل أترابها ،هدى تتقن كل أعمال المنزل و الحقل
في حفلة عرس اصطادتها حماتها
خطبتها إلى أهلها فأخطبوها
عندما رأت عروسها لأول مرة فتنها جماله و لون البن في بشرته
بعرس كبير بدأت حياتها الزوجية
مضى عام ..عامان..أعوام
بلا أطفال..!
في عرف القرية هذا مثلب كبير ،المرأة العقيم كالشجرة غير المثمرة قطعها حلال
..هكذا يعتقدون
لم ينظروا للشجرة من الجهة الأخرى ،نفس الشجرة يتفيئون بظلها
تحملت كثيرا من نظرات اللوم و العتب و تحملت بعدها التصريح بنقصها عن بقية النساء
في النهاية سلمت بقضاء الله ..اتكلت على الله ...خطبت عروسا لزوجها
أنجب خمسة أبناء من الزوجة الجديدة ..
ساعدت ضرتها في تربية الأطفال و هم ينادونها :ياما
بين تيهها بصباها و دلالها و بين غبار السنوات المتراكم تستمر هدى في حياتها


القابلة
امرأة مربوعة القامة في العقد السادس من عمرها
تلبس لباس النساء التقليدي المكون من ثوب مشجر بألوان زاهية غالبا و فوق قسمه الأسفل تنورة سوداء أما غطاء الرأس فهو من القماش الأبيض المطرز
تحمل في يدها عدة الولادة
كل طفل في القرية صرخ صرخته الأولى عندما ساعدته هي بالخروج من رحم أمه
كل طفل في القرية بشكل أو بآخر حفيدها
هي ليست فقط قابلة و إنما تغسل الأموات من أجل تطهير الجسد لإتمام طقوس الرحلة الأخيرة
تتولى طقوس الولادة و الموت و هذا لعمري تناقض أو ربما تجانس
الغريب في أمرها أنها لم تتزوج أبدا
لم تجرب مرة واحدة آلام الولادة
لم ينادها طفل من رحمها بكلمة ياما
كل أطفال القرية يقولون لها :عمتي أو ستي
أظن أنها لو تزوجت و حملت فلن تجد من يساعدها في الولادة لأنها القابلة الوحيدة
لكن عند رحيلها وجدت ألف يد رحيمة بها تطهر جسدها في رحلة النهاية


عمي أبو محمد
رجل ثري يملك أراض كبيرة في القرية
أبناءه أيضا كثر ،ثلاثة من الصبيان و ستة من البنات
زوجته امرأة عفية قادرة .تدير كل شيء و لكن من خلال صورة زوجها
تشتري و تبيع و تحلب أبقارها و تعشب حقلها و تستأجر العمال و تزوج الأبناء و البنات
هي مملكة أشبه بمملكة(فاطمة ثعلبة ) في رواية (الوتد) لخيري شلبي
في ليلة ما و بعد أن أكملت كل مهماتها نامت و لكنها لم تستيقظ أبدا
بعد موتها انكسر داخل عمي أبي محمد جدار كبير ،شرخ كبير أدى إلى انهدامه
لم ندر كم شكلت له هذه المرأة من كيان حتى رحلت
طوال عمره شكا من تسلطها و سيطرتها عليه و لما ماتت لم يستطع أن يعيش بدونها
كنت أراه كطفل هائم يبحث عن أم أضاعها في الزحام
بعد موتها بفترة وجيزة أصابه سرطان في الحنجرة لفرط التدخين فاستأصلوها
صرت تسمع حديثه قرقرة و تفهم ما يريد من تعابير وجهه و حركات يديه
في يوم ربيعي مشمس فاضت روحه إلى بارئها و على وجهه ابتسامة كبيرة
كان على موعد للقاءها ،في عالم آخر!!