الموضوع: امرأة
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
16

المشاهدات
2250
 
عبد الكريم الزين
من آل منابر ثقافية

اوسمتي
الوسام الذهبي الألفية الرابعة الألفية الثالثة وسام الإبداع الألفية الثانية التواصل الحضور المميز الألفية الأولى 
مجموع الاوسمة: 8


عبد الكريم الزين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
14,144

+التقييم
11.39

تاريخ التسجيل
Dec 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16516
09-04-2021, 11:36 PM
المشاركة 1
09-04-2021, 11:36 PM
المشاركة 1
افتراضي امرأة
ينعكس جيدها الرخامي مشرقا على صفحة الزجاج وإطاره الذهبي، فتهمس المرآة في أذنها. تغازل جمالها البلوري، وتشدو بحسنها الفاتن.

تمد يدها إلى الشعر المتدفق شلالا من حرير، تداعبه وتضمه فوق رأسها بأناة، تعيد إليه خصلات شقراء متمردة.

تسري عبر جسدها رعشة مفاجئة، تخفق لصداها نبضات قلبها المرهف.

ماذا لو انهارت وسط الجمع الذي ينتظرها؟ وكيف تصمد أمام كل تلك العيون التي ستحاصرها؟...

طوفان من الأسئلة يجتاحها، يطبق عليها، يحبسها في ضباب كثيف.

تفتح الدرج، وتسحب قارورة عطر فرنسي فاخر، تنظر إليها للحظات. تنزع سدادتها فتنتشي الحجرة الفسيحة برائحة زكية.

تلثم القارورة بعشق وحنين، تنثر بضع قطرات منها على عنقها وثيابها، تدغدع رائحة زهرة الغاردينيا الياسمينية أوتار أحاسيسها فتطبق أجفانها، وتحلق روحها منعتقة في براري اسكتلندا الخضراء الشاسعة.

تبدد سحابة حلمها قرقعة حذاء ثقيل، الأرضية الصقيلة ترددها بانتظام كترنيمة جنائزية، يتقدم حارس أشيب الشعر، ينزع قبعته وينحني قائلا :

"مولاتي، إنهم ينتظرونكم".

ترفع كفها مشيرة إليه، يعاود الانحناء ويخرج من الحجرة، تقف بطولها الفارع، وقامتها المشدودة، تنظر إلى نفسها في المرآة، تستدير بإعجاب وتتفحص طيات فستانها الحريري الأحمر، وقفازيها الساطعين بلون النار.

ترسل رداءها الأزرق الناعم على جسمها، تلقي نظرة أخرى إلى المرآة، وتتهادى خارجة من حجرتها.

كانوا ستة من النبلاء يتراقص الريش متغطرسا على قبعاتهم، انتصبوا لمرآها وحيوها، تمشي بخطوات متئدة ، فيسكت الممر الطويل منصتا لنغم خطواتها الخافتة، يتبعها النبلاء، يرافقهم صمت رهيب.

تصل إلى ساحة يجثم الصقيع القاسي على أرضيتها القاسية، وتطوق ظلال أطرافها القاتمة حشدا من الوجهاء والعامة والحرس المسلح.

ينصب السكون ستاره الرهيب بعد قدومها، وتحيط بها الوجوه المتجهمة والملامح العابسة الشامتة.

تتوقف أمام رجل مهيب طويل القامة، وجهه صخرة من جليد، يخفض بصره نحو الأرض ويقوس ظهره لمرآها، تخنقها رغبة ملحة بالتهاوي والبكاء.

تغمض عينيها فيغشاها نسيم عطر الغاردينيا الياسمينية، تتماسك وتستدعي شموخها، تقترب من الرجل ذي الملامح الجليدية بخيلاء، تنزع رداءها، فيشرق بلونه الدموي فستانها الأحمر، تجثو على ركبتيها بثبات، وتفرش جيدها ليعانق غطاء حرير متربعًا على كتلة خشبية صلبة.

تحرص على أن لا تنفلت خصلات شعرها المشدود، وتستعلي نظرتها البنفسجية متحدية الحشد المحدق بها، فتشيح عنها العيون مرتبكة، خائبة.

ترسم ابتسامة انتصار صغيرة على طرفي شفتيها الرقيقتين، وترخي أسدال رموشها السوداء الطويلة.

يرفع الرجل الطويل بكلتي يديه فأسه الحادة، ويومض النصل قبل أن يهوي على الجيد الجميل.

تجري وصيفة يافعة، تكاد تتعثر في ثيابها السوداء، تندفع إلى صدر قاعة فسيحة، حيث تنتحب امرأة شاحبة اللون بصمت، ثم بحرقة هزت الجدران حين تمتمت الوصيفة المرتبكة:

" جلالة الملكة إليزابيت.. تم إعدام المتآمرة".