عرض مشاركة واحدة
قديم 10-12-2010, 11:34 PM
المشاركة 2
أحمد فؤاد صوفي
كاتب وأديـب

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
* الفصل الثاني *


وفجأة . . وكأنـه مشهـد من أســـاطير قديمة . . أو أنه فصل بعيد عن الحقيقة . . يظهر خالـد . . الإطفائي المغوار . . يأخـذ عدتــــه . . وبدون مقدمــات . . يعدو تجاه البيت . . وخلال ثـوان قليلة . . يختفي خلف سحب الدخان . . .
كانت أمل في صراع حقيقي مع الموت . . لم تتنبه إلى شــعرها وقد احترق . . ولكنهــا انتبهت إلى ثيابها التي احترقت . . ولم يبق منها إلا أسمال منكمشة . . وانطبق صدرها . . وهمـد تنفسهـا . . وأصابتهـا النـار إصـابات مباشــرة في أنحـاء متعددة من جسدهـا . . وكان شعـورها بأنهــا عارية . . لايقل فظاعة عن شعورها بأنها محشورة ومحترقة. . وأيقـنـت أن لا ســــبيـل إلى النجـــاة . . .
دخل خالـد البيت . . وقدر بخبرته أن يتجه إلى الدرج الرئيســــي لأنه أنســـــب مكــــان للاحتماء . . ولم يخب حدســـه . . فما أن انقشعت سحب الدخان لبرهة قصيرة . . حتى وجد أمل أمامـــه . . كتلة سوداء . . وعينـان تبرقـان . . وجسد عار . . .
وبمثل البرق . . خلع سترته الواقية . . ولف بها الجسد الواهن . . حمله إلى صدره . . وخرج بـه بيـن ألسـنة النيـران إلى الهـواء الطلــق . . وتعــــالى الهتــاف والتهليل . .
ثم أسـرع بايصـال الفتاة الواهنـة إلى سـيارة الإسـعاف . . وركب معهــا . . ووضع لهـا كمامة الأكسجين . . تتقوى بها . . ورفض أن يتركها . . شيء مـــا شده ليبقى معها . . وهي المسكينة ملفوفة بالسترة الواقية . . عاجزة عن الحركة . . عاجزة عن التفكير .
مكثت أمل في المستشفى فترة طويلة . . خضعت لعمليات كثيرة وأصيبت بتشوهات عديدة . . أما حالتهـــا النفسية . . فكان لا يرتجى شفاؤها . .
وخلال لحظــــات صفائها . . كـــــانت لا تذكر سوى الســاعدين القويين اللذين حملاهــا وأنقذاهـــا من موت محقـق . . ومعهمـا تلك النظـرة الجميلــة . . الواثقـة . . المؤمنـة . . لذلك الإطفائي الشـهم . . كيف حملهــــا . . كيف شــدها إلى صدره العاري . . وكيف اندفع بها وسـط ألســنة اللهب . . وهو بدون حمايــة . . ماهذه الجرأة . . ! هـل هنـالك بشـر تلك صفــــاتهم . . !
وفي خزانــة المستشفى . . احتفظت أمل بالسترة الواقية . . تحضنها . . كلما أرادت أن تشعر بهدوء نفسها . . . مشــاعر وأحوال غريبة . . قلبت كيان الفتاة الجميلة . . بين ليـلـــــة وضحـاهــــا . . .

أما خالد الشهم . . فلقد تعافى سريعاً من حروقه السطحية . . ولكن الغريب في أمره . . أنه لم يستطع نسيان بريق هاتين العينين . .
عاش معه هـذا البريق لحظـــة بلحظـــــــة . .
صـــارا توأميــن . .
لاينفكان يتناغمان . .
ســـوية يلتقيـان . .
ولا يفترقـــــــان . .
وحاول في البداية الانفكاك عن ذلك الشعور . .
فلم يستطع إلى ذلك سبيلاً . .
فتحول عن ذلك . . يجمع كل المعلومات المتاحة عن الفتاة التي أنقذها . .
وزارها في المستشفى مرات عديدة سرا ودون أن تراه . .
وصارت هاجســــه . .
يحلم بهـــا كل يوم . .
وعرف أنهــا قدره . .
انقضى عام كامل بعد الحادثــة . . وتوجه خالد إلى أهل محبوبتــه في بيتهم الجديد
. . رحب بـه الوالدان . . واستبشرت الأم خيـــراً . . . وبعد المجـــامـلات و الترحيبــات الواجبـة . . . توجـه إلى مضيفـه . . . عمي الكريـم . . جئتـك طالباً يد العزيزة أمل . . . وآمـل ألا تـردنـي خائبــــــــــــــــاً . . .
كانت أمل في وسط الدرج الذي يفصل الدور الأرضي عن الدور العلوي . . عندمــا رنت كلمات خالد في أذنيهـا . . .امتقع لونها . . .وهطل الدمع من عينيها مدراراً . . ونكصت عائدة إلى غرفتهـا . . أغلقت على نفسهـا . . . وتحولت كتلة من الدمع والآهات . . .
كـان ألمهـا عظيمـاً . . . لا تتحملـه الجبـال . . . ورفضت الخطوبـــة رفضـاً قاطعـاً . . .
وكيـف لهــا أن تقبل بمثل تـلك التضـحيـــة . . . وهي التي أصابهـــــاالتشــــــــوه . . .
لقد أحبت عادل حباً جارفاً . . .وعاشت له وبه . . . ولكن أن يتحول شــعوره إلى عطف عليهـا وأن يلزم نفســـه بها طيلـة حيـــــاتـه . . . فهذا ليـس من شـيمهـا . . . ولن تقبل بتضحيته هذه المرة . . . لقد ضحى بنفسه يوماً لإنقاذها . . . وعليهـــا أن تنسحب الآن وتتركـــه لحيـــاتـــه . . .
رفضت وأصرت . . . وخرج عادل منكسراً . . . وقد أدرك ماحدث . . . كان حزنه عميقاً . . . لم يدر مايفعل . . . حتى أنـه اعتكف في اليوم التـالي في منزله . . يلوم نفسه على الموقف الذي وضع محبوبته فيه . . . فقد ظن أنها سـتكون سعيدة بطلبه . . . ولم يقدر رهافـة روحهـا وكرامــة نفســـــها . . . وبأنهــــا من الطبيعي ألا تقبـــل بطلبــــــه . . .
لم يدر ذلك في حسبانه . . . لم يقدر الموقف ولم يخطط له كما يجب . . . لام نفســــه وقاسى الأمرين معها وحملها كل الخطأ . . . ودأب يفكر أن كيف يمكنه أن يصلح هذا الموقف . . .



* يتبع *