الموضوع: مواقف إيمانية
عرض مشاركة واحدة
قديم 05-21-2021, 06:26 PM
المشاركة 28
ثريا نبوي
المراقب اللغوي العام
الشعراء العرب

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية التميز الألفية الأولى القسم المميز شاعر مميز المشرف المميز 
مجموع الاوسمة: 8

  • موجود
افتراضي رد: مواقف إيمانية
الحجَّاج وسعيدُ بنُ جُبَيْر

يَروي عونُ بن أبي شداد ما وقع بين سعيد والحجاج فيقول: بلغني أن الحجاج لما ذُكر له سعيد بن جبير أرسل إليه قائدًا يسمى المُتلمِّسَ بن أحوَصَ في عشرين من أهل الشام، فبينما هم يطلبونه إذا هُم براهب في صومعته فسألوه عنه فقال: صفوه لي فوصفوه فدلَّهم عليه فانطلقوا فوجدوه ساجدًا يناجي بأعلى صوته فدنَوا وسلموا، فرفع رأسه فأتم بقية صلاته ثم رد عليهم السلام فقالوا: إنا رسل الحجاج إليك فأجبه، قال: ولا بد من الإجابة، قالوا: لابد فحمد الله وأثنى عليه وقام معهم حتى انتهى إلى دير الراهب فقال الراهب: يا معشر الفرسان، أصبتم صاحبكم قالوا: نعم فقال: اصعدوا فإن الأسود تأوي حول الدير ففعلوا، وأبى سعيد أن يدخل فقالوا: ما نراك إلا وأنت تريد الهرب منا قال: لا ولكن لا أدخل منزل مشرك أبدًا قالوا: فإنا لا ندعُك فإن السباع تقتلك قال: لا ضير إن معي ربي يصرفها عني ويجعلها حرسًا تحرسني قالوا: فأنت من الأنبياء؟ قال: ما أنا من الأنبياء، ولكن عبد من عبيد الله مذنب قال الراهب: فليعطني ما أثق به على طمأنينة فعرضوا على سعيد أن يعطي الراهب ما يريد قال: إني أعطي العظيم الذي لا شريك له لا أبرح مكاني حتى أصبح إن شاء الله، فرضي الراهب بذلك فقال لهم: اصعدوا وأوتِروا القسيَّ لتُنفِّروا السباع عن هذا العبد الصالح فإنه كره الدخول في الصومعة لمكانكم، فلما صعدوا وأوتروا القسيّ إذا هم بالأسود قد أقبلت فلما دنت من سعيد تحككت به وتمسحت به، ثم ربضت قريبا منه.. فلما رأى الراهبُ ذلك وأصبحوا نزل إليه فسأله عن شرائع دينه وسنن رسوله ففسر له سعيد ذلك كله فأسلم، وأقبل القوم على سعيد يعتذرون إليه ويقبّلون يديه ورجليه، ويأخذون التراب الذي وطئه فيقولون: يا سعيد حلَّفَنا الحجاجُ بالطلاق والعِتاق إن نحن رأيناك لا ندعُكَ حتى نشخِصَك إليه، فمُرنا بما شئت قال: امضوا لأمرِكم فإني لائذٌ بخالقي ولا رادَّ لقضائه فساروا حتى بلغوا واسطًا فقال سعيد: قد تحرمتُ بكم وصحبتكم ولست أشكُّ أن أجلي قد حضر فدعوني الليلة آخذْ أُهبةَ الموت واستعدُّ لمنكرٍ ونكير، وأذكر عذاب القبر، فإذا أصبحتم فالميعاد بيننا المكان الذي تريدون فقال بعضهم: لا تريدون أثرًا بعد عين وقال بعضهم: قد بلغتم أمنكم واستوجبتم جوائز الأمير فلا تعجزوا عنه وقال بعضهم: يعطيكم ما أعطى الراهب، ويلكم أما لكم عبرة بالأسود ونظروا إلى سعيد قد دمعت عيناه، وشعث رأسُه، واغبرَّ لونُه، ولم يأكل ولم يشرب ولم يضحك منذ يوم لقوه وصحِبوه، فقالوا: يا خيرَ أهل الأرض، ليتنا لم نعرفْك ولم نسرح إليك، الويلُ لنا ويلًا طويلًا، كيف ابتُلينا بك؟ اعذُرنا عند خالقنا يوم الحشر الأكبر، فإنه القاضي الأكبر، والعادل الذي لا يجور، قال: ما أعذرني لكم، وأرضاني لما سبق من علم الله فيّ، فلما فرغوا من البكاء والمجاوبة قال كفيلُه: أسألك بالله لما زودتَنا من دعائِك وكلامِك فإنا لن نلقى مثلك أبدًا ففعل ذلك، فخلَّوا سبيله، فغسل رأسه ومدرعته وكساءه وهم محتفون الليل كله، ينادون بالويل واللهف، فلما انشق عمود الصبح جاءهم سعيد فقرع الباب، فنزلوا وبكَوا معه وذهبوا به إلى الحجاج وآخرُ معه فدخلا فقال الحجاج: أتيتموني بسعيد بن جبير قالوا: نعم وعاينَّا منه العجب، فانصرف بوجهه عنهم فقال: أدخلوه عليّ فخرج المتلمِّس فقال لسعيد: أستودعك الله وأقرأ عليك السلام فأُدخِل عليه:
فقال: ما اسمُك؟
قال: سعيدٌ بنُ جُبَيْر؟
قال: أنت شقيٌّ بنُ كُسَيْر.
قال: بل أمي كانت أعلمَ باسمي منك قال: شقيتَ أنت وشقيت أمُّك.
قال: الغيبُ يعلمُه غيرُك.
قال: لأبدلنك بالدنيا نارًا تلظى.
قال: لو علمتُ أن ذلك بيدك لاتخذتُك إلهًا.
قال: فما قولك في محمد .
قال: نبيُّ الرحمةِ إمامُ الهدى.
قال: فما قولك في عليٍّ في الجنة هو أم في النار؟
قال: لو دخلتُها فرأيتُ أهلها عرفت.
قال: فما قولك في الخلفاء؟
قال: لستُ عليهم بوكيل.
قال: فأيهم أعجبُ إليك؟
قال: أرضاهم لخالقي.
قال: فأيهم أرضى للخالق.
قال: علم ذلك عنده.
قال: أبيتَ أن تصدُقني.
قال: إني لم أحبّ أن أكذبَك.
قال: فما بالك لم تضحك.
قال: وكيف يضحك مخلوقٌ خُلِق من الطينِ؛ والطينُ تأكله النار؟
قال: فما بالنا نضحك؟
قال: لم تستوِ القلوب.
قال: ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والياقوت والزبرجد وجمعه بن يدي سعيد.
فقال: إن كنت جمعته لتفتدي به من فزع يوم القيامة فصالحٌ، وإلا ففزعة واحدة تذهلُ كلَّ مُرضعةٍ عما أرضعت، ولا خيرَ في شيء جُمع للدنيا إلا ما طاب وزكا.
ثم دعا الحجاجُ بالعود والناي فلما ضُرب بالعود ونفخ في الناي بكى.
فقال: الحجاج ما يبكيك؟ هو اللهو؟
قال: بل هو الحزن، أما النفخ فذكرني يوم نفخِ الصور، وأما العود فشجرةٌ قطعت من غير حق، وأما الأوتار فأمعاء شاة يبعث بها معك يوم القيامة.
فقال: الحجاج ويلك يا سعيد.
قال: الويل لمن زحزح عن الجنة وأدخل النار.
قال: اختر أي قتلة تريد أن أقتلك؟
قال: اختر لنفسك يا حجاجُ فوالله ما تقتلني قتلة إلا قتلتك قتلة في الآخرة؟
قال: فتريد أن أعفوَ عنك؟
قال: إن كان العفو فمن الله، وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر
قال: اذهبوا به فاقتلوه.
فلما خرج من الباب ضحك، فأُخبر الحجاجُ بذلك فأمَر بردِّه.
فقال: ما أضحكك؟
قال: عجبتُ من جرأتك على الله، وحلمِه عنك!
فأمر بالنّطعِ فبُسط فقال: اقتلوه.
فقال: "وجَّهتُ وجهيَ للذي فطر السماواتِ والأرضَ".
قال: شُدُّوا به لغير القِبلة.
قال:" فأينما تُولُّوا فثَمَّ وجهُ الله".
قال: "منها خلقناكم وفيها نعيدُكم".
قال: اذبحوه.
قال: إني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، خذها مني حتى تلقاني يوم القيامة، ثم دعا الله سعيدٌ وقال: اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
وقُتل سعيد بن جبير، واستجاب الله دعاءه، فثارت ثائرة بثرة في جسم الحجاج، فأخذ يخور كما يخور الثور الهائج،

شهرًا كاملاً، لا يذوق طعامًا ولا شرابًا، ولا يهنأ بنوم، وكان يقول: والله ما نمتُ ليلة إلا ورأيتُ كأني أسبح في أنهارٍ

من الدم، وأخذ يقول: مالي وسعيد، مالي وسعيد، إلى أن مات.

مات الحجاج، ولحق بسعيد، وغيره ممن قَتَل، وسوف يجتمعون أمام الله – تعالى – يوم القيامة

يوم يأتي سعيد بن جبير ويقول: يا رب سله فيم قتلني؟


منقول