عرض مشاركة واحدة
قديم 01-03-2014, 01:02 PM
المشاركة 26
روان عبد الكريم
كاتبـة مصـريّـة
  • غير موجود
افتراضي
ما زال ضوء القمر يفضح مكانهم، ويلقى بأشعته على القبور الشائهة الباردة ..ولكن القدر كان رحيما بهم.. فقد وقفوا على حافة القبور ثم لوا أعنة جيادهم صوب حقول الذرة مرة أخرى..

ما زالت الهانم تسترجع ذكرياتها.. كان اسمها شهد في تلك الأيام البعيدة التي قربتها الصبية التي ترقد أمامها...غامت عيونها بالدمع وهى تتذكر أن الصبح حينما انبلج..ذهب أبيها معه وقد توقف قلبه الحنون عن النبض ويده تربت على عنق الحمار المسكين..أغمضت عينيه وأقسمت أن تأخذ يوما بثأره.. مازالت نار فراقه تحرقها حتى هذه اللحظة..ولت وجهها نحو بلاد بعيدة..ركبت القطار حتى الإسكندرية ..كانت تحمل في جيدها عقد زواجها وسوارها الذهبي الذي لم يبخل الباشا على شراؤهما لها..باعتهم وقد كفاها الثمن ذل السؤال وهى تقبع في حجرة صغيرة بعيدا عن الأنظار ..أخبرت جيرانها أن زوجها مسافر ..حين وضعت حملها ..لم تصدق الداية نفسها ثلاثة ذكور! ما شاء الله ضحكت وفرحت..كانوا يشبهون جميعا الباشا شبهاً شديدا..هذا الشبه الذي سهل لها طريق الانتقام.. الذي نفذته بعد عامين وهى تقف مع أهل البلدة بعد صلاة عيد الأضحى تنتظر اللحوم التي يجود بها الباشا عليهم ويوزعها عليهم بنفسه كدأب عائلته كل عام وقد غطت وجهها بخمارها..ووقفت أمامه..تطلب اللحم...وتتوسل ثلاثة أيتام يا باشا..ثلاثة أيتام يا باشا...غدر بهم أبيهم ..هم يتامى رغمانه حي..لفتت الأنظار وارتج على الباشا والجميع يتهامسون بينهم والشبه الواضحيهزه بعنف وبكاء الأطفال يثير الفضول والتعاطف.. وضع اللحم بيدها ولم ينبس ببنت شفه فألقت اللحم بوجهه وسط الهرج والمرج احتفظ بلحمك يا باشا واحتفظ أنا بلحمي ..أشهدكم جميعا..أن دمى ودم أبنائي في رقبتكم جميعا إذا أصابنا مكروه..مشيت بخطوات قوية ..كانت تعرف طريقها..صوب ألد أعدائه وزوج ابنة عمه ..كاظم الارناؤوطى .. باشا آخر ..الذي رحب بها وأفسح لها مكاناً فيبيته نكاية في عدوه..ونكاية في زوجته العقيم..سنية البرديسى التي رحبت بوجود ثلاث ذكور في عائلة توقفت عن الإنجاب ورأت في شهد خادمة جيدة لا تكلفها سوى الطعام والمأوى.. تنظر الهانم لزرد الصغيرة النائمة وشفتاها تمتم بشي ما..تربت كتفها..اقهري أيامك ..اقهري كل من آذوك ولوثوا جسدك.. وتسترجع أيامهاهي حينما أرادت سنية ابن عم الباشا رؤف البرديسى الباشا زوجها السابق وأبو أولادها قهرها وجعلها خادمة..
نظرت لأولادها الصغار يلعبون في مرح في الحديقة وعينها صوب القصر وقد خرج منه كاظم باشا يتقدم صوب الصغار.. نزعت خمارها كعادتها وكأنها لا تقصد لدى اقترابه ثم أسرعت بوضعه مرة أخرى..وابتسمت بسخرية وهى تدرك مدى تأثير وجهها الساحر عليه ..كانت تستمتع بهذا التأثير وعرفت أنها تثير للباشا الآخر ولكنها تقتصر في الحديث معه قدر الإمكان .. همست مرةأخرى بسخرية عله يحلم بثلاثة أولاد وجارية هذه السخرية التي تحولت لغضب مكتوم وهى ترقب الباشا الآخر زوجها السابق يدلف عبر بوابة القصر ثم يقف أمام الصغار.. راقبت تعابير وجهه المذهولة ثم نظرته صوبها التي كانت تحمل شيئاً من الاعتذار...حين تقدم لحمل احدهم انتزعته من يده
نزعت..وقالت-:
رميت لحمك يا باشا ولا يحق لمسه نظر إليها يومها رؤوف البدريسى بغضب وداخله متحير من أين أتت تلك الفتاة الوديعة المسالمة بتلك القوة..اخطأ يوم طردها ومطاردتها..لكن هل يعقل بعد أن أتم خمسين عاماً أن ينجب فجأة في عائلة اعتراها البوار والعقم ..آفاق على صوت على صوت عدوه اللدود كاظم..منذ متى تقتحم بيوتنا يا باشا هكذا أجابه باستخفاف لم أجئ زيارة يا كاظم ..بل أتيت لأولادي وزوجتي ضحك كاظم يومها-:
لديك أربعة زوجات يا باشا هل نسيت انك طلقت هذه المسكينة ورميتها وهى وحملها؟

اتطرم وجهه الباشا وامسك بعصاه ملوحأً ..ابتعد عن شهدو أولادي أتيت لأخذهم فيواجهه كاظم بغضب بل اسمها شهد الهانم.. الهانم سوف تصبح زوجتي اربد وجه رؤوف باشا بمزيد من الغضب ثم مزيد من الذهول وهو يستمع لصوت شهد القوى...

ومن قال أنى قبلت..اكتفيت من البشاوات وطباعهم اللئيمة.. وأمسكت بيد أولادها تجرهم جرا خارج القصر وكاظم يصيح غضبا ورؤوف البرديسى في أثرها كانت قد خرجت مسرعة وهو يناديها يا شهد..فتقف في قوة بل شهد الهانم..وتنظر عبر بوابة القصر للباشا الآخر متحدية فيجيبها رؤوف شهد الهانم ومن يومها أعطاها قصرا لتسكن فيه وحدها وظل الباشا الآخر على وده لم يقطع الأمل يبثها عشقه وغرامه ..لكن هدفها كان هناك في قصر أبو أولادها حيث أربع نسوة قلقات تدبرن المكائد لها..وهو يبذل العطاء والأموال علها ترضى عنه ..لكن قلبها كان يرقد هناك في المقابر بجوار قلب أبيها الخامد..كانت تبذل الموائد كل جمعة تطعم البطون التي أنكرتها والبيوت التي أغلقت في وجهها ليسرحمة أو عطفا بل لتعلن أن اسمها شهد الهانم...ويصبح لديها رجالا يأتمرونبأمرها ويقاتلون من أجلها والباشا يزروها ويلعب مع أولاده الثلاث وقد استطاب الوضع الذي هو عليه وحينما طالت الشهور والأيام وهو لا يحرك ساكنا وزاد توجسها من زوجاته وغدرهن وخوفاً أن يموت الباشا فجأة فلا تأخذ شيئا هي وأولادها أعلنت أنها ترغب في الزواج وان كاظم يلح عليها ولا تجد مناصا في القبول فيستشاط الباشا غضبا ويعلن انه سيأخذ أولاده فترد ساخرة خذهم. ولكن احذر أن تدس إحداهن السم أو تحرقهم ..أنت لا تدرى بقلوب نسوتك العقيمات.. فيرتد غاضبا وهو يعلم صحة كلامها..الم يؤلبوه ضدها ذات يوم وهى تحمل أولاده ثم يعود في اليوم التالي وانه سيطلق إحدى نساؤه ويتزوجها فترد في صرامة بل الأربعة يا باشا وطلقة بائنة يا باشا لديك ثلاثة أيام لا رابع لهم ويرضخ الباشا رضخاً وهو يمنى نفسه بأنه سيكبح جماحها بعد زواجه منها..لكنها كانت قد تعلمت الدرسوزاد غرامه بها اشتعالا وقد ودعت مرحلة الصبا وظهرت عليها علامات الأنوثة متوهجة.. وتزداد سطوتها وطغيانها فهو يتقدم في العمر وهى ما زالت في أوج تألقها ..وسيطرت على كل ما يملك...
- -
ولم تنسى نقمتها عليه ولا انتقامها منه ..فقد طلبت منه الخروج في ليلة اكتمل بها البدر فأعجبه الأمر وتعطر ولبس أي ما لديه.. فالهانم قد رضت عنه وهو متشوق ليذوق من هذا الرضاء في عربة تجرها الجياد ويرافقها رجالها الأقوياء مضت عبر البلدة التي فتحت أبوابها في فضول ثم اخترقت حقول الذرة النامية صوب المقابر..اهتز الباشا والعربة تتوقف على حافة المقابر وضوء القمر ينيرها ويثير الرهبة نزل هو يتخبط وحينما هم بالصعود صارخا أمرت رجالها أن يحملوه حملا حيث رقد أبوها رقدته الأخيرة... أجلسوه على الأرض وهو يرتجف وصوتها يدوى كانت أخر ليلة لي معى أبي هنا..لن يشفى غليلي إلا أن تموت مثله والباشا يرتعد ويبكى وشهد تركب عربتها وتمضى هي ورجالها وهو يجرى في إثرهم ويصرخ ويبكى
ثم يقع على الأرض..فيحمله رجالها ..حيث ظل أياما
فى حجرته يهذى ويختبئ ويرتعش طلبت ابنة عمه لتزوره فوجدته قد جن تماما.. نظرت إليها شهد بتشف وهى تنظر لوجهها المتجعد وتقارنه مع جمالها الفتاك ..تلطمها سنية البرديسى بقوة فتقول شهد في قوة لك دورك يا هانم ..لك دورك وما هي إلا أسابيع ويموت الباشا ويقف كاظم باشا في صفها حتى تحصل على كل الأملاك وتضم باشا آخر في حياتها وتتزوج كاظم بعد أن يطلق زوجته ويطرها شر طرده مر كل هذا بخاطرها وهى تسرح شعر زرد الحريري وتهمس لها اعلم كل ما حدث لك زرد..بعثت رجالا لبلدتك الظالمة ..اكتمي ألمك ولا تنسى انتقامك...فلذة الانتقام تمحو اي أسى...