الموضوع: أرض النساء
عرض مشاركة واحدة
قديم 12-11-2011, 12:22 PM
المشاركة 13
ايوب صابر
مراقب عام سابقا

اوسمتي

  • موجود
افتراضي
تابع ،،،


تعالوا نتابع قراءتنا المعمقة لنص "ارض النساء"...

ارض النساء
......
سنوات تتكرر من عمري لم يتغير فيها سوى التقويم .. وفراغٌقاتل يرافقحياتي الصاخبة وقد كستها حلة إنسانية مزيفة كتلك الدعاوى التي تعرض على أغلفة بعضالمجلات لحضور مأدبة خيرية أو لمزاد فاخر تجمع فيه التبرعات ..
-ليال لايزال الوقت مبكراً للمغادرة ..
-اسمحي .. ياسمين ..بالفعل تأخرت عن المنزل ..

تبادلت الحاضرات نظرات ذات مغزى مع ابتساماتٍ صفراء .. فقد قدمت لهنياسمين وجبةً جديدة يتسلون بها , وذلك بفضل ما نقلته عن ليال بالخفاء ..
لقد شبعوا من فضائح بعضهن .. وكانوا يتوقون إلى فضائح جديدة تبث فيهمروحالحماس والتسلية ..

أخفت ليال مشاعرالحرج وهي تلملم أغراضهاالشخصية داخل حقيبتها الجلدية .. وقد قرأت تلك النظرات في وجوههن .. لتخرج في عجالةبسلامٍ عابر ..".

لا نزال في الجزء الأول من النص، وقد تعرفنا من خلال الأسطر الأولى على طبيعية المشهد الذي يدور فيه الحدث، غرفة تجتمع فيه مجموعة من النساء صديقات الراوية، غرفة باردة ربما لان الطقس بارد، وربما لان الجو الذي كان يسود الغرفة يوحي بالبرودة. مجموعة من النساء والتي تنحصر اهتماتهن بالأزياء والمساحيق، والنميمة والتملق والقيل والقال...يحدث شجار بين اثنتين من الحاضرات...

هذا هو المشهد الأولى للنص...لتنتقل القاصة لتعريفينا على ما يبدو ببطلة القصة وهي الراوية نفسها، ونعرف لاحقا أن اسمها ( ياسمين ) وان اللقاء النسائي كان يتم في بيتها في بعض الأمسيات ...

تصف هذه الراوية بطلة القصة، وهي الشخصية الرئيسة على ما يبدو في القصة، تصف حياتها لنا على أنها تكرار، ولا يكاد يتغير فيها شيء غير مرور الأيام على المفكرة...وتصفها ايضا على أنها فراغ قاتل رغم أن حياتها صاخبة، وتكسو تلك الحياة حلة إنسانية زائفة مثل الإعلانات الزائفة.

وقبل أن تبتعد بنا كثيرا بالأحداث تقوم القاصة بتعريفنا بنقيض البطلة على ما يبدو ..وهي امرأة اسمها ( ليال ) ويأتي هذا التعريف من خلال حوار قصير يدور بين تلك المرأة وياسمين البطلة حينما تقرر ليال أن تغادر الحفلة النسائية فجأة وقبل انتهاء السهرة بحجة انها تأخرت عن المنزل ولكننا نكتشف ان السبب هو تلك الغمزات واللمزات التي لاحظتها ( ليال ) على وجوه النساء الحاضرات... لنكتشف ان بطلة القصة ياسمين هي التي نقلت لتلك النساء شيئا عن ليال ليكون بمثابة مادة للحديث والقيل والقال كنوع من الترفيه عن هذه المجموعة التي يبدو أنهن مللن رتابة الحياة وعدم حدوث تغيير فيها.... وكأنهن النار التي إن لم تجد ما تأكله تأكل نفسها.
لنعرف لاحقا بأن ما نقلته البطلة ياسمين عن ليال مادة دسمة ترقى إلى شكل من أشكال الفضائح، لان مثل هذه الفضائح هي مادة التسلية الوحيدة عند هذه المجموعة من بنات حواء التي تعاني من الفراغ والرتابة...

لقد قرأت ليال ما يدور في عقول تلك المجموعة من النساء من خلال (تبادلت الحاضرات نظرات ذات مغزى مع ابتساماتٍ صفراء ) ولذلك شعرت بالحرج الذي حاولت إخفاءه وهي تلملم أغراضها الشخصية لتغادر على عجل بينما كانت تلك النظرات ما تزال تلاحقها...

ونجد أن القاصة قد ضمنت هذه الأسطر بمزيد من الكلمات ذات الدلالة والتأثير مثل ( فراغ قاتل، صاخبة، ابتسامات صفراء، خفاء، فضائح، فضائح جديدة، روح ، الحماس، تسلية، الحرج، نظرات، وجوههن). ونجد أن القاصة تسخر التضاد بقولها ( فراغ قاتل + حياتي الصاخبة ) ، ومن خلال ( حلة إنسانية + مزيفة ) ، وفي استخدام كلمة ( صاخبة ) ما يشير إلى الحركة التي تبعث الحيوية في النص.

ثم تستثمر القاصة أسلوب لغة الحوار وهو من الأساليب المهمة التي تشد المتلقي للنص وتجعله أكثر واقعية وتجعل شخوصه اقرب إلى الحياة، ومن خلال الحوار تبدأ بتعريفنا بصفات الشخصيات التي يبدو أنها ستلعب الأدوار الرئيسية في الرواية وأحداث ارض النساء.

ونجد أن شخصية ياسمين ( البطلة وراوية الأحداثthe protagonist and the narrator) وتتصف بأنها تعيش حياة رتيبة، سنوات من عمرها تتكرر، لا يحدث في حياتها تغيير سوى التقويم، وهي في نفس الوقت حياة صاخبة، تكسوها حلة إنسانية مزيفة.

هذه الياسمين تقود مجموعة من بنات حواء واللواتي يجتمعن في منزلها للتسلية، لنجد أن مادة التسلية هي فضائحهن، تلك الفضائح التي أصبحت بدورها جزء من الرتابة والروتين القاتل مما حتم على ياسمين ودفعها أن تدعو إلى جلسة الأنس تلك في تلك الامسية امرأة جديدة، وتنسج حولها فضيحة تسربها بالخفاء للنساء المجتمعات، لتكون مادة لتسلية المجموعة بعد أن أصبحت فضائحهن مادة مستهلكة...ولكننا لا نعرف أن كانت هذه الفضيحة من نسج خيال ياسمين أم هي معلومات حقيقية كشفت عنها وفي ذلك نوع من التشويق يدفع المتلقي للاستمرار في القراءة..

ونجد أن القاصة تسخر عناصر تأثير أخرى في هذه الفقرة مثل تسخير الحواس باستخدام كلمات مثل ( نظرات) وهو ما يشير إلى حاسة البصر، و(ابتسامات صفراء) وهو ما يشير إلى حاسة الذوق.

كما نجد بأن القاصة تسخير الألوان... فمرة تتحدث عن اللون الأزرق، وهنا تتحدث عن ابتسامات (صفراء)... وتسخير الألوان له تأثير كبير حيث يجعل النص اقرب إلى اللوحة الفنية المفعمة بالألوان.

وفي حديثها عن (فضائح، مشاعر الحرج، وروح الحماس) ما يستنفر مشاعر المتلقي.

وأخيرا نجد أن القاصة تهتم بالتفاصيل وتسخرها من خلال وصفها مثلا لحقيبة ليال بأنها ( داخل حقيبتها الجلدية ).

ثم تعود لتسخير مزيد من الكلمات التي تدل على الحواس ( النظرات في وجوههن ) وهي هنا حاسة البصر... ثم مزيد من الحركة بقولها لتخرج في عجالة...

ملاحظات على النص الأول:
1- ربما أن هناك حاجة لإضافة كلمات ( لي يا ) بعد – اسمحي (لي يا) ياسمين.
2- لا أرى ضرورة لوصف السلام بالعابر...اعتقد انه يمكن حذف كلمة عابر ، ثم كيف يكون السلام عابر؟

بشكل عام أقول أن القاصة قد نجحت في إقحام المتلقي في النص، وأنا شخصيا اشعر بتوق لمعرفة أين سيتجه بنا الحدث أو سلسلة الأحداث في ارض النساء...

ولا شك أن بناء الشخصيات حتى الآن يبدو جيدا جدا (شخصية ياسمين )، واللغة جميلة، والنص يبدو تصوير واقعي لعالم المرأة ومكنوناتها النفسية، رغم أن اللغة السائدة هي لغة اقرب إلى الرومانسية.

يبدو اننا سنتعرف من خلال هذه الرواية على الكثير من اسرار عالم المرأة من خلال احداث ارض النساء وشخوصها النسائية خاصة ان الراوي من بنات حواء تجيد تصوير ذلك العالم كونها تنتمي اليه وتعرفه حق المعرفة، وتستطيع نقل مكنونات بنات حواء وربما ان هذا العنصر وهو تصوير الصراع النفسي الذي يدور في خلد بنت حواء هو الذي سيجعل لهذه الرواية قيمة عالية...


يتبع،،