الموضوع: آدم ليس تلميذا
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
3

المشاهدات
1261
 
رشيد عانين
من آل منابر ثقافية

رشيد عانين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
47

+التقييم
0.03

تاريخ التسجيل
Jun 2020

الاقامة
المغرب

رقم العضوية
16150
06-22-2020, 10:55 PM
المشاركة 1
06-22-2020, 10:55 PM
المشاركة 1
افتراضي آدم ليس تلميذا
آدم ليس تلميذا
تنكسر أشعة الشمس الذهبية على يدي، وكأنها تستأذن الدخول إلى قاعة الدرس، أفرك واحدة بالأخرى، وأتحسر على عمر فات ولم أتعرف فيه على صديق بهذا المستوى، ومن هذه الطينة، منذ أول حصة سكن صوته الرنان في أعماق قلبي، ودغدغ أحاسيسي، وهو يتكلم عن النجاح والدراسة والتفوق، إن عيبه الوحيد بصراحة أنه لا يجيد الحديث في مواضيع غيرها. في يومها تقرب إلي خطوة، فخطوت نحوه خطوات ذلك لانفتاح نفسيتي له إذ لمست فيه الجد والاجتهاد والرغبة الجامحة في مساعدتي، فسلمت له زمام نفسي، وأعطيته أحاسيسي ومشاعري كلها، وأحسست وكأنني أعرفه منذ زمن بعيد.
وأنا أجلس بجانبه ينقلني ذلك الجلوس إلى عوالم فكره وتفكيره، وأسبح في عالم من التخيلات التي ربما تمكنني أن أعرف ما يدور في خلده وضميره. هوس بصديقي فات الحد المعقول حتى أصبحت بين يديه كالميت بين يدي غاسله، يفعل به ما يشاء. وأنا غارق في أحلامي التي ارتاح لها ضميري وتفكيري، يفاجئني الأستاذ بسؤاله، ويطلب مني الإجابة بعد أن لاحظ علي علامات الشرود والذهول، فخاطبني ما بك وأنت منذ بداية الحصة تفرك يدا بيد؟ أين غاب فكرك ونحن نشرح الدرس ؟ فضلت الصمت لأني لا أمتلك الجرأة لأقول للأستاذ أني كنت مشغولا بالتفكير في صديقي آدم، فحول عني بوصلته واتجه بالسؤال إلى صديقي الذي أخذ عقلي ولبي وأنا أنظر إليه وأتأمل إجابته التي سحقت السؤال سحقا، بل تحول الجواب إلى مداخلة طالت نوعا ما، ذيلها بسؤال يُظهر تمكنه من معلوماته، فزادت حيرتي وتضخم استسلامي له، فتعلقت به أيما تعلق، ونقلني من عالم إلى عالم، من عالم السخافة إلى بحر الثقافة، بحر شربت منه وما ارتويت بل لا يزيدني إلا عطشا.
دق الجرس إيذانا بنهاية الحصة، وما إن خرجت خطوة من باب جحرة الدرس حتى عانقت صديقي آدم، وهمست في أذنه أنت أبي وأخي وصديقي، فرد علي أما الأخوة والصداقة فلقد عرفتها، ولكني لا أفهم كيف أكون بمنزلة أبيك. فقلت له أليس اسمك آدم؟ قال بلى. فقلت له إذن أنت أبونا كلنا. فاعلم ياصديقي آدم أني ابتداء من هذه اللحظة أعلن أني قد سلمتك مفاتيح دراستي فأنت مثلي الأعلى في العلم والتعلم.
اندهش آدم لمقالتي فيه وما كان يعرف أن قدره في قلبي وعقلي قد وصل إلى هذا الحد، فاغرورقت عيناه بالدموع وعانقني، فتوطدت كل حبال الود والصداقة التي كانت بيننا، وصارحته في جلسة خاصة بكل مشاعري وأحاسيسي، وقدّرها وأجلّها وأغدق علي مثلها حتى صارت صداقتنا يضرب بها المثل؛ صداقة قوامه العلم والعمل. انقلبت حياتي رأسا على عقب، بل الأصح اعتدلت حياتي الدراسية إلى الجد والاجتهاد. لقد تعلمت من آدم كل القيم الإيجابية التي يعرفها بني البشر، تعلمتها حية مجسدة أراها ألمسها أشمها أقلبها فأتمثلها في حياتي. لم يكن آدم واعظا ولا مرشدا بل كان ينبوعا يتفجر أمامك لترتوي منه بلا حدود، أعترف أنه أرسل خيره إلي بلا مقابل فأنبت زرعه وأثمر وأينع.