الموضوع: متى يموت ؟!
عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
16

المشاهدات
8020
 
ريم بدر الدين
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي


ريم بدر الدين is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
4,267

+التقييم
0.68

تاريخ التسجيل
Jan 2007

الاقامة

رقم العضوية
2765
11-29-2010, 11:11 AM
المشاركة 1
11-29-2010, 11:11 AM
المشاركة 1
افتراضي متى يموت ؟!
متى يموت؟




-1-



كنت أقف عند حنفية الماء العمومية أشرب ، عندما اقترب مني و أوسعني ضربا ..ركلني في بطني و صفعني على وجهي حتى أدمى شفتي و رسم لي دائرة سوداء غير منتظمة حول عيني اليسرى.
ضربني بكل حقد ووحشية و لم أستطع أن أرده ،خارت قواي أمامه ...هدني هذا المرض جفاف في فمي و حاجة للإخراج مستمرة ..
أخي الكبير هذا يضربني كلما رآني أتجول في الطرقات و الأسواق و أنا لا أجرؤ أن أقتل حشرة ،ربما انتقم مني أولادها !!
يقولون عني أنني مجنون! لكنني أتألم مثلهم ..أشعر بالإهانة.. ليته عندما ضربني استقدمني إلى داره الذي لا يسمح لي بدخولها و فعلها كما يحلو له ..ليته لم يضربني أمام الناس..
ربما كنت كما يقولون مجنونا لا أستطيع أن أزن الأمور بموازينهم ..غاية أملي هي لفافة تبغ أتسولها من أي مار بالطريق ...وبعض الطعام أحيانا .. يقولون أنني غني جدا لكن لا أعتقد أن كلامهم صحيح فملابسي تتآمر مع البرد ليمزق عظامي و ليس من مكان أبيت فيه سوى مدخل بناء في غالب الأوقات و في الليالي الصقيعية يستضيفني شيخ الزاوية في زاويته المغطاة بالسجاد بعد صلاة العشاء يدخلني إلى الزاوية و يقفل الباب لا يفتحه إلا عند أذان الفجر ، إحساسي أن ملابسي قذرة لا تتناسب مع طهارة المكان تجعلني أجلس متقوقعا في أقرب مكان قرب الباب ، عندما يشعر الشيخ بأنني أتضور جوعا يحضر لي طبقا من بيته مغطى برغيف و يدس في طيات الرغيف سيجارة ..يربت على كتفي برفق و يمضي إلى بيته ..

البارحة ..كنت محتاجا بشدة للفافة تبغ ...استجديت كل الجيران من يسكنون الحارة و المارة لكنهم لم يجودوا علي و لو بعقب سيجارة ..خرج رجل و امرأته من الزقاق المجاور ...ركبا السيارة ...نقرت على زجاج النافذة فتحها لي و ابتسم بود..
-سيجارة من فضلك
-أنا لا أدخن ..
مد يده إلى جيبه ، لعله يريد أن يعطيني ثمن سيجارة ...لكن زوجته فتحت صندوق السيارة و أخرجت لي علبة سجائر كاملة . فيما تناولني إياها لمحت دموعا رقيقة في عينيها ...لأول مرة يرفق بي أحدهم ما كما فعل إنسان عينيها ...
-هل أنت جائع؟
-جائع جدا..
أعطتني نقودا لأشتري طعاما
كلما مرت من أمامي في الشارع كنت أرى دموعها ..يا لها من سيدة حزينة...هل هي مجنونة مثلي؟
أتمنى يوما ما أن ألعب مع أولاد إخوتي أو أن أدخل بيوتهم لأنعم بالدفء في الليالي الشتوية الباردة لكنهم دوما يطردونني بحجة أني قذر و مجنون ..


-2-


- متى يموت هذا الوغد؟متى أرتاح من لعنته السرمدية؟أريد أن أحصل على ميراثي منه...كم كان أبي غبيا عندما لم يسيطر على ثروة زوجته قبل وفاتها ...ابنه المجنون يمتلك الثروة حقا شرعيا و لا أستطيع إلا أن أنتظر أن ينفق كما ينفق البعير كي أنال إرثي منه...مجنون كهذا يحتكر مبلغا ضخما من المال يكفي لبناء امبراطورية!!
البارحة وجدته عند حنفية الماء العمومية
كان يعب الماء بنهم ...لا أدري لم تملكني غضب الدنيا كلها إزاءه ..
شيء ما دفعني لأصب كل ما يعتمل في نفسي تجاهه..بينما كنت أنهال عليه بالضرب تعاظم إحساسي أن ما بقلبي لن يستطيع أن يعبر عن نفسه مهما ركلته و صفعته
كان يتأوه و يتوجع و هو مستسلم لضرباتي
توقعته أن يتكور و يموت لأرتاح منه إلى الأبد و أنعم بنقوده و ثروته
يمر على بابي في الأمسيات يريدني أن أؤمن له مبيتا عندي ...ألا يرى كم هو قذر؟؟
كيف أدخله بيتي؟ و يرى أولادي عمهم المجنون ...أبي الغبي دلـله كثيرا حتى عندما فقد عقله استمر في العناية به
كم من مرة نصحته أن يودعه مشفى الأمراض العقلية لكنه مانع دوما
وهاهو الآن مثار الفضائح ..

-3-


-أراه في الصبح و في الأمسيات منذ طفولتي و حتى الآن و أنا أدخل العقد الرابع من عمري
ثيابه متسخة دوما
دوما يكون الزر الأخير معقودا في العروة ما قبل الأخيرة ليكون قميصه دوما بطرفين غير متناظرين
لحيته مشعثة و شعره متسخ
جارنا الحلاق أبو عبدو في بعض الأحيان يدخله إلى دكانه لينظفه و يحلق له شعره
لكن عندما توفي أبو عبدو استطالت لحيته و ابيضت بينما صار شعره مرتعا للقمل و الأوساخ
حيثما قابلته يستوقفك ليتسول منك لفافة تبغ ...لا يريد سواها ..
البارحة كنت مارا بجانب حنفية السوق العمومية كان يشرب من الماء بنهم شديد و من الواضح أنه مصاب بالسكري فملابسه عليها آثار البول الجاف
أتى أخوه و ضربه بوحشية شديدة ..كأنه قد ربى حقدا في داخله لزمن طويل و أطلق عقاله اليوم
إخوته لأبيه يريدون له الموت اليوم قبل الغد و لا يتورعون عن إعلان هذا على الملأ فهو قد ورث من والدته ثروة كبيرة و لا يستطيعون الاستيلاء عليها إلا بموته
يرفضون أن يدخل بيوتهم و كم من مرة أدخله شيخ الزاوية إلى زاوية الحي الصغيرة في الليالي الباردة ليقضي ليله فيها رغم أنه غير طاهر الملبس و غالبا ما قدم له طبقا من طعام بيتي يغطيه رغيف خبز
منذ مدة خرجت من بيتي مع زوجتي
ركبنا السيارة .. نقر على زجاج النافذة
-أريد سيجارة
-أنا لا أدخن
زوجتي قالت أن والدها أودع في التابلوه سجائره البارحة
قدمتها له ...احتضنها كمن يحتضن طفله نظر إلى وجهها بامتنان طفولي و مضى
اليوم
دخلت منزلي لأرى ذات الدموع التي تلتمع في عيون زوجتي كلما شاهدته ..تحولت الدموع إلى نشيج
-وجدوه ميتا عند حنفية السوق العمومية .