عرض مشاركة واحدة
قديم 02-24-2024, 08:19 AM
المشاركة 6
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: كتاب فِـقْـــه السُـنّة في النجاة من الفتن وأحداث آخر الزمان
أزمة قلب أم أزمة عقل

حديثي هنا موجه فقط لمن أراد الوسيلة لكيفية معرفة الحق، لا لمن أراد البحث عن أدلة لما يريده ويهواه.
لأنه من البلايا المزمنة التي تعانيها الأجيال الحالية من الحائرين اللاهثين خلف الإجابة، هي رَهْنهم الهداية والحق بالأشخاص لا بالعلم، ورهنهم للحق بالرجال
فوقعوا في أكبر فخ يقع فيه أي إنسان، ألا وهو ارتباطه بأقوال الأشخاص لا بالأدلة والبراهين
وتلك كارثة كبري.
بسببها رأينا من أسلم نفسه لدعاة الإفراط تارة، ودعاة التفريط تارة أخرى مع أن جوهر العقيدة الإسلامية بسيط الإدراك على الرغم من تعقيده البالغ وتلك هي معجزة الإسلام الحقيقية.
فالعقيدة الإسلامية جاءت موسوعة شاملة لما يخص البشر
[مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ] {الأنعام:38}
صدق الله العظيم.

من بداية إدراك وجود الخالق، وحتى تسيير شئون الحياة، فلا حاجة بنا إلى تعقيد ولا إلى تجهيل أو إفراط أو تعصب.
فالإسلام معياره الحقيقي هو الوسطية وتعبر عن جوهره الآيات والأحاديث العملاقة التي اعتدنا سماعها لكن القليل منا من أنصت إليها
يقول تعالي:
[قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ] {القصص:72}
وما تبصرنا.
ويقول عز وجل:
[أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا] {النساء:82}
وما تدبرنا

جاء لنا الرسول عليه الصلاة والسلام بتلك الآيات التي تدعو لإعمال العقل بشكل محايد وبضرورة البحث عن الدليل أولا، وعند الاختلاف يكون الفيصل هو دليل القرآن والسنة بمقتضي نص قوله تعالي:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا] {النساء:59}

أي أن الحل عند الاختلاف هو رد الأمر للدليل من القرآن والسُنة، والإتباع يكون للدليل لا للأشخاص، والقاعدة الأصولية تقول:
(أقوال العلماء يُسْتدل لها، ولا يُستدل بها)
أي أن العالم ــ رغم أنه عالم ــ إلا أنه إذا تحدث فلابد أن يكون حديثه مبنيا على الدليل الصريح والاستنباط الصحيح، أما إن كان قوله مجرد قول بلا إثبات فهو كعدمه
أما أن نسلم الآذان والقلوب والأهواء لشخص فلان أو علان مهما كانت قيمته أو قامته التي بلغها ونأخذ عنه دون رد أو سؤال فهذا هو الضلال المبين.
تماما كما يحدث للعامة إذا فُـتنت بشخص فقيه أو عالم أو داعية أو حتى نَصّاب يجيد الحديث والتلاعب بالكلمات، تجده عندهم قد بلغ الدرجة العليا من العصمة فكل ما يقوله حق حتى ولو كان محض خرافة.
وما أبعد هذه الأمور عن الإسلام وجوهره المتين، فالفارق ضخم بين الاحترام الواجب للعلماء ــ كما أوصانا الرسول عليه الصلاة والسلام ــــ وبين السؤال الواجب عن دليل القول بالذات عند الالتباس.

فلا غرو مطلقا في سؤال العالم عن فتواه أو رأيه ولا مجال للقول بعدم الاحترام عند مناقشة العالم في أمر من الأمور طالما أنها تُطرح بالأسلوب الواجب للحوار،
فالحق كائنٌ بمكانه المستقل والناس تقصده أو تهدف إليه أو تحيد عنه لأنه لا يأتى إلى أحد قط ولا يُرهن بشخص أحد قط إلا من عصم الله في رسالاته، والناس لا تكون حجة على الحق بل الحق هو الحجة على سائر الناس
لكن الأهواء ـــ والتي تروق للناس في مجملها ـــ وتمنحهم التصريح المطلوب لفض القلق والاقتناع النسبي بما يُقال لهم دون زيادة وعى أو إدراك، هذه الطباع هي السبب الرئيسي للضياع وللمظاهر الغريبة التي نراها بين الحين والآخر وتكون إما سببا في الاتكالية أو الفتنة في الدين.

مثال ذلك ما انتشر من ثقافة خطيرة ضربت الكثيرين اليوم،
وهم أولئك الذين يمتهنون أعمالا غير مشروعة أو بها شبهة أو أولئك المواظبين على الكبائر المحرمة في أعمالهم التي يتكسبون منها أو في حياتهم الشخصية، حيث وجد هؤلاء حلا زينه لهم شياطين الإنس والجن، عندما خدعوهم فقالوا إن تركهم للحرام ليس ضروريا ما دمت تُكّفّر عنه بصفة منتظمة بالأذكار النبوية والصدقات والأعمال الصالحة!
وكأني بهؤلاء المعاتيه يريدون خداع الله عز وجل أو يتصورون أنه يقبل الرشوة وحاشاه سبحانه؟!
وقد جاء في الحديث الشريف ردٌ جامع مانع على هؤلاء،
حيث قال النبي عليه السلام:
(أيها الناس! إنَّ الله طيب لا يقبل إلاّ طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال:
{يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم} (المؤمنون:51)، وقال:
{يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} (البقرة:172)،
ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعثَ أغبرَ، يمدُّ يدَيه إلى السماء يا ربِّ يا ربِّ! ومطعمُه حرامٌ، ومشربُه حرامٌ، وملبسُه حرامٌ، وغُذِيَ بالحرامِ، فأنَّى يُستجابُ لذلك)

وقد ورد عن (مالك بن دينار) قوله لأمثال هؤلاء:
(لأن يترك الرجل درهما واحدا من حرام، خير له من أن يتصدق بمائة ألف درهم)
وهي المعادلة التي غابت عن هؤلاء ــ رغم بساطتها الشديدة ـــ فلو أنك تركت درهما واحدا حراما، فليس معنى هذا أنك لن تؤجر عليه عند الله، بل له أجر أعظم مما تتصور من أجر الصدقة بأضعافه.
لأن ترك الحرام من الواجبات، والصدقات من النوافل التي تسقط عن الفقير، وبالتالي فإن الزكاة والصدقات لا تكفر الأموال الحرام أو تنفي عنها صفتها، فالزكاة والصدقات إنما جُعِلت من الحلال وحده.

والأحاديث المشرفة والأدعية المأثورة من السلف الصالح ويراها البعض هي المُنْجية بذاتها ـــ مع إهمال العمل بمضمونها ــــ ستكون حُجّة عليهم لا لهم!، فإن أبسط وأهم شروط التوبة وقبول الاستغفار هو الإقلاع عن الذنب والإقرار بحرمته
فنقول نعم،
أذكار الصباح والمساء وكثرة الاستغفار هي أعظم الطاعات، لكن الحرص عليها يجب أن يقترن بالعمل بها، أما الحرص عليها دون الاهتمام بالأوامر والنواهي في الفرائض والمحرمات كارثة محققة.
والصدقات لا شك أنها من أفضل الطاعات، لكن أهم شروطها أن تكون من مال حلال وإلا ما قُبلت قطعا.
فالنبي عليه السلام لخص هذه القضية في الحديث الصحيح:
(عن أبي عمرو سفيان بن عبد الله الثقفي، رضي الله عنه قال:
قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدا غيرك، قال: قل آمنت بالله، ثم استقم)

فالإيمان قولٌ وعمل كما قال الأصوليون، والحديث وَرَدَ فيه الجانبان باختصار مدهش
فالقول، هو أن تؤمن بالله، والعمل هو الاستقامة علي أمر الله، أما الفصل بين القول وبين العمل أو الفصل بين العبادة والعمل، فهذه دعوي لا علاقة لها بحقيقة الدين ومقاصد الشريعة
فتجد من يحرص على الصلاة والأذكار بل والحج والعمرة وكثرة الصدقات وهو في نفس الوقت لا يترك كبيرة من الكبائر لا يتورط بها، والمشكلة أنه يفعلها بأريحية غريبة وكأن أعمال عبادته تلك تمثل له حصانة أو أنها تُكَفّر عنه كل الموبقات تلقائيا!
وأي نعم أن الأعمال الصالحة تُكَفّر السيئات، لكن ليس بهذا التطبيق الساذج، فإن الله يغفر لمن وقع في المعاصي بجهالة ـــ أي بفتنة ودون تعمد أو إصرار ــــ والأهم أن يقع فيها وهو يعلم حرمتها لا أن يقع فيها ويدافع عنها باعتبارها من المباحات،
يقول تعالي:
[إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا] {النساء:17}

فالله عز وجل لا يقبل الرشوة، واستمرارك في العبادات وحرصك عليها لن يعطيك تصريحا بالموبقات والكبائر تفعلها كل يوم دون أدني تأنيب من الضمير! بل ودون توبة!
تحت تأثير هذا الأمر يركن العشرات إلى ما رددوه ويظنون بأنفسهم بلوغ النجاة دون أن يعطى الواحد منهم لنفسه فرصة التدبر قليلا.
فالآيات الكريمات والأحاديث المشرفة والأدعية الثابتة والتي حاز إجماع العلماء في آثارها وفضلها هي حقيقة دون شك، ولكن حقيقتها تبرز لمن، هل تتحقق للجميع. ؟!
كلا بالطبع.
فكيف يمكن أن نتصور لحظة أن أشهد بلساني لله عز وجل بالوحدانية وأشهد لرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام بأداء الرسالة والأمانة، ثم أكتفي من هذا بالنطق المجرد منصرفا بقية عمري إلى ما شئت من موبقات طالما اكتسبت الحصانة اللازمة بمجرد ترديد الشهادة. ؟!
وكيف يمكن أن نتصور دعاء كريما ردده السلف واكتسب أسبقية الأفضلية يمكن أن يفيد معنا بمجرد اتباع ألفاظه في القراءة والسمع، ثم ننتظر إجابته بعد ذلك ؟!
لو أننا سلمنا بهذا فسنكون قد وضعنا الإسلام بعقيدته البالغة العمق في دائرة بالغة السطحية لا تنتهي إلا إلى ضلال مؤكد لأن الإسلام بلا صكوك غفران ولا وجود فيه لالتماس الضمان على الله عز وجل.

و(أبو بكر الصديق) و(عمر بن الخطاب) وباقي العشرة المبشرين وكبار الصحابة، رغم مكانتهم الهائلة، وعطائهم المُكَرّم من الله تعالي ووعد الله لهم بالجنة إلا أنهم ما كانوا يأمنون على أنفسهم أن تحبط أعمالهم وهم لا يشعرون، ولأنه لا يجوز لمؤمن أن يأمن على نفسه في الدنيا مصداقا لقوله تعالي:
[أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الخَاسِرُونَ] {الأعراف:99}
وقد جاء في (صحيح البخاري):
(قال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل
ويُذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن، ولا أمنه إلا منافق)


فكيف يأمن من يردد بلسانه وهو في التفريط قائم مقيم. ؟!
إن الشهادة لله بالإسلام والتسليم له ما لم يصدقها القلب ويصدقها العمل فهي والعدم سواء بسواء.

فإذا انفصل القول عن العمل، أو ارتكن الإنسان للحرام، وظن أنه بإنفاقه بعض هذا الحرام في الخير سيكون له حصن من المحاسبة، فلا شك أنه في الضالين.
وقد مرَّ الإمام (إبراهيم بن أدهم)، رحمه الله بسوق البصرة يوماً، فالتف الناس حوله يسألونه، وقالوا:
(يا أبا إسحاق! يرحمك الله، ما لنا ندعو الله فلا يُستجاب لنا؟)
فقال إبراهيم:
(لأن قلوبكم ماتت بعشرة أشياء: عرفتم الله، فلم تؤدوا حقوقه، وزعمتم حب رسوله، ولم تعملوا بسنته، وقرأتم القرآن، ولم تعملوا به، وأكلتم نِعَم الله، ولم تؤدوا شكرها، وقلتم بأن الشيطان لكم عدو، ولم تخالفوه، وقلتم بأن الجنة حق، ولم تعملوا لها، وقلتم بأن النار حق، ولم تهربوا منها، وقلتم بأن الموت حق، ولم تستعدوا له، ودفنتم موتاكم، ولم تعتبروا بهم، وانتبهتم من نومكم، فانشغلتم بعيوب الناس، ونسيتم عيوبكم)

وقد لخص الإمام (إبراهيم بن أدهم) بمقولته تلك كافة الأسباب التي تورطنا فيها نحن في زمننا وزدنا عليها أضعافا مضاعفة، لأن ابن أدهم وصف أهل زمانه نفسه بهذه الأوصاف، فما بالنا نحن بزمننا الحالي؟!
والعمل الصالح والأدعية بناء كامل لا يستوي قائما إلا على أساس متين وما لم يتوافر هذا الأساس فلن يبقي البناء مهما علا وبلغ من القوة لحظة واحدة من دون أساسه الساند
ولذلك وتحت تأثير التسطيح رأينا من يستخدم أدعية السلف ويرجو منها الفائدة وهو لا يصلي أو يزكى أو يصوم!
ورأينا أيضا من يصلي ويزكي ويصوم ويتصدق، بينما عمله في حرام ومكسبه من حرام صريح وليس لديه أدني نية للتوبة منه أو اعتزاله؟!
ورأينا من يردد الأدعية وقلبه ملئٌ بالوجد على أصحابه عامرٌ بالحقد على إخوانه أو يرددها وهو عاقٌ لوالديه ناكر لهما!
إن الأدعية وأقوال السلف والمأثور المحمود منها، هي كالسلاح بيد الجندي المحترف، لو لم يكن جنديا مُدَرّبا مؤهلا لحمله واستخدامه فلا فائدة من السلاح ــ رغم قوة هذا السلاح ــ فضلا على كونه ـــ مع الاستخدام الخاطئ ـــ قد يؤدى إلى التهلكة وهو ما رأيناه بالفعل عندما ظن هؤلاء بالله أنه يُخدع كما يُخدع البشر أو يقبل الرشوة كما يقبلها البشر وحاشا لله
فالقرآن يصف المؤمنين فيمزج بين الإيمان القولي بالإيمان العملي فيقول:
[إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ(2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ(3) أُولَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ(4)]. {الأنفال}.

والقرآن في الآيات السابقة وصف المؤمنين بصفات الإيمان والذكر والطاعات وفي موطن آخر وصفهم أيضا بحدود التقوى وترك الرذائل والفواحش وذلك في قوله تعالي:
[قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ(1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ(2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ(3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ(4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ(7)]. {المؤمنون}.
وبالتالي فالإيمان الكامل ترتبط فيه أفعال الطاعات بترك المعاصي والموبقات، بنص كلام الله عز وجل.
فالإسلام له أساس وبناء، بهما معا يقوم الدين
أما الأساس فهو العقيدة المُسَماه في الشهادة والفرائض،
وأما المبنى يرتكز إلى النية الحاكمة لكل تصرف يبرهن على وجود الله عز وجل في قلب كل مسلم وعند كل وقت، والإسلام الحنيف أعمق مما نظن ملايين المرات وهو العقيدة الأسمى وأمته خير أمة أخرجت للناس وما أكثر ما حوى من فكر وعمق.
فتعالوا نتأمل ونستبصر في قول النبي عليه السلام
(بُنَي الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)
وهذا الحديث أشهر الأحاديث النبوية قاطبة، كُلنا سمع بالحديث ودرسه، ولكن كم ممن سمعوه تدبروا في معانيه ؟!
بُــنى الإسلام على خمس.
إذا فالمعنى واضح، فهذه هي أركان الإسلام وأساسه، فأين الإسلام، أين مبناه إذا. ؟!
وان كان الإسلام لا يصح إلا بالأركان الخمسة.
فهل تكفي تلك الأركان وحدها ومنفردة لاكتساب النجاة. ؟
كلا بالطبع
وإلا لما سمعنا عشرات الأدلة التي تشرح لنا بناء الإسلام ومنها من آيات القرآن، ومن أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام
قول رسول الله عليه الصلاة والسلام.
(لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ)" "
والقتات هو صاحب النميمة أو محترف النميمة، وأيضا قوله عليه السلام:
(ثلاثة لا يدخلون الجنة مُدْمِنُ خمر، وقاطع الرحم، ومُصَدِّق بالسِّحْر)" "
وليس معنى (مصدق بالسحر) أنه المصدق بوجود السحر ذاته، فالسحر موجود وثابت بنص القرآن والسنة، وله حكم واضح في الفقه ومن ينكر وجوده يكون منكرا لثابت من ثوابت القرآن والسنة،
ولكن معني (مصدق بالسحر) في الحديث، أنه يأتي الساحر فيطلب منه النفع أو دفع الضرر ويكون مصدقا أن فعل الساحر سيفيده أو يضره أو يحقق له مطلوبه، مع أن الله وحده هو الذي بيده الأمر، وهذا ما أكد عليه حديث النبي عليه السلام في قوله في الحديث الصحيح:
(من أتي عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد)" "
وقوله عليه الصلاة والسلام:
(لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ مِن كِبرِ ولا يدخلُ النَّارَ مَن كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من إيمانٍ فقال رجلٌ يا رسولَ اللَّهِ الرَّجلُ يحبُّ أن يَكونَ ثوبُه حسنًا ونعلُه حسنةً فقال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إنَّ اللَّهَ جميلٌ يحبُّ الجمالَ إنَّ الكبرَ مَن بَطْر الحقِّ وغمَط النَّاسَ)

إلى غير ذلك من الأحاديث المؤسسة التي تشرح في وضوح مبني الإسلام وحقيقته العملية وهي (الدين المعاملة) المكملة للحقيقة العقائدية وهي (التوحيد)
فالحديث الشريف الذي تحدث عن الأركان، أتمه الحديث الذي تحدث عن النية، وبه أتاح لنا الرسول عليه الصلاة والسلام معرفة الإسلام بدون لبس أو غموض فحديث النية الذي ورد فيه (ولكل امرئ ما نوى)، رد أمر أنفسنا إلى أنفسنا، وأن الإسلام يعتمد على النية، والنية صلاحها في الإخلاص، والإخلاص سِرٌ غير مُدرك بين العبد وربه.

وطريقة أداء الأركان، إن كانت قياما وقعودا دون خشوع ودون أن ينسحب تأثيرها النفسي على الإنسان، فقد أصبحت بلا نفع أو أجر، وتعبر عن ذلك الأحاديث النبوية الشريفة في إعجاز مبهر منها قوله عليه السلام.
(رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش)

يتبع ان شاء الله
صدق رسول الإنسانية عليه الصلاة والسلام