عرض مشاركة واحدة
قديم 02-17-2024, 02:33 AM
المشاركة 2
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: كتاب فِـقْـــه السُـنّة في النجاة من الفتن وأحداث آخر الزمان

المقدمة

الحمد لله تعالي حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، على نعمة الحق الظاهر، والباطل الزاهق، وعلى نعمة الإسلام وكفى بها نعمة، والصلاة والسلام على مؤدي الرسالة ومُبلغ الأمانة سيدنا محمد صلي الله عليه وآله وصحبه وسلم.

يقول الله عز وجل.
[إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ القِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ] {فصِّلت:40}
والمتأمل في الآية الكريمة سيجد (تقريرا)، ثم (تساؤلا)، ثم (حقيقة).
اما التقرير فهو أن الله عز وجل يخبرنا بأنه يعلم من يُلحدون في آياته لأنهم لا يخفون عليه (والإلحاد في الآيات معناه تحريف معناها ومُرادها)
و(التساؤل) فهو استفهام من رب العالمين لخلقه، أيهما أفضل، من يُلْقي في النار، أم من يأتي آمنا يوم القيامة، وانظروا إلى عظمة التعبير القرآني (يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ القِيَامَةِ)، فمن ذا الذي يمكن أن يطمح لشيء أكثر من أن يأتي يوم القيامة آمنا؟!
ولا شك أن طريق الأمن يوم القيامة مرهون بوجود (الطريق الآمن) في الدنيا.
ثم اشتملت الآية أيضا على (حقيقة)، وهي أن أعمال الدنيا متروكة لاختيارنا، لكنه ليس اختيار الإهمال أو الأمان من العواقب، لأننا كلنا راجعون إلى الله ذات يوم وعندها سيحين الحساب.

وكأني بالآية الكريمة اشتملت على معالجة كاملة لما نجده اليوم في عالمنا من حيرة، وتخبط، وعبث، حيث صارت المفاهيم كلها مختلطة المعاني، حتى في الثوابت والأخلاق!
فالمجتمع الآن في حالة غريبة من الثقة بما يفعل، رغم اختلاف الناس جميعا حول المفاهيم، ومع ذلك تجد التطرف في الأفهام من أقصي اليمين لأقصي اليسار وكلهم بلا استثناء يقول بأنه على طريق الحق!
العقلاء، والعقلاء فقط هم الذين تستبد بهم الحيرة اليوم، لأن العقل المتأمل اليوم إذا أراد أن يعرف الحق في أي قضية ــ أيا كانت ــ في الدين أو الدنيا، فسيجد أمامه آلاف الآراء ووجهات النظر كلها يدعي أصحابها أنهم على الحق المطلق حتى الذين ينادون بالإلحاد والشذوذ!
وهذه الحالة من الفوضى لم تمر بعالمنا قبل اليوم.
لأنه حتى مائة عام فقط مضت، كان المجتمع ــ رغم ضعفه ـــ متمسك بالحد الأدنى من الثوابت الدينية والأخلاقية التي كفلت له اختيار رموزه وقادته من أهل العلم والفكر.
وكانت القيمة محفوظة ومُصَانة، حيث كان الاعتزاز والفخر المجتمعي مُوَجّها إلى الرموز العلمية والدينية والأدبية الحقيقية التي تقود المجتمع وتحدد له المفاهيم.
بالإضافة إلى وجود قوة معنوية هائلة في المجتمع تمنع ظهور وإعلان أصحاب التهتك، والانحلال، بحيث أن هذه المظاهر لم يكن صاحبها يجرؤ على ممارستها علنا خشية المجتمع قبل خشية القانون.

ثم فجأة.
وفي السنوات الأخيرة انقلبت أساسيات المجتمع في العالم العربي والإسلامي انقلابا أخلاقيا رهيبا بحيث أصبح الانحلال ــ ليس مسموحا به فقط ــ بل هو القاعدة التي اكتسبت المشروعية، بينما أصبح الحفاظ على أقل الثوابت هو الشيء الذي يعيبه المجتمع وينكر على صاحبه
فصدق فينا قول القائل:
(ليأتين على الناس زمانٌ، يُعَيّر فيه المؤمن بإيمانه، كما يُعَيّر الفاجر بفجوره اليوم!)

وما دام هذا الأمر قد تحقق فينا، وما دام هناك من يعيش اليوم وهو يعاني الحيرة ويريد بلوغ الطريق الآمن الذي حدده الله عز وجل لعباده كي يكتسبوا الأمن يوم القيامة.
وما دام هذا الطريق سهل ومتاح وميسور لكل طالب.
لهذا كله كان الواجب أن نحاول معرفة الطريق إلى الله في زمن الفتن وأحداث آخر الزمان، من خلال أوثق مصادره، وهو القرآن والسنة المشرفة.
فإن الذي ينبغي على كل مسلم أن يعرفه معرفة يقينية، أن الحيرة التي تستبد بنا اليوم لها أجوبة واضحة وخريطة دقيقة مكتوبة ومُدّونة منذ أربعة عشر قرنا.
فالنبي عليه الصلاة والسلام شرح لنا حال مجتمعاتنا اليوم، في أحاديث (الفتن وأشراط الساعة)، وحدد بطريقة واضحة كيفية النجاة إذا أدركنا الزمن الذي يصبح فيه المرء أشبه بالسائر في طريق ملغوم وهو معصوب العينين، هذا الطريق النبوي وهذا البرنامج المعصوم هو الذي ينبغي أن يكون أمام عقل وقلب المسلم، قبل أن تجرفه الحياة وسط دواماتها دون أن يدري.
والأمر بسيط، لأن الله عز وجل يقول.
[مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ] {الشُّورى:20}
ومن كان يتمتع بالحد الأدنى من العقل سيعرف أن حرث الدنيا عبارة عن دوامة قصيرة الزمن ستنتهي في أي وقت إلى زوال مؤكد عندما تحين لحظة الأجل.
والعاقل أيضا هو الذي سيدرك أننا في عالمنا اليوم، وسط هذه الأوبئة المنتشرة، لا يمكن أن نطمئن أو نغامر باختيار الدنيا على الآخرة لأنه سيكون اختيارا بالغ الحماقة بعد أن صار الموت حدثا يوميا بكثرة أسبابه.

وقد جاءنا العلماء السابقون بوصية النبي عليه الصلاة والسلام في أهمية التمسك بالسنة في زمن الفتن تحديدا، حيث تكون السنة ووصاياها وأوامرها هي الطريق الوحيد المعصوم كما قلنا.
وقد قيل للإمام (أحمد بن حنبل) رضي الله عنه:
(أحياك الله على الإسلام.)
فقال: (والسنة)
كما أن النبي عليه الصلاة والسلام حدد لنا علامات أزمنة الفتنة، وحدد لنا سبيل التعامل معها، أما العلامات فقد وردت في عدد كبير من المظاهر التي أخبر عنها النبي عليه السلام، ومنها ما تحقق في عالمنا المعاصر بالفعل.
من ذلك انتشار الزنا والخمر وانتشار الهرج والقتل وموت الفجأة، وانتشار الأمراض المعقدة، وكثرة المال في أيدي السفاء، ورفع العلم، وانتشار الجهل .... الخ
وهي العلامات التي وردت في الأحاديث الخاصة بفتن آخر الزمان ومنها:
قوله عليه الصلاة والسلام:
((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَكْثُرَ الهَرْجُ قالوا: وما الهَرْجُ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: القَتْلُ القَتْلُ)
وقوله أيضا عليه السلام:
(ليشرَبنَّ ناسٌ من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونَها بغيرِ اسمِها، يُعزَفُ علَى رءوسِهِم بالمعازفِ، والمغنِّياتِ، يخسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأرضَ، ويجعَلُ منهمُ القِرَدةَ والخَنازيرَ)
وفي قوله أيضا عليه السلام:
(والذي نفسي بيده لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول: لو واريتها وراء هذا الحائط)" "
ولا شك أن هذه النبوءة قد تحققت اليوم، بل وتحقق ما هو أفدح منها، حيث صارت ممارسات الزنا والدعوة إليه تتخذ عشرات الأشكال والأساليب ويتم وصفها بأوصاف الممارسات الحضارية التي ينبغي أن نتبعها حتى نصبح من العالم المتحضر!
كما جاء عن النبي عليه السلام قوله:
(لا تقومُ السَّاعةُ حتَّى يتسافدَ النَّاسُ في الطُّرقِ تسافُدَ الحميرِ)
أيضا من تلك العلامات قوله عليه الصلاة والسلام:
(كيف أنتم إذا طغى نساؤكم وفسق شبابكم وتركتم جهادكم قالوا وإن ذلك لكائن يا رسول الله قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه يا رسول الله؟
قال: كيف أنتم إذا لم تأمروا بمعروف ولم تنهوا عن منكر قالوا وكائن ذلك يا رسول الله؟
قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون قالوا وما أشد منه؟
قال: كيف أنتم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا قالوا وكائن ذلك يا رسول الله؟
قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، قالوا وما أشد منه؟ قال: كيف أنتم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف قالوا وكائن ذلك يا رسول الله ؟!
قال: نعم والذي نفسي بيده وأشد منه سيكون، يقول الله تعالى: بي حلفت لأتيحن لهم فتنة يصير الحليم فيها حيران)" "

وإذا كانت هذه هي العلامات الدالة على ظهور أزمنة الفتن، فأين الدليل أو الطريق الذي يحدد للمسلم طريق نجاته؟!
هذا الدليل هو مجموع وصايا النبي عليه الصلاة والسلام وأحاديثه التي حدد فيها سبيل الرشاد، وقد أوردت ما أمكنني من تلك الأحاديث المُشَرفة الصحيحة، مع ربط كل منها بأحداث عالمنا اليوم وحوادثه.

وذلك عن طريق تقسيم أسلوب مواجهة الفتن لأربعة محاور:
الأول:
هو كيفية نجاة الإنسان من جزاء الخلود في النار
الثاني:
أعمال الطاعات التي تعصم الإنسان من النار وكيف يعصمه الله منها ولو كان العبد مستحقا لها
الثالث:
شرح الكبائر المفضية إلى تحريم الإنسان على الجنة وكيفية تجنب هذه الكبائر
الرابع:
الوصايا العامة للنبي عليه الصلاة والسلام في زمن الفتن وأحداث آخر الزمان
لعلها تكون دليلا يكفل لنا النجاة كما وعد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.