الموضوع: عقدة نابليون
عرض مشاركة واحدة
قديم 03-29-2021, 12:11 AM
المشاركة 4
ياسَمِين الْحُمود
(الواعية الصغيرة)
عضو مجلس الإدارة سابقا

اوسمتي
الحضور المميز الألفية الثانية الإداري المميز الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الأولى وسام الإدارة التكريم الكاتب المميز 
مجموع الاوسمة: 9

  • غير موجود
افتراضي رد: عقدة نابليون
منذ أن أطلق هذا المخلوق العجيب صرخته الأولى وسط أرجاء جزيرة مسقط رأسه المعمورة" كورسيكا" معلنا قدومه إلى دنيا الأحياء، إلى أن عاد جثمانه الواعي من جزيرة منفاه، جزيرة الرطوبة و الحرارة والبعوض"سانت هيلانة" ليستقر في مقبرة عائلته على ضفاف نهر السين لترطب والدته العجوز تربة قبره بما تبقى لديها من دمع قبل أن تودع الحياة.
وأحوال أوروبا كلها قد تغيرت، فقد استطاع هذا الإنسان الذي كانت مؤشرات طفولته توحي بأنه لا يقل في عاديته ولا يزيد عن أي طفل آخر سوى تعلقه بالألعاب العسكرية وبتقسيمات الحروب.
وكان حظه في بقية سائر ميادين الطفولة يوازي حظه في ميادين عشق النساء تحت الصفر أو أقل من تلك الدرجة، فلم يكن هذا الطفل الكورسيكي يجرؤ على نطق اسمه أمام أقرانه في المدرسة الابتدائية الفرنسية، وذلك خجلا من لكنته الإيطالية الفاضحة والتي كانت تمنعه من نطق اسمه بلهجة فرنسية سليمة.
فقد كان يجيب عندما يسأل عن اسمه بأنه ( نابليوني بونبارتي) و(ليس نابليون بونابارت).
ويتقدم العمر بهذا الطفل الذي تنازعت على جنسيته فرنسا وإيطاليا، فرنسا التي لاتستطيع أصلا نفي علاقة نابليون بها ولا تجرؤ على نسب جنسيته إلى بلد سواها، وهو الذي زلزل وجه تاريخها، وحفر آثاره على جدران ثقافتها، وتكوينها الاجتماعي ورسم خريطة علاقاتها مع مختلف دول الجوار ربما إلى يومنا هذا،.
أما إيطاليا فهي وإن كانت لم تترك أي أثر يُذكر في قلب هذا الامبراطور الأسطورة سوى أنه ولد وسط جزيرة كانت مسرحا لمد وجزر الصراع الفرنسي الإيطالي على تلك البقعة من الأرض والتي كان حتى الحجر فيها ينطق بالطلياني، ولكن غالبا ما يأخذ الصبغة الفرنسية بفضل القوة، فإيطاليا رغم ذلك لاتترك فرصة إلى يومنا هذا إلا وتنسب فيها نابليون إليها بحكم المولد.عموما حسمت أفعال وأقوال نابليون نفسه هذا الجدل لصالح فرنسا، خاصة في وصيته الأخيرة لابنه والذي ذكره بها واجباته تجاه الأمة الفرنسية التي ينتمي إليها من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، والتي عشقها هو حتى أوصله عشقه إلى ذل الأسر وعذاب النفي.
هذا المخلوق العجيب المسمى نابليون بونابرت والذي قال عنه بعض المؤرخين بأنه كان الكابوس الذي يتعوذ منه كل ليلة سائر ملوك وأمراء أوروبا وتتودد إليه سائر طبقات المجتمع الفرنسي خوفاً أو طمعاً.خاصة بعد أن قلب هرمهم الاجتماعي رأساً على عقب، وكانت أنفاسه حتى في أقسى لحظات انكساره تهز العالم أنذاك وترعبه، ولا يكاد يقف هذا النابليون على قدميه حتى تعلو عوارض صفرة الموت سائر وجوه خصومه، بل إن بعض المؤرخين يذهب إلى حد القول لو أن زعماء أوروبا آنذاك وتحديداً في ألمانيا وانجلترا وافقوا بعد هزيمته الأخيرة على عرضه ساعة تسليم نفسه بنفيه إلى أمريكا بدلا من الجزيرة شبه المهجورة ( سانت هيلانة) لتغير شكل العالم الحديث، تحت إرادة هذا الرجل الفولاذي، ولكن هل كان حظ هذا الامبراطور الفارس على الجانب الآخر من الحياة على ذلك القدر من القوة؟!!
أي هل كان نصيبه مع النصف الآخر كنصيبه في ساحات الوغي وميادين السياسة؟
كل الأدلة تسير عكس ذلك فرغم كل التضحيات التي قدمها ،هذا المخلوق المسمى بالمرأة إلا أن عائده كان الخيبة!
فالأمبراطورة التعسة جوزفين تلك المرأة النكرة التي انتشلها من أوساطها السوقية ورضي بالزواج منها وهي المطلقة أم الأطفال، استجابة لنداء العاطفة ، وتوّجها بعد سحقه لبقايا الملكية أمبراطورة على فرنسا العظيمة، وسلمها عروض وتيجان آل لويس وأسكنها أفخم أجنحتهم الملكية، لم ترد على حبه وكرمه سوى بالغدر فأخذت تخونه مع من لا يجرؤ حتى على الاقتراب من حذاء عتيق لهذا القائد العجيب،وقامت بالتآمر عليه بعد أن قرر الانفصال عنها لعدم مقدرتها على الإنجاب رغم أنه توج ولديها" أوجين" و" أوتانس" أميرين وسلمهما مقاليد حكم أعرق مدينتين في أوروبا، رغم أنهما ابنان لزوجها الأول.
أما حظه مع خليفتها ( ماري لويز) فقد كان أكثر تعاسة رغم أنه كان حتى لحظة مماته لا يخاطبها في رسائله باسمها المجرد بل بلقب محبوبتي العزيزة، ولم ينزل اسمها من لسانه طوال سني عزلته الإجبارية ودبلج عشرات الوصايا لها ولابنه منها والذي كان يعده يومها ليحكم روما رغم هزيمته، ونفيه لتلك الجزيرة الموحشة، وقد بلغ به شغف التعلق بمحبوبته العزيزة تلك، حدوداً لم يبلغ قيسنا العربي مع ليلاه، وتتضاءل أمام تضحياته تضحيات ودموع روميو وجوليت ، وتتقزم أمام فعله رومانسية سائر حروف وكلمات عشاق عصره وعصرنا، فقد أوصى عند مماته في المنفى بأن يُشق صدره وينتزع قلبه ليقدم كآخر عربون حب ووفاء لعزيزته المحبوبة ( ماري لويز)!
(ماري لويز) الذي لم يكن المسكين يعلم أنها غدت نسخة مشوهة لجوزفين، بل أكثر من ذلك فقد تجاوزتها سوءاً إذ كانت تتقلب بين أحضان عشيقها النمساوي( نايبرغ) والذي تعرفت عليه بعد وقع الأمبراطور تحت رحمة الأعداء مباشرة وكانت لاتتورع من السخرية علانية من ذلك القزم
( نابليون) الذي أركع سائر جبابرة أوروبا وأقلق منام عتاتها.
( ماري توينز) الخائنة التي ما أن وصلتها وصية الأمبراطور بعد مماته ومعها قلبه الهدية حتى تلقفت وعلى عجل بيدها اليمنى خطاب الوصية لتتعرف على نصيبها من التركة، ولترد بيدها اليسرى العلبة التي كانت تحوي قلب نابليون، العاشق الذي كان حظه مع النساء أسوأ بكثير من حظ خصومه في منازلته طيلة سنوات عمره.
ردت (ماري لويز )العلبة التي تحوي قلب الأمبراطور المخلص نابليون مدعية أن روحها الشفافة لاتطيق رؤية هذه المناظر القاسية!
وأن نفسيتها المرهفة تمنعها من النظر لقلب العاشق المغدور،ذلك القلب الذي يقول البعض أنها حتى لم تحرص على إعادته ليدفن مع جثمان صاحبه لتسلبه إياه حيا، ولتحرمه منه ميت

أعتذر للإطالة أستاذ محمد أحمد ،
هذا القائد العظيم يستحق الكثير نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة