عرض مشاركة واحدة
احصائيات

الردود
8

المشاهدات
5630
 
محمد صالح رجب
أديـب مصري

محمد صالح رجب is on a distinguished road

    غير موجود

المشاركات
29

+التقييم
0.01

تاريخ التسجيل
Sep 2008

الاقامة
مصر

رقم العضوية
5562
10-26-2010, 05:14 PM
المشاركة 1
10-26-2010, 05:14 PM
المشاركة 1
افتراضي الأسيرة( قصة بقلم : محمد صالح رجب )
الأسيرة
( قصة بقلم : محمد صالح رجب )
الجو معبأ بأبخرة البارود .. خراب .. دمار .. بيوت تهدم .. نساء تغتصب وحوامل تجهض .. رائحة كريهة تفوح من كل جانب .. خطواتهم تدنس حرمة البيت من حولها ، طرقات أحذيتهم تجلجل في ظلمة الليل ، صرخات استغاثة ، أصوات مكتومة ما تلبث أن تخبو .. صرخات أخرى ، أصوات طلقات نارية ..هدوء يسيطر على المكان ..
تجلس وحيدة في منزلها ، تريد أن تصرخ ، تستغيث ، لكن .. إلى أي مدي سوف يصل صوتها ؟! هل يستطيع أن يخترق تلك الأسوار الممتدة والمتراصة من العربات المصفحة ؟ هل يستطيع أن يخترق تلك الكتل البشرية المدججة بالسلاح ؟
شعرت بأسى عميق بداخلها ، بمرارة في حلقها ، اقتربت من صورة زوجها الشهيد المعلقة على أحد جدران الغرفة .. لقد مات برصاص الغدر ، بترت إحدى يديه أصر على المقاومة ، خرج ذات مرة ، وكان خروجا أخيرا ، لم يبق إلا ذكراه الطيبة وابنهما محمود .. أملها في الحياة ، لقد فر هو الآخر من بطشهم ..
عادت تنظر إلى صورة الشهيد بعمق شديد وكأنها تستعيد ماض قديم ، قدم التاريخ ، لم تتمالك نفسها ، ذرفت عيناها دمعتين حارتين على خديها .. استدارت ، لمحت وجهها في مرآة معلقة على الحائط ، شد انتباهها تلك الشعيرات البيض التي تتقدم رأسها .. إنها لم ترها من قبل ، أمعنت النظر إلى وجهها الجميل ، لكن ما هذه التجاعيد التي بدأت تكسو وجهها ؟! أهو الشيب ، أم أنه آثار السجن الذي ما زالت ترزح تحته ؟ إنه سجن بلا قضبان ، سجن بالحديد والنار ، عزلة تامة مفروضة عليها ، إقامة جبرية في بيتها ، ورغم ذلك فهي ليست نادمة .. فإذا كان زوجها قد مات شهيدا ، وأخرج ابنها من داره ، فإن منزلها سوف يظل مأوى لكل مجاهد ، لن يرهبها هؤلاء العساكر المبندقين الذين يطوقون منزلها ، ولا تلك العربات المصفحة التي تحيط بها ، شعرت برعشة تسري في جسدها .. اتجهت صوب النافذة ، لم تكن محكمة الإغلاق ، رآها أحدهم أسرعت وأوصدتها ونظراته التي رمقها بها ترعبها ، دقات أحذيتهم تتعالى ، طرقات شديدة على الباب ، إنه ليس بالمتانة الكافية ، ماذا تفعل .. إنها وحيدة ، مستدركة لا.. لا الله معها . هكذا همست لنفسها ـ فتحوا الباب بعنف ، إنهم هم .. مصاصو الدماء ، آكلي لحوم البشر .. ضحكاتهم الصفراء تتعالى ، أشار كبيرهم لأحدهم ، هجم عليها ، حاول أن يدنس شرفها ، أن يضع أنفها في التراب ، زاغت عنه ، حاول مرة أخرى ، بصقت في وجهه شهر السلاح في وجهها ، تمنت في داخلها لو يطلق عليها رصاصة الرحمة ،لكنهم لا يعرفون الرحمة ..! اقترب منها على حذر ، ألقى سلاحه جانبا وهجم عليها ، ركلته بين فخذيه ، فكرت في الانتحار ، لكن إنه الحرام بعينه ، ماذا تفعل ، لقد شل حركتها ، أمسك بذراعيها ، أنهكتها المقاومة ..لم تعد تقو على أكثر من ذلك ، تشعر بضيق حاد ، بقرف شديد .. وبكل ما في العالم من إحساس بالظلم دفعته مستغيثة بأعلى صوتها : يا رب ..
اهتزت الأرض من بعدها .. دوي انفجار هائل ، صراخ ، أنين ، صيحات مذعورة .. انتفض الرجل عنها ، حمل سلاحه وخرج فزعا ورفاقه.. أغلق عليها السجن مر ة أخرى ، اقتربت متلهفة إلى النافذة ، وعبر الثقوب المتناثرة راحت تتبين الأمر ، ولأشد ما كانت فرحتها عندما رأتهم .. إنهم هم . أبناؤها .. محمود ، فهد ‘ عمار .. نعم، هم أبناؤها حتى أولئك التي لم تلدهم ، لقد تربوا في كنفها ونموا في أحضانها ، وشبوا على خيراتها ، لكن .. محمود .. إن الدم يسيل منه ، يسقط على الأرض ، يقبلها ، تختلط دماؤه بترابها ، صرخة مكبوتة بداخلها ، حاولت أن تطلقها ، لكن .. أنحبس صوتها ، حاولت أن تخرج من سجنها لكن الباب موصد ، عادت إلى النافذة تلقي عليه النظرة الأخيرة وعيناها تدمعان ، وابتسامة هادئة مطمئنة لنصر الله ترتسم على شفتيها .. وسيطر على المكان الهدوء مرة أخرى ...
( تمت)
محمد صالح رجب