عرض مشاركة واحدة
قديم 10-07-2010, 05:42 PM
المشاركة 9
محمد جاد الزغبي
مستشار ثقافي

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
عوائق العبور ..

لم يحدث في التاريخ العسكري المعاصر ـ حتى في معارك الحرب العالمية الثانية ـ أن واجه جيش مثل هذه العوائق التي جابهها الجيش المصري أمام قناة السويس في حرب أكتوبر مجتمعة ,
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


ليس فقط بفعل وجود مانع مائي صناعى يزيد طوله على 220 مترا وهو قناة السويس , بل يتمثل أيضا في أن إسرائيل أقامت أمام القناة وعند حافتها مباشرة ساترا ترابيا مهولا يرتفع إلى 25 مترا وينحدر بزاوية 45 درجة دفعة واحدة مما يجعله حصنا حصينا تعجز القوات عن اختراقه أو النفاذ منه حتى لو فعلت ذلك في ظروف السكون فضلا على ظروف القصف !
وفشلت جميع الوسائل التي تمت تجربتها لفتح ثغرات مناسبة في الساتر الترابي وتم تجريب المدفعية من جميع العيارات ولم تؤد إلى نتيجة لأن الإنفجارات كانت تطيح بالرمال لتعيد تراكمها مجددا بعد خفوت الإنفجار ,
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة


ولم تكتف إسرائيل بذلك :
بل أنشأت خطا دفاعيا مستحيلا خلف الساتر الترابي يعتبر أقوى الخطوط الدفاعية في التاريخ وتم إنشاؤه مرتين ,
تمكن المصريون من تدمير بنيانه الأول أثناء حرب الإستنزاف فأعادت إسرائيل بناءه بعد وقف إطلاق النار بناء على مبادرة روجرز مما منحها الفرصة الكاملة لبناء تحصيناته التي تكلفت 238 مليون دولار ,
ويتكون خط بارليف من 22 موقعا حصينا يضم 31 نقطة محصنة يبلغ عمقها 500 كليومتر مربع وتحتوى على مربع كامل من التحصينات والدشم والسواتر المانعة فضلا على حقول الألغام التي تحيط بها من كل جانب بالإضافة إلى خمسة عشر نطاقا من الأسلاك الشائكة للنقطة الحصينة الواحدة
وتتكون كل نقطة حصينة من 26 دشمة محمية تتحمل القصف الثقيل دون أدنى تأثر بفضل ما وفره العدو من تحصينات تتمثل في شكاير رمل متعددة الطبقات ثم طبقات أخرى من قضبان السكك الحديدية بسمك ثلاثة أمتار للطبقة الواحدة وأخيرا طبقات ردم وفوقها سبعة صفوف من البلاط الخراسانى عالى الصلابة ومحيط كامل من الأسلاك الشائكلة يغطيه صناديق متعددة مملوءة بالدبش والحجارة للوقاية من الضرب المباشر[1]
ومن الداخل تم تجهيز ملاجئ مريحة للأفراد بحيث يحارب أفراد جيش الدفاع الإسرائيلي من خلف تلك التحصينات وهم في أمان تام ويستخدمون سائر أسلحتهم من خلال نوافذ وممرات تم إعدادها في قلب الحصون لصد أى هجوم


نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



تحصينات خط بارليف الذي سقط في 6 ساعات وكان من اقوي الخطوط الدفاعيه في العالم اجمع
نقره لعرض الصورة في صفحة مستقلة



ويضاف إلى ذلك أن إسرائيل أقامت تحت مياه القناة وبامتدادها بؤر وفتحات سرية تتصل بخراطيم وبراميل تبث سائل النابالم الذى يشتعل بمجرد ملامسة الهواء الطلق ,
وفتح هذه الأنابيب كفيل بأن يحيل سطح القناة إلى جحيم مستعر تربو درجة حرارة سطحه إلى 500 درجة مئوية لأن النابالم أقل كثافة من الماء ومن ثم يسبح فوقه ويشتعل فور ملامسته الهواء مما يجعل القوات المبادرة للعبور في مواجهة الفناء المؤكد
ويزيد الأمر صعوبة إذا علمنا أن الجانب المصري اضطر أيضا لرفع ساتر رملى مماثل على الضفة الغربية للقناة فى مواجهة العدو للحماية من القصف المدفعى والرقابة ,
وأى محاولة لفتح ثغرات من الجانب المصري سيرصدها العدو على الفور بنية الهجوم المصري الوشيك
وهكذا أصبح أمام الجيش المصري ساترين ترابيين فضلا على عائق القناة وأنابيب النابالم ثم تحصينات خط بارليف !!



ومع كل تلك الصعوبات برزت أمام القيادة المصرية عدة عقبات أخرى ليست بالهينة , ومنها ..
* لو تم فرض وصول قوات العبور أو معظمها سليمة إلى الضفة الشرقية فكيف سيتمكن المشاة من مواجهة دبابات العدو وتحصيناته وهم بالأسلحة الخفيفة ومدرعات الجيش المصري لن تعبر قبل ست ساعات على الأقل بعد إنشاء الكباري
* وجود محطات إنذار مبكر متقدمة للغاية لدى العدو ومنها محطة متطورة تسلمتها إسرائيل من الولايات المتحدة وفى قدرة تلك المحطة التقاط قيام الطائرات المصرية من مطاراتها وهو ما يفقد الجيش المصري زمام المبادرة بالضربة الجوية الأولى
* بالنسبة لموجات العبور الأولى والتى سترتقي الساتر الترابي للعدو كيف سيمكنها حمل أسلحتها ومعداتها وارتقاء الساتر الترابي بارتفاعه الذى يزيد على عشرين مترا فى معظم مناطقه ,
* كيف سيتم التعامل مع نقاط خط بارليف الحصينة وهل ينتظر المشاة طوال فترة الساعات الست حتى عبور وحدات المدفعية الثقيلة أم يبادروا بالهجوم ؟!
* كيف سيتم التعامل مع حقول الألغام المحيطة بحصون بارليف والمعدة ضد الدبابات والأفراد فضلا على مصائد الدبابات المجهزة التى دفعها العدو خلف تحصينات خط بارليف
* فور بدء الهجوم سيكون أول إجراء للعدو هى الإعداد لهجوم مضاد سريع بدفع إحتياطى الجيش الإسرائيلي ومدرعاته لتعبر ممرات سيناء فى طريقها لخط المواجهة , وهذه القوات ستواجه مشاة الجيش المصري قبل موعد عبور المدرعات المصرية مما يجعل النتيجة محسومة بنجاح الهجوم المضاد
* كيف يمكن خداع الأقمار الصناعية العسكرية الأمريكية التى ترصد الجبهة بدقة وستتمكن من التقاط الحشود أثناء إعدادها لعملية العبور مما يجعل العدو يكتسب فرصة مناسبة للقيام بضربة إجهاض



هذا باختصار شديد مجمل العوائق المستحيلة التى جعلت إسرائيل تطمئن تماما إلى استحالة مبادرة مصر بالهجوم أو سحق هذا الهجوم لو جرؤ المصريون على فعله , وهى عوائق مستحيلة بالفعل كما وصفها العدو وكما عرضنا بعضها , ولكن استحالتها تطايرت كالشظايا بفضل الإيمان العميق الذى كان يعصف بكل جندى ومقاتل وقائد وفرد من أفراد الشعب المصري منذ سقوط سيناء ..
هذا الإيمان الذى جعل عزيمتهم على القتال لا يباريها عزيمة ولا تتراجع لها همة كما سنرى






الهوامش
[1]ـ حرب رمضان ـ اللواء حسن البدرى وفريق التأريخ العسكري الرسمى المصري ـ طبعة الهيئة المصرية للكتاب