الموضوع: رسالة حب قاسية
عرض مشاركة واحدة
قديم 06-01-2023, 12:22 PM
المشاركة 8
مُهاجر
من آل منابر ثقافية

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي رد: رسالة حب قاسية
هذه الرسالة كتبها الكاتب الروسي ( انطون تشيكوف) إلى شقيقه الذي كان يمر بأزمة نفسية حادة دفعت به إلى الإدمان من ناحية، وإلى ترك فن الرسم الذي كان يجيده من ناحية أخرى .
إنها رسالة قاسية نوعا، ولكننا حين نتأملها نجد أنها صدرت من قلب عامر بالحب، قلب يفيض على من حوله بالحب وبالرغبة في دفع الآخرين خطوة على الطريق الصحيح.
يقول تشيكوف في رسالته إلى شقيقه :
( إنك تشكو دائما من أن الناس يسيئون فهمك، أؤكد لك كأخ وصديق أني أفهمك حق الفهم، وأعرف صفاتك الطيبة كما أعرف أصابع يدي، فأنت في رأيي في غاية الطيبة والكرم والإيثار، وأنت لا تحمل حسدًا أو حقدًا لأحد، ولديك بعد هذا كله موهبة جميلة هي موهبة الفن، فن الرسم ، ولكن فيك عيبا واحدا يسبب لك كل ما تشعر به من ضيق وحزن وكآبة وهذا العيب هو ما يجعلك بعيدا على أن تكون الأخ المهذب الذي كنت أرجو أن يكون شقيقي.)
ويمضي تشيكوف في الحديث عن صفات الأخ المهذب الذي كان يرجوه حتى لا يجرح شعور أخيه يقول :
( إن الأخ المهذب لا يقيم الدنيا ويقعدها مثلا من أجل حاجة يبحث عنها ولا يدري أين وضعها ؟ وإذا عاش مع بعض الناس أو جالس بعضهم فإنه لا يرى ذلك تفضلا منه ، ويستطيع أن يتحمل الصخب والحر والبرد ولا يضيق من وجود الغرباء في البيت ، إنه صريح يتجنب التظاهر الأجوف، وليس ثرثارًا يعرض على الآخرين مشكلاته ، ولا يلتمس عطف الآخرين في امتهانه لنفسه، ولا يخدعه البريق اللامع فيحرص مثلا على أن يتعرف على وجهاء المجتمع، عليه أن يحترم موهبته إن كان موهوبا ويضحي في سبيلها ، إنه ذو حس مرهف وشعور رقيق بالجمال والقبح .

ويختم تشيكوف رسالته إلى أخيه بهذه الكلمات المؤثرة: ( إنس كل شيء في حياتك الحاضرة وعد إلينا ، إني أنتظرك، كلنا ننتظرك.)


إن هذه الرسالة تبين لنا حالة نموذج شائع في الحياة، وهو النموذج الذي يفقد التوازن أمام المشاكل التي تواجهه، فيشكو من الناس ومن الظروف ومن عقبات وعثرات الحياة.
إن هذه الحالة التي أصابت شقيق الكاتب الروسي تشيكوف قد تصيب كل واحد منا، قد تكون في لحظة من اللحظات القصيرة، وقد تمتد هذه الحالة وتتسع حتى تشمل الحياة كلها.
إن تشيكوف عالج أخاه بالحب والحكمة العميقة لأن الحياة الناجحة هي الحياة المنظمة التي تخضع لرقابة دقيقة هي رقابة الإنسان على نفسه وتصرفه وأن يواجه المشاكل التي تحيطه بدلا من الهروب منها ، وأن يتصبّر على نكبات وتصاريف الدهر .

يقول الشاعر :

إذا ما أتاك الدهر يوما بنكبة
فافرغ لها صبرا وأوسع لها صبرا
فإن تصاريف الزمان عجيبة
فيوما ترى يسرا ويوما ترى عسرا


وتقول الحكمة :
إذا شئت أن تزداد قدرا ورفعة
فلِن وتواضع واترك الكبر والعجبا

ما نُعانيه استاذتي الكريمة /
هو البُعد عن الايمان بأنفسنا ،
وتلك التزكية التي نجعلها هالة عصمة لأنفسنا !

سرعان ما تتحطم احلامنا في أول صخرة تعترض طريقنا !
لا نجعل من تلكم الانتقادات من الغير ، وتلكم الملاحظات
_ اكانت نابعة من حُبٍ وحرص ، أما هي نابعة من كُرهٍ وحسد _
جُسورا نسير عليها لنصل لهدفنا !


تلك الرسالة من ذلك الأخ /
هي رسالة البصير بخبايا الأمور ، وقد صقلته التجارب ،
وانضجته الحياة ، حتى انكشف لهُ الأمر ،
حتى تعمق في معناه ،


كم نحتاج لذلك الناقد البصير ، من انفسنا ، أو من هم حولنا ،
كما نحتاج للغوص في ذواتنا ، لنُصافح بذلك أروحنا ،

ومن ذلك نتجاوز تلكم الخيبات ،
التي تستشري في أرض الحياة .