عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2011, 09:20 PM
المشاركة 93
هوازن البدر
أديـبة وإعلاميـة فلسطيـنيـة

اوسمتي

  • غير موجود
افتراضي
ليس رغبة في التفلسف، بل مجرد حل سوء تفاهم مع الأصابع من أجل تحرير اليدين، لأن الإنسان لا يكون إلا بالفعل، فأنت ما تفعله لأنه ما ستكونه..
إصبع الموز إشارة نخلة إلى جذوره وإشارة نخلنا إلى جذور اللغة.. التجار الذين كانوا يرطنون في أسواقنا ولا يعرفون لغتنا جيدا كانوا يقولون «أعطني بنان موز».. فصارت بنانا «كلمتنا سابقاً» لهم… على نحو دخل رطنهم على اختلاف جذوره.
إصبع السائح إشارة إلى مدينة أخرى يبحث عنها في المدينة.. إصبع الإمام إشارة إلى ما لا نعرفه من الشريعة.. ولسوء تفاهم لغوي وجغرافي سحقت دبابة صديقة خمسة فدائيين كادوا يعبرون نهر «الشريعة».
إصبع المعلم.. إشارة متسخة من الطباشير لما يظن أنه يعرفه.. ويكاد يوقظ به عين تلميذة ناعسة تحت جدائلها المتقنة كسنبلة تتجلى في الندى.
إصبع القدر إشارة إلى الإنسان الذي كأنه غشاء رقيق بين ضغط خارجه يكاد يفجره وضغط داخله يكاد ينفجر به.. وكأن الحياة.. أي حياة محاولة لتحسين شروط الموت أو مجرد زخرفة لقبر ينتظر.
الأصابع في اللقاء مجسات وقرون استشعار تبحث عن اليد الأكثر دفئاً.
الأصابع في التسلق أول السقوط في مخاوف الروح.
الأصابع في النوم مكائد نصف نائمة، لحشرات تبنى عالمها على حافة أحلام مغلقة.
الأصابع في صياغة الذهب بحث عن قيمة القيمة حين تصير الهوية خداع بصر.
الأصابع على طرف الجريدة إمساك بزوايا الكلام الحادة ليصير الواقع رخواً.
الأصابع حول المسبحة تشكيل طري للدائرة وإلى كل ما يشير إلى الرحم للعودة.. حين يتعبنا السفر فيه.
الأصابع حول قطعة الشطرنج حساب مؤقت لخطة معدة سلفاً اسمها «مثل عاصفة الصحراء» حيث الضحايا يذوبون في الرقم كما يذاب الرصاص في جسد الموت.
الأصابع في الجيب وقوف على مسافة من فقر لا يبرهنه إشباع الحاجة. الأصابع في القوقعة بحث عن بحر أصغر من اللغة.. وبحث عن صلة القرابة بين هدير البحر وهدير القوقعة.
الأصابع حول جناحي فراشة.. خيانة للغبار المقدس.
إصبع في الأنف، توسع للفكرة وتضييق للأفق.
الأصابع المتشابكة رجال نفد صبرهم في المغيب، بعد فشل ذريع كان واضحاً منذ الصباح ولم يصدق أحد.
أصابع البيانو إمكانيات مجمدة وتقليد سخيف للأصابع على ألواح الزنك، وهي تبحث عن ملجأ للصراخ في القصف المتواصل.
أصابع الفكرة إمكانيات معكوسة لعقول الآخرين..
استطالة الأصابع قلق في الهوية
ألم في أطراف الأصابع حزن عبثي..
مهلا ستقولون «حزن عبثي..» هذه مجرد فكرة بلا معنى..
حسنا أيها السادة شاهدت غنمة تلد، وماتت وهي تلد، وكان ثغاء السخل مؤلماً لأنها لن تسمعه.. هذا يشبه ما أقصده..
هل شاهدتم حزناً بإصبعين أحدهما مبتور من جذره؟ هذا ما يبدو للوهلة الأولى.. لأن المسألة تبادل أدوار..
من يرى الموت ويحدق فيه يظنّه «قانون الحياة..» ومن يحدق بشكل مختلف يراه عارضاً عليها.. ولكن من أتقن صنع القناع لا يعود يثق بالفكر، ليس رغبة في التفلسف بل محاولة لإزالة سوء فهم الأصابع من أجل تحرير اليدين.
لأنه الإنسان لا يكون إلا بالفعل فهو ما يفعله هذا بالذات ما سيصير إليه
…..
أحسُ بحزن عبثي.. والآن تفهمون ما الذي أعنيه
إنها تغضب مني بالضبط، وبنفس الطريقة التي تغضب بها من غيري.
فلا أعود أشعر بأنني أختلف عن أي أحد.. هذا يطعنني في الهوية، وأحس بأنني لا أستحق المغفرة.. كلمة واحدة مني لا تفهمها، تطردني من الملكوت ولا أعود ذلك الشخص الخاص بها..
ورغم كل الحب الذي أبذله والصبر الذي أتقنه ورغم اتساع الروح، من السهل أن تجعلني أحس أنني كأي غريب في عالمها الذي أحياناً أتقاسمه معها، فيقودني وهم أو غرور لأحس أنه أيضاً عالمي..
أحس بالحزن حين أحس بأننا اثنين.
هل رأيتم حزناً بإصبعين أحدهما مبتور أيها السادة.
أنا الآن أكتب لا لأفرّغ هذا الحزن.. لأنه عبثي ولا يمكن التخلص منه.. إنه جزء من بنية الروح، وهل يقطع الإنسان رأسه حين يحس بالصداع؟
ربما حين يدمر الصداع قدرة الأصابع على التمسك بالحياة.. تلك القدرة ترتكز على أن هناك دائماً غداً نخبئه في خزانة اليوم.. لم نلبسه في حفلة الأمس، «حوّل حزنك إلى غضب، وغضبك إلى ثورة، وثورتك إلى إبداع» قال معلمي قدّس الله سره وكان إصبعه إشارة إلى ما لا أراه من الشمس.
حزين كسجادة في مقام الحسين../دمع علي وليس مني/ويعبرني كما يعبر النقش في النقش/أو كما يعبر العمر الطري شقوق اليدين/ليتها حين ركضتُ لاهثاً/كالساقية/بروحي الحافية/وقفت دقيقتين/بل ليتني أستحق لحظتين/لحظتي واللحظة الثانية/ويا لكبريائها يشقني جثتين/جثتي ورغبتي العارية.
أصابع مبتورة

الكاتب الفلسطيني : مغير البرغوثي

لا شيءيضاهي بزوغ الحب الصادق في قلب امرأة ..أمضت الكثير من الوقت راجفة على شواطئ الإنتظار..