عرض مشاركة واحدة
قديم 11-09-2011, 11:11 AM
المشاركة 4
عمرأبوحسام الحسني
من آل منابر ثقافية
  • غير موجود
افتراضي
استأثر الجانب التأصيلي في جهود الفاعلين في الحقل الأسلامي حيزا كبيرا من وقتهم و بحوثهم و اجتهاداتهم.كأن أول التأصيل في تجديد الفاعلية التنظيمية لدى الأفراد ، بعد أن كان جهودهم مبعثرة ، ابتدأت بجهود رشيد رضا ومحمد عبده و جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمان الكواكبي ، ثم كان التجديد في أول حركة إسلامية عصرية : جماعة الإخوان المسلمين ، حيث قال فيها مرشدها أنها حقيقة سلفية و صوفية ...وأنها ذات فهم شامل للدين الإسلامي.
لايتقبل بعض الصوفية أن يمدح أو يثني رجل ينتمي للحوزة المباركة الإمام حسن البنا رضي الله عنه ، فهو لا يرقى إلى مقام المربي المؤيد بالله ، رغم جهوده المباركة ، ومشربه الحصافي . وذلك لخلافه مع الشأن الصوفي في مسألة الكشف و المشاهدة و الرؤى و المنامات ، وزيارة الأضرحة ، ومسألة التوحيد ، ناهيك عن اشتغاله فيما بعد بالتدافع أيام الفاروق و أيام عبد الناصر ،ثم ما كان للأخوان من تاريخ دموي مع حزب عبد الناصر.
وكما قال لي لأحد الإخوة :الإخوان ، أو -عفوا لا أحب العبارة- خوانجية آخر الزمان ، ليسوا على خط الإمام حسن البنا، وقد ولى زمن المأثورات. قال الشيخ البنا رحمه الله أن جماعة الأخوان حقيقة صوفية ،بمعنى لها اهتمام في جانب الروحي و التربوي ، ولولا هذا الرقي لا يمكن للفرد أن يذوق طعم الإيمان.
و قد كان الرعيل الأول على قدم الصدق ، في الذكر و الوقوف بباب الله تعالى ، وجانب الرؤى كما حكته السيدة المكرمة بنور الله زينب الغزالي في ايام من حياتي ، ومنهم القوامون الصوامون و سيرهم شاهدة على ذلك لما حباهم الله من كرامة الشهادة و الثبات على المحن و ايام الإبتلاء و القهر في سجون السجن الحربي وليمان طرة وغيره
لا يمكن لأحد من الخلق ، مهما كان مشربه و انتمائه و مدرسته فضل الإخوان على المسلمين ذلك أمر لاشك فيه.
وفي نفس الوقت ، لا ينكر بعض الإخوة الفاعلين في الحقل الدعوي ، شجونهم و لوعاتهم عن غياب الجانب الروحي ومنهم يسميه الوجداني في حياة الدعاة.بمعنى استحواذ هم الساحة وفعلها ومسرحها على الفرد في المنحى الإجتماعي و السياسي و الثقافي وغيرها. لا ينكر أحد أن تجربة الإخوان كانت تجديدا في فقه الساحة و آليات الحركة و التدافع ،وهم مجددوا الميدان. ، حتى لانغمط و نبخس حقهم فهم إخوة لنا تجمعنا معهم وشائج طلب الله تعالى و إن اختلفت وجهات النظر و الوسائل و الغايات.فلهم الذكر الحسن في الجهاد في حرب الإولى في فلسطين ، و ممانعتهم و مدافعتهم للعبد الخاسر في تمييع المجتمع المصري المسلم الفذ ، و في حفاظهم عن المد و النور الإسلامي .
ثم تلك البحوث و الدراسات في المجال السياسي و الدعوي أمثال سيد قطب و عبد القادر عودة ....و غيرهم كثير. فهل يغمط أهل الله تعالى حق من جاهد ، بسبب اختلاف في مسألة زيارة الصالحين ، أو في نقدهم لمسألة الرقص الجماعي أثناء الذكر في مواسم مولانا عباس المرسي و أحمد البدوي رضي الله عنهما ؟.
و لعل إخوتنا في جماعة الإخوان المسلمين تنتابهم الحيرة و الذهول عما في كتب أهل الله تعالى من مصطلحات ، ومن مقامات الإحسان ، و الأذواق و الإشارات ، وخرق العوائد التي فاقت ما عايشوه من رؤى في السجن الحربي ، و يجدون الشأن الصوفي ، شأنا معقدا يستحيل فهمه لبعد الشقة ، وغياب الشروط المؤهلة لذلك.فلم لايكون لأهل الله تعالى اليد الطولى في مد يد الحوار و التقارب على بساط المحبة للتصالح و جمع الكلمة و تكثيف الجهود في الهم التربوي و الإجتماعي لصالح الأمة ؟.
لست مختصا في الشأن المصري ، فهذه مجرد خواطر لا غير. كنت منذ عشرين سنة مضت قد قرات لسعيد حوى رحمه الله كتابه تربيتنا الروحية ، ومذكراته في منازل الصديقين و الربانيين ، والمستخلص في تزكية الأنفس ، وكتاب من أجل خطوة إلى الأمام من أجل الجهاد المبارك ، و كان يشرح في منازله الحكم العطائية يدل و يستدل بحرقة ونوع من اللوعة بلغة بسيطة سهلة ممتنعة ، حكما ربانية يستحث نهوض الفاترين ، بمعنى نصيحة لأخوانه عن الجانب الأهم في حياة الإنسان ، العرفان و السلوك الروحي، لعله يجد من يستجيب ليعمل ، وينتقل من الإرادة إلى العزم ومن الغفلة إلى اليقظة.كتب تجديدية و أبحاث راقية في فن التربية ، حاول فيها جمع بين الإرادة التربوية الأساس مع الإرادة الجهادية النتيجة و الغاية المرجوة نصرة الله لكن بإرادة ربانية.و قد كانت أبحاثه مد وشائج الحوار مع أهل الله تعالى وبوضع للقارئ أسس و قواعد التربية و التزكية و التعليم بقواعد متينة و رصينة وذات بعد شرعي.
لكنه رغم ذلك أشار إلى أن جانب المعرفة بالسلوك ليست كمنازلته و ذلك يحتاج إلى الولي و المرشد الكامل.
وتجد ممن تشبع بالفكر الإجتهادي ، و في حركة عقلانية متطرفة إن صح التعبير ، يتنكر لجانب عظيم في حياة المسلمين ، عامل الإيمان بالغيب ، لا تتسع حويصلته الفكرية السقيمة من النور ، أن يسمع ما لأهل الله تعالى من الكرامات ، وما لأهل الله تعالى من البركة في الحركة و التربية و التاثير في الكون بالتصرف الرباني المستقيم مع آداب العبودية ، مما يجده في واقع المسلمين من خلط بين مفهوم الولاية و الشعوذة ، و الكرامات و الخرافات ، و التصرف و الإستدراج ، و التصرف الرباني و الحبائل الشيطانية . فيضع سدا منيعا سدا للذرائع ، فيقف حاجزا بين المسلمين وما لله من فضل على رسوله صلى الله عليه وسلم و المؤمنين و الصالحين من فضل ، بدعوى التجديد.
التجديد أن نترك جانب الغيب ، فمصالح الأمة الآنية في غنى بالإشتغال بسفاسف الأمور ، و أمامها معضلة البناء و التنمية و نشدان الحرية في مقابلة الإستبداد ، والحداثة و العصرنةو وتنظيم الشأن الإجتماعي و غيره.فيدعو إلى تجديد الفكر الإسلامي بمضمون أنور لكنه في العمق من ظلمات الشيطان ، آخذ من الكتاب و أترك كأفعال بني إسرائيل المشئومة.
فينكر مع المنكرين ،ما في كتب الصالحين من الكرامات ، ومهم من أساء بل انتقص من الذات النبوية الشريفة و الفيض النبوي و النور النبوي ، عن حسن نية و اجتهاد.
ومن الدعاة من يستهويه التحدي ، فينكر تاريخ الأمة فيدعو لبحثه من جديد و تحريره من عبادة الشخص والفعل الأسطوري للشخص ، و الإنتظار الموبوء بالخمول بالشخص المحرر المجدد.
المهم أحرر ، ولو على حساب الأصول و ما أجمع عليها الأسلاف مما لابد منه ، ويستحيال أنكاره ، لعله يجد مكانا في الساحة و شهرة الساحة و تميز الساحة ومنهم كثير!!!!.
فكيف سيعالج أهل الله تعالى مثل هذه الخروم ، أم كيف سيضعون في حسبانهم أن الخمول الصوفي الأخاذ في الأذواق الساحر للألباب لم يعد مجديا ، و أن التربية و التعليم و نصرة ماهم فيه من الخير ، واجب شرعي ، بل أمر نبوي ، و تكليف إلهي.!!!!.

كان لحظ النفس وهي من سهام إبليس لعنه المسمومة اليد الطولى ، بحسب الحكيم الترمذي رضي الله عنه كما يقول في كتابه ختم الأولياء ، في جعل المريد السائر إلى الله من قتلى الطريق : ( ....فإن موت القلوب من شهوة النفس ، فكلما رفض شهوة نال الحياة بقسطه. فيقال لهذا السائر إلى الله عز وجل : إنك لن تنال الوصول إليه ، ومعك مشيئة لنفسك. الوصول إليه من أعظم المشيئات !!!!!. فأنت باق حتى ترفض هذا كله .و إنما تباينت أحوال الأولياء ، وبعد البون هنا من أجل مشيئة الوصول إليه ، و النظر إلى جهدهم .و سأبين ذلك في موضعه، إن شاء الله تعالى !!!!.
فالطبقة الأولى سارت قليلا .فلما وجدت روح القربة ظنت أنها قد أصابت القوة كلها ؛ فتبجحت في شهوات النفس: من الضيافات ، و بقبقة الكلام خاليا مما ياتي به.حتى استولت على رياسة ، في قرية أو نواحي من النواحي ؛ أو على طائفة من هؤلاء الزمنى ، بين جهال و نساء وفتيان.فاستطابت طمح الأبصار إليها ، وتعظيمهم لها ، وبرهم بها. فهذه ثمرة سيرها : ظاهرها تخليط ، وباطنها مزبلة.فهؤلاء قتلى الطريق.)...ص 128، 129 كتاب ختم الأولياء ، تحقيق عثمان إسماعيل يحيى. وقد كان هذا الإنذار في الأزمنة الأولى من السير إلى الله ، ناهيك الآن.
لا يشاطرك إلا القليل ، في مسألة الدعوة إلى الله ، و خصوصا بعض المنتسبين إلى الطرق الصوفية. و كأن التصوف انعزال و ، وليعذرني وهو الواقع : نوع من حب النفس ، وانانية السالك الذي يستأثر بالنور عن غيره من المسلمين ، ومنهم من استغرق في نور النور حتى حجبتهم عن مراد الله تعالى منهم ، وهو مهام الدلالة إلى الله ، بأبسط جهد و عمل و إرادة و سلوك. والله أعلم بهم و بنياتهم و طويتهم ، لاعذر في زمن البشرى ، لمن استحوذ عليه النور أن يترك ذراري المسلمين في نار الفتنة و عواصفها ، وهو يرفل في نعيم الذكر ، لا يحدث نفسه بدعوة ، و لاعافية أمته ، و لا مهنة التمريض و الدعوة.
وقد كان هم الأوائل من القوم كما بلغنا و علمنا أهل الله تعالى ، تمام الرفق بالناس ، و التاريخ شاهد على هذا ، تقر أ تراجم الأولياء الكمل المنصورون بإذن الله تعالى ، ممن كان لهم باع كبير في الدلالة على الله ، فتجد أوصافا بليغة : النورانية الخاصة ، و سلامة الصدر ، و النور الأخاذ بالقلوب و العقول ، و الحجة البالغة الحكيمة ، والحركة التي لا تفتر ، والجهد الذي لا ينهار ، و الصبر على المكاره ، و التزام للشرع ، و عمل باجتهادت أهل الله من الفقهاء و المحدثين ، وفوق ذلك كله إرادة جمع الأمة على كلمة سواء ، وحسن الطوية والظن بالمسلمين ، و في زماننا لا يستطيع أحدنا حتى ليقرأ لمن يخالفه في الرأي ، ناهيك عن الحوار في الأصول و الفروع ، و تجاوز الأشكال و المضامين ، وكأننا في زمن الحروب البونيقية الأولى ، لا خفض للجناح فيها و لا التماسا للعذر.
ومما يحزن و لايفرح ، تجد بعض السالكين من أهل الطريق لا يعرفون الصحبة إلا في الخيال و الورق ، لا عن تلمذة ومخاللة و معاشرة وعمل و مصابرة ، وقد يكون مفهوم المربي عند هؤلاء كل من ظهرت كرامته وخرق عوائده ، و في هذا يقول الشيخ الأكبر قدس الله سره للفائدة و التذكير ، قبل أن نسترسل في الحوار الذي بدأناه في المقال الأول : ( ......الشيوخ نواب الحق في العلم كالرسل عليهم السلام في زمانهم ، بل هم ورثة الذين ورثوا علم الشرائع عن الأنبياء عليهم السلام غير أنهم لا يشرعون ، فلهم رضي الله عنهم حفظ الشريعة في العموم ما لهم التشريع ، و لهم حفظ القلوب ومراعاة الآداب في الخصوص ، هم من العلماء بالله بمنزلة الطبيب من العالم بعلم الطبيعة ، فالطبيب لا يعرف الطبيعة إلا بمن هي مدبرة البدن الإنساني خاصة و العالم بعلم الطبيعة يعرف مطلقا و إن لم يكن طبيبا ، و قد يجمع الشيخ بين الأمرين ، ولكن حظ الشيخوخة من العلم بالله أن يعرف الناس موارد حركاتهم و مصادرها ، و العلم بالخواطر مذمومها و محمودها ، و موضع اللبس الداخل فيها من ظهور الخاطر المذموم في صورة المحمود ، ويعرف الأنفاس و النظرة و يعرف ما لهما و ما يحويان عليه من الخير الذي يرضي الله ومن الشر الذي يسخط الله ، و يعرف العلل و الأدوية ، و يعرف الأزمنة و السن و الأمكنة و الأغذية و ما يصلح المزاج و يفسده ، و الفرق بين الكشف الحقيق و الكشف الخيالي ، و يعلم التجلي الإلهي ..
[/highlight]و يعلم التربية و انتقال المريد من الطفولة إلى الشباب إلى الكهولة ، و يعلم متى يترك التحكم في المريد و يتحكم في عقله ، و متى يصدق المريد خواطره ، و يعلم ما للنفس من الأحكام و ما للشيطان من الأحكام و ما تحت قدرة الشيطان ، و يعلم الحجب التي تعصم الإنسان من إلقاء الشياطين في قلبه ، و يعلم ما تكنه نفس المريد مما لا يشعر به المريد ، و يفرق المريد إذا فتح عليه في باطنه بين الفتح الروحاني و الفتح الإلهي ، و يعلم بالشم أهل الطريق الذين يصلحون له مما لا يصلحون ، و يعلم التحلية التي يحلي بها نفوس المريدين الذين هم عرائس الحق وهم له كالماشطة للعروس تزينها ، فهم أدباء الله عالمون بآداب الحضرة و ما تسحقه الحرمة.و الجامع لمقام الشيخوخة أن الشيخ عبارة عمن جمع جميع ما يحتاج إليه المريد السالك في حال تربيته و سلوكه و كشفه إلى أن ينتهي إلى الأهلية للشيخوخة ،و جميع ما يحتاج إليه المريد إذا مرض خاطره و قلبه بشبهة و قعت له لا يعرف صحتها من سقمها .....) الفتوحات المكية ، ج 2 ، ص 359 ، الباب الأحد و الثمانون و مأئة ، في معرفة مقام احترام الشيوخ.
وفي غياب أمثال ما قرأناه من الشيوخ ، وندرة المريدين في مثل هذه الأوصاف ، تنشأ الطفيليات في مناخ التافر و التحاسد و الصراعات و الخلافات ، و تبادل الإتهامات. و ينبري في المسلمين من لهم نظرة أشد تبسيطا و أكثر تعقيدا و تحجيرا ، فيعرضون عن جميع الإجتهادات. فينشا فقه التهجم و الكفر و العسر و اليسر ، فهما ذريا تبسيطيا للشرع و للعالم و الإنسان ، بل كل ما فيه ، سمهم إن شات تيار أعارض كل شيء و أسبح ضذ التيار ، لا لأغلب بل لأفرق و أسود .
فيقول في عناد : التصوف وثنية غنوصية باطنية مجوسية ، الحركات الإسلامية بدعة لم نجد في السنة بعدعة الأنتظام و النظام و العمل الجماعي ، المجتمع جاهلي لا فتنوي ، الأمة كافرة ، وهلم جرا.
و عليه فإن سائر الطرق التربوية بدعة ، تنظيم الإخوان ما تبتث أصوله في السنة ، ابن تيمية فارسنا البارع لا فهم إلا فهمه ، ما تبث في سنة الحبيب صلى الله عليه وسلم أن الصحابة تظاهروا وحاربوا الظلم و العدوان بالأمر السلمي !!!!!!!.
فإن قلت له إن الحبيب صلى الله عليه وسلم امرنا بترديد لا إله إلا الله نظر إليك محوقلا و كأنها أعجوبة ما سمعها ، ناهيك عن السبحة و الأوراد و الحفاظ على العدد في الذكر ......حتى لو قال لك أن في السنة النبوية ألف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم و الف القلوب و العقول و الصفوف في الجهاد في غزواته ، لكن هذا لا يتبث سنية التنظيم و العمل الجماعي ، و كان القائل من كوكب آخر ، و السامع زائر ، و الناقل أبله .....
وفي نفس المنحى ، تجد بعض المنتسبين للطرق يقولون : ما تبث أن النبي صلى الله عليه وسلم أهتم بالشأن العام ، أي الدولة و تدبير شان الدنيا.
وكأن الرسالة المحمدية ، كانت و لازالت و ستظل فقط مقرونة في العرفان الروحي ، و الخلاص الفردي !!!!!!!!.
لعل التربية النبوية كانت أعمق مما نتصور ، و حقيقته صلى الله عليه وسلم أبلغ و أرقى مما نعلم ، وهنا أضع بعض الأسئلة لأهل الله تعالى و المنسبين بحق من طلاب الكمال النبوي الكامل :
- لم حذرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم من الفتنة التي تموج موج البحر ؟
- لم أمرنا أن نكون في الفتنة كأحلاس البيوت ، وقد كن الخطاب موجها للرعيل الأول ، ما ذا نستفيد منه نحن ، و ما العبرة ؟ وهل حكم أحلاس البيوت ظل ساريا فينا ، أم هناك تجديد في الأمر بفهم آخر ؟.
-لم بشرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بالخلافة الثانية ؟.
-لم أخبرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم بالمجددين على رأس كل مائة سنة ، ومنهم المجددون ؟ وهل يكون فردا أم ممكن أن يكون طريقة صوفية أو جماعة مجاهدة ؟ أو حاكم مجدد في مسألة الحكم ؟.
-لم أمرنا صلى الله عليه وسلم باعتزال الفتنة ، و في نفس الوقت أمرنا بالخروج على الحاكم الجائر وفق شروط؟.
-لم حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من القوم الذين يمرقون في الدين كما يمرق السهم من الرمية ؟.
-لماذا أخبرنا بمقام الآمرين بالمعروف و الناهين عن المكنر في آخر الزمان ، و جعلهم بمقام المهاجرين و الأنصار من السابقين ،وعمل أحدنا كعمل الخمسين منهم؟.
فإذا كان الخطاب موجها لسائر الأمة من المؤمنين ، فهل أهل الله تعالى و خاصة المضطلعين بمهام التربية في منأى عن هذا التكليف النبوي ، أم هم مستثنون من الأمر ؟.
أم أن أهل الله تعالى يأخذون ببعض السنة و يتركون بعضها لا شان لهم بها ؟.
يجد بعض المنتسبين لأهل الله تعالى حرجا في مثل هته الأحاديث ، لكن عذرهم كما نعلم : ما علمني شيخي هذا بل أمرني فقط بمجاهدة نفسي الأمارة بالسوء ؟.
وهنا السؤال الملح المبكي المضحك : هل ستنتظر الأمة أهل الله تعالى الصادقين و حتى الأدعياء منهم ممن ينتسبون لهذا ،حتى يفرغوا من نفوسهم المارة بالسوء ، ليهتموا بشان المؤمنين من أجل عافية الأمة و صلاحها !!!!!!!.

قول الشيخ عبد السلام ياسين في مقدمة كتابه الإسلام و تحدي الماركسة اللينينية ، طبعة 1406 هجرية : ( ....في برنامج المسلمين الفاتحين، كما عرضه الناطق باسمهم في بساط رستم، إخراج الناس من جور الأديان إلى عدل الإسلام. كانت هناك خطة واضحة، كان هناك منهاج مبسط، لكنه كان واضحا وعمليا، وقابلا للتنفيذ، ومنفذا بالفعل، لعل القدرة الفعلية على إنجازه كانت من أهم عوامل وضوحه. ولا شك أن مصدره السماوي، وأثر الوحي الطري في قلوب تلك الأجيال وعقولها، والتربية النبوية، والدولة الخلافية، والقيادة الفذة على يد أمثال خالد وأبي عبيدة رضي الله عنهما كانت الأسس المتينة لتلك القدرة.
كانت واضحة أمامهم الطريق، كان المسؤول العربي المؤمن المجاهد، يتقدم على الصراط المستقيم واثقا بالله عز وجل وبما هو عليه من جهاد ما دام مستمسكا بالوحي، \"فاستمسك بالذي أوحي إليك، إنك على صراط مستقيم\". هذا الصراط المستقيم كان عين المنهاج، مرتبا كما ورد ترتيب العقبة المنهوج عليها : فك رقبة، إطعام يتيم ومسكين، ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. وربعي وإخوانه كانوا هم الجماعة المؤمنة المتواصية، متشبعين بأن الله تعالى ابتعثهم ليفكوا رقاب العباد ويحلوا سيادة الله في الأرض وفي الشعوب محل سيادة المستعبدين للخلق، ويحلوا عدل الإسلام محل جور الأديان.
ثم مالبثت تلك الطريق أن تعتمت، أول ما تعتم منها الحكم، ومن فساد الحكم إلى طاعة الحاكم طاعة عمياء، ومن ذلك إلى خضوع الرقاب لغير الله، ومن ذلك إلى فشو الجور ونشوء الطبقية مع يقظة عُبَيَّة الجاهلية، ومن ذلك إلى التفتت التاريخي للمجتمع الإسلامي. في هذه الأربعة سطور طويت أربعة عشر قرنا من تاريخنا، فها نحن لا وضوح لدينا لذلك المنهاج ولصيغته البرنامجية كما أعلن عنها الجندي المجاهد ربعي رحمه الله.
ما عَتَّمَ الطريق ؟ ما نَكَّرَ ذكرها في آذاننا ؟ ما غَيَّرَ معالمها حتى صرنا تزيغ منا العيون إلى الآفاق الإيديولوجية لترى برقا يؤذن بغيث الحرية والعدل ؟ نستأنس بتلك الشعارات الهطالة المدوية : \"قومية، وحدة، اشتراكية\".
ونزداد إليها إصغاء وتحديقا كلما توغل في جسمنا فعل الحكم الطاغوتي الطبقي الظالم ؟
لا تهدأ الفطرة الإنسانية المجبولة على حب الحرية والعدل أو تجد طريقا إليهم، على الوضوح إن كان، وعلى الطريق المعتمة إن لزم. الفقر يطلب الغنى كما تطلب العبودية الحرية. الحاجة الفطرية تدفع إلى ما يحقق الكرامة الإنسانية. فإن وقف حاجز يمنع المجتمع عن أهداف العدل والحرية، فخرق ذلك الحاجز محتم حتمية الثورة بالنسبة لمجتمع المسلمين في بداية هذا القرن الخامس عشر المبارك إن شاء الله تعالى.
في جانب النداء الاشتراكي تتعمق الاشتراكية بعد فشل التجربة الناصرية وتتجدر في الأصول الماركسية، وفي الشعارات الماركسية، لتحظى بصفة العلمية، وتأخذ الماركسية مصالحتها التكتيكية مع القومية، وتقترح من بروج عزلتها الإيديولوجية، من الواقع البورجوازية الصغيرة حسب تعبيرهم، الوضوح الماركسي، والطريق الماركسية.
في جانب النداء الإسلامي هبة إيمانية، صحوة في القلوب، تحتاج إلى صحوة فكرية عملية تواكبها وتعززها وتفتح لها الآفاق السياسية. تحتاج إلى عرض لبرنامج إسلامي في التحرير والعدل.
الأرض السياسية التي يقف عليها الاشتراكيون أرض صلبة، قاعدتهم العاطفية التي يتضمنها نداء العدل تتجاوب مع الفطرة البشرية.
فمهما رفعنا نداء الإسلام دون أن نبين البرنامج العدلي أو أجلنا إعلانه، فالفطرة المظلومة المتمثلة في سواد الأمة وجماهيرها المحقرة المفقرة ستظل حائرة، لا تثق بالصارخين من عزلتهم على الإمبريالية والبورجوازية لعدائهم السافر للإسلام، ولا هي تثق بالإسلاميين لسكوتهم المطبق عن القضية الاجتماعية.
وأن إمامة هذه الجماهير تؤول، لاقدر الله، لمنافقين ثوريين يأخذون من الإسلام شعار الإيمان، ومن الماركسية شعار الثورية والعدل، ولعلهم يكونون أذكى من الصنف الماركسي القديم الذي يتلوى في مقولات الإيديولوجية الماركسية التي لا يهضمها الشعب المسلم ولو جاءت مبسطة سوقية.
لابد من مخرج لمأزق الأمة، لابد من حل لمشاكل الظلم الطبقي، والتبعية للدول المستكبرة، والتخلف الاقتصادي، وهضم كرامة الإنسان، إما على الطريق المستقيم، وإما على الطريق المعتم، عندما تشتد الأزمة بالأمة، وعندما تتجمع طاقات السخط، ويقف المجتمع على الهاوية، تكون الدولة والغلبة والفرصة لمن يتقدم بجرأة ووضوح، وقدرة على التنفيذ، ببرنامجٍ العدلُ في مقدمات بنوده. في الإنسان شرارة وامضة تتألق إذا ذكر العدل، وقد يقتحم الإنسان كل الظلمات على ضوء هذا الألق وحده، يعوض به كل هدي وكل نور.
يقول جان جوريس الاشتراكي الفرنسي الشهير : \"حتى لو أطفأ الاشتراكيون للحظة كل نجوم السماء سأمشي معهم على الطريق المعتمة التي تؤدي إلى العدل، تلك الشرارة الإلهية التي ستكفي لإشعال كل الشموس في كل أعالي الفضاء\".
لا يتكلم الماركسيون هذه اللغة المجنحة، لكن الشاعرية المرهفة والحس الإنساني الذي نطق عنه الاشتراكي الحالم جوريس يعبران عن الفطرة البشرية، عن التوقان الجِبِلّي للعدل، وهما مخزن الطاقة الثورية التي يتقن الماركسيون تفجيرها من خلال العرض الإيديولوجي \"العلمي\" الموضوعي.
جوريس يشير من بعيد إلى الطلاق العلماني الذي تمخض عنه تاريخ أوربا بعبارة \"إطفاء نجوم السماء\" ويشير إلى تعويض الدين السماوي المفقود بالدين الأرضي العدلي بعبارة \"إشعال الشموس في أعالي الفضاء\".
بالشعر أو بدون الشعر لا يتعايش العدل الماركسي أبدا مع الدين. فإن عجز الإسلاميون، لا قدر الله، عن عرض برنامج العدل الإسلامي وتنفيذه، فيوشك أن يشعل غيرهم فوانيس النفاق كما فعل \"مجاهدو خلق\" في إيران وكما تخطط إديولوجية \"جغرافية الكلام\" ليصلوا إلى مقادة الحكم باسم العدل فيطفئوا نجوم الهداية وشموس الصراط المستقيم باسم العلمانية الثورية والعلمية.
في المسألة الاجتماعية تكمن أسباب الزيغ والانحراف، في وجود الفقر في جانب والغنى في جانب، في تركب الظلم السياسي على التفاوت الطبقي وتولد هذا من ذاك وفي المسألة الاجتماعية تكمن الغيوم المظلمة التي تلبد سماء النفوس والعقول، فتتعتم الطريق وتتقتم.
دعنا من الفلسفة المادية الجدلية، ومن التحليل التاريخي الماركسي إلى حين. ولنضع بين يدي حديثنا عن الماركسية ومع الماركسين معلمة من معالم الهدي النبوي لنشرف منها على أرض المعركة بين الحق والباطل، هذه الأرض السياسية النفسية الفكرية الضاربة في أعماق الفطرة الإنسانية، المتجلية في الغضب على الظلم، ذلك الغضب الذي يزيغ القلوب ويقلب موازين العقول، كما يزيغها الاستكبار الطبقي أصل البلاء.
يقول أبو الدرداء صاحب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن ماجة عنه رضي الله عنه بسند حسن : \"خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال : آلفقر تخافون ؟ والذي نفسي بيده، لتصبن عليكم الدنيا صبا، حتى لا يُزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيَّهْ ! وايم الله ! لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء\". فقال أبو الدرداء : \"صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم، تركتنا والله على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء\".
إنها معضلة ثلاثية الحد قوية التحدي أمام الأمة الإسلامية، اختيار حاسم وملح، اختيار بين إسلام صوري أمريكي يغطي بجلبابه الطبقية الشنيعة والتبعية واستقرار اليهود في القدس وأمنهم، وبين عدالة اشتراكية ماركسية روسية تعادي الإسلام وتغطي تبعية مثل تلك، وطبقية لا تخجل أمام تلك، وأمنا لا يقل لإسرائيل ولمصالح الروس عن ذاك. والخيار الثالث الصعب هو خيار المحجة البيضاء التي تركهم عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، واعترف بوضوحها أبو الدرداء، واعتز باتباعها عمر، وعرض برنامجها، بوضوح ساذج من الصنعة الفلسفية ناصع، ربعي بن عامر رضي الله عنهم أجميعن. ).
فهل نتجاوز عتمة الجهل بمهامنا في زمن البشرى بالخلافة الثانية ، و الطريق المعتمة لنكون في مقام من فهم ولبى ودعا و سار وجاهد ثم ختم له بالحسنى .نسال الله التوفيق.