عرض مشاركة واحدة
قديم 12-31-2010, 01:01 PM
المشاركة 138
عبد السلام بركات زريق
مشرف منبر الشعر الفصيح

اوسمتي
الألفية الرابعة الألفية الثالثة الألفية الثانية المشرف المميز الألفية الأولى الحضور المميز 
مجموع الاوسمة: 6

  • غير موجود
افتراضي


المصدر
ديوان نداء الرميم
رقم القصيدة (4)



أَفقْ أسرِجْ مُسوَّمةَ القوافي



في رثاء الشاعر السوري
الكبير بدوي الجبل




عشقتَ الأرضَ تفترشُ الترابا
فغادرتَ الأحبَّةَ والصِّحابا


وكنتَ إذا همستَ بأيِّ حرفٍ
عَلَوتَ الشمَّ واجتزتَ السَّحابا


أشاقَكَ أن ترى شوقي أميراً
وحافِظَ يسردانِ الشبابا


يُديرانِ الكؤوسَ على النَّدامى
وقد حسُنوا بمجلسِهِمْ مآبا


أشاقكَ للصِّحابِ هوىً قديمٌ
فخلَّفتَ الشواطئَ والعُبابا


ترتِّلُ بينهم آياتِ فنٍ
تُصفِّي السِّحر تنشرُه كتابا


وتكتبُ ألفَ ملحمةٍ وتُصغي
لصوتِ اللهِ يخترقُ الحجابا


فهل تبكيكَ قافيتي لأنِّي
أخافُ على القريضِ رؤىً كِذابا


أمَ انِي خِفتُ أن تَلِدَ اللَّيالي
عقاربَ تُرسلُ السُّمَّ انسكابا


تحاولُ أن تُعَشِّشَ في المغاني
تُسمِّمُ شهدَها الحُلوَ المُذابا


وتلدغُ باليراعِ إذا تعرَّتْ
عروسُ الشعرِ تَمتلكُ اللُّبابا


نبيَّ الحرفِ كنتَ لنا إماما
تصلِّي بالأصيلِ وقد أنابا


إذا نُصبتْ خيامُ القومِ جئنا
عُكاظَ الشعرِ نقتحمُ الشِّعابا


نُحكِّمُ بيننا البدويَّ شعراً
ونابغةَ القريضِ بما استطابا


وما سُمِّيتَ بالبدويِّ إلا
لأنَّ الشعرَ شرَّفكَ انتسابا


أعيبٌ أن نسيرَ على خيولٍ
ونعقِدُ فوقَ هامتِنا النِّقابا !!


* * *

هنالكَ في المعرَّةِ عاشَ أعمى
يظلُّ الغربُ يدرسُهُ انكبابا


على قَشِّ الحصيرِ ببعضِ قوتٍ
أقامَ الكونَ أَقعدَه اخْتلابا


قبابُ الشعرِ يسكنُها المَعرِّي
فلمْ عابوا الأصالةَ والقِبابا


* * *

حملنا في الصدورِ هوىً قديماً
فكنَّا النَّسرَ حلَّقَ والعُقابا


وجدَّدناهُ مضموناً وشكلاً
وأفكاراً وألحاناً عِذابا


وجاؤوا بالجديدِ بألفِ لونٍ
وقد جَهِلوا الحقيقةَ والصَّوابا


أصابَهُمُ عمى الألوانِ حتى
رأوا ألوانَ مَحتدِهم سَرابا


يعيبونَ الأصالةَ في القوافي
وما ادَّخروا الشتائمَ والسُّبابا


فقالوا: أكثر الشعراءِ حبَّاً
قديم الشعرِ أوسعهم رحابا


وظنُّوا العيبَ في حبِّي تراثاً
بأوردتي يسيرُ ولن أُعابا


وكلُّ العيبِ في شَطَطٍ سخيفٍ
ضبابيٍّ لقد عَشقوا الضبابا


حنانَكَ أَعطني ناياً قديماً
لأُسمِعَهمْ به العَجَبَ العُجابا


* * *

أبا الشعراءِ أشرقَهم بياناً
وأسلسَهُمْ وأبلغَهمْ خِطابا


عزفتَ الحبَّ أشعاراً تَسامى
لقد صنعَ الخلودُ لك الرَّبابا


تذوبُ بضحكةِ الأطفالِ لحناً
وقافيةً تُدلِّلُها انسكابا


أَدِرْ صهباءَ خالِقةِ القوافي
على السُّمَّارِ وانتظرِ الجَّوابا


* * *

فإن شَربوا فقد بَلغوا الأماني
وإن سَكِروا فقد نِلنا الثوابا


نَزيلَ القبرِ يا قمراً تولَّى
ليسطَعَ لم يُطِقْ أبداً غِيابا


تزوَّدْ بالقريضِ ليومِ حشرٍ
وقلْ يا ربّ لم أحفظْ كتابا


سوى القرآنِ والغُررِ اللواتي
أتيتُ بهنَّ أفْتَتحُ الحسابا


لقد خلَّفتُ أنهارَ القوافي
لأهلِ الفكرِ تَرويهم شرابا

سكبتُ لهمْ دمائي من يَراعٍ
لغيركَ ما تبتَّلَ أو أَنابا


تطاولَ فاستَرقْتُ السمعَ فيه
بأمركَ لم يَجِدْ رَصَداً شِهابا


تركتَ لهُ سماواتِ المعاني
مُفتَّحةً فطافَ بها وآبا


يصوغُ عُقودَ حاليةِ القوافي
ويكشفُ عن بصيرتيَ الحِجابا


فجاءَ بكل خالقةٍ وكنزٍ
ونبعُ السِّحرِ يرفدُها انسيابا

على أزهارها " فيروزُ" رَفَّتْ
تمصُّ العطرَ تسكبُهُ رِضابا


وما طَرَبُ الأريبِ لسحرِ صوتٍ
إذا لم يغْنَ من كَلِمٍ مَلابا


* * *

نديَّ الحرفِ في كَبِدي التهابٌ
فهل يُشفي الرِّثاءُ بها التهابا


يَراعُكَ صيغَ من أَلقِ الدَّراري
فشَبَّ على مدارجِها وشابا


فكانَ الماردَ العملاقَ يمضي
ليكشِفَ عن وجوهِهِمُ النِّقابا


يُعرِّي الساترينَ بألفِ ثوبٍ
عيوبَهُمُ ويُنذرُ من تَغابى


وكم حشدوا لهُ قلماً هزيلاً
فكان التَّبْرْ* وانقلبوا تُرابا


* * *

أفقْ أسرِجْ مُسوَّمةَ القوافي
وهاتِ السيفَ واتَّرِكِ القِرابا

(نُجابهُ باليهودِ دماً وناراً)
فنسحقُهم ونتركُهم يَبابا


(سحقْنا الغاصبينَ فلا ذهاباً
نرى للغاصبينَ ولا إيابا )


بِطاحُ القُدسِ دنَّسَها لئيمٌ
وأَمعنَ في محارمِها خرابا

مآذنُه تعانِقُ في الأعالي
نواقيسَ القيامةِ والسَّحابا


تسائِلُ عن أبي حفصٍ أيأتي؟!
يُصلِّي الفجرَ فيها والغيابا


يَشُدُّ قيادَ ناقتِه ويمشي
وقد خلَّى لخادمِه الرِّكابا


وما خفيَ الأنينُ بها ولكنْ
حلا في سمعِهِمْ نغماً وطابا


* * *

أطِلَّ من الخلودِ أبا القوافي
تجدْنا في الوغى أُسْداً غِضابا


ذُرا لبنانَ تشهدُ كم سقَيْنا
جبالَ الأرْزِ من دمِنا شرابا


ويسمعُ غيرُنا نَدْبَ الثَّكالى
و يُغضي لا قتالَ ولا ضِرابا


هنالكَ بالحجارةِ ثارَ طفلٌ
بأرضٍ كم عشقتَ لها انتسابا

وتنكرُنا المجالسُ في صمودٍ
وقد خسئَ الدَّعِيُّ بها وخابا


* * *

أَترحلُ والديارُ تئنُّ قهراً
وقدسُ اللهِ تغتصبُ اغتصابا

أترحلُ والدُّجى حَلِكٌ وتمضي
وأرضُ العُرْبِ تَحتربُ احترابا


لقد سقطتْ بنا زُهْرُ الأماني
لقاعِ اليأسِ خوفاً واضطرابا

نُذيبُ الوهمَ حتى نَحتسيهِ
كؤوساً تَغتلي سُمَّاً وصابا


إذا أبدى الحبيبُ لنا صدوداً
نسجْنَا النورَ في سَهَدٍ عِتابا


وإنْ شفةٌ تبدَّتْ في احتراقٍ
ملأنا الكونَ شعراً أو عَتابا*


وإنْ صَدِئتْ سيوفُ العُربِ يوماً
جلوناها بألسنِنا احتسابا


بمُعجزة القريضِ نَخطُّ سِفْراً
من الأمجادِ نملؤهُ حِرابا

سلاحُ الشعرِ في دمنا قوافٍ
فهلْ حَسَبوا لقافيةٍ حِسابا


* * *

إذا مسَّتْ ثرى الأوطانِ كفٌّ
تُثيرُ الرُّعب تَفتعلُ الخرابا


بترناها بأسيافٍ غِضابٍ
فهاتِ الشِّعرَ أسيافاً غِضابا


يهزُّ يراعُنا الدُّنيا ويسمو
إلى الأفلاكِ مُنطلِقاً شهابا


وتصرفُنا الهمومُ عن الأماني
وتُنسيْنا المفاتنَ والرِّغابا


ونُحشرُ للحسابِ وأيُّ حشرٍ
به يدعو الضَّعيفُ ولن يُجابا


تبدَّلتِ النفوسُ فلا نفوسٌ
تعافُ الذلَّ أو تَأبى اغتصابا


* * *

أصيلَ الحرفِ يا عَلَماً تَسامى
فأطرقَ شعرُهم وحَنى الرِّقابا

بقلبي ألفُ أغنيةٍ تهاوتْ
بها أشلاؤُهُ وقَضى اغترابا


لقد ثَكلَ الشبابَ وأيُّ قلبٍ
كقلبِ الصبِّ إنْ ثَكِلَ الشبابا

يعاودُه الحنينُ إلى الليالي
وقد أمستْ لياليهِ اكتئابا


يُحسُّ ولا يحسُّ ويَعتريهِ
ذهولٌ كالذي قَبضَ السَّرابا


تصابَى حين لمْ يُجْدِ التَّصابي
وحين دَرى به المحبوبُ تابا


* * *

أفقْ باللهِ يا قمراً مضيئاً
أحبَّ الأرضَ فافترشَ التُّرابا

أَدِرْ خمراً معتَّقةً تَأَبَّتْ
على الشعراءِ سَكْباً واحْتلابا


وجُدْ بنصيبِنا من خيرِ إرثٍ
ولا تَحرمْ شُبولَتكَ النِّصابا



* التَّبْرْ ... الهلاك
* العَتابا ... من ألوان الشعر الشعبي الشامي